مارش الحسام / لا ميديا -

صارت السموم والمبيدات والأسمدة الخطرة تلازم اليمنيين مثل ظلهم، ولا يقتصر حضورها على موائدهم في ثمرة مخصبة بكيماويات خطرة،فالسموم حاضرة حتى في هوائهم الذي يستنشقونه من أوكسجين مشبع بالسموم وبتصاريح رسمية.

أمراض بتصاريح رسمية
يجد كثير من المواطنين أنفسهم مجبرين على استنشاق غازات وأبخرة سموم تتسلل إلى مساكنهم بتصاريح رسمية من الجهات المختصة، والتي ترخص لتجار الموت ليس فقط بتخزين سمومهم بالقرب من مساكن المواطنين، وإنما بإنشاء أسواق مركزية للسموم الفتاكة وسط أحياء سكنية يمكن اعتبارها مناطق منكوبة تتجرع السم الذي يهدد سكانها بمخاطر صحية كارثية، بالأخص كبار السن والأطفال والحوامل والأجنة ومرضى الربو والمصابين بأمراض الجهاز التنفسي، وغيرها من الأمراض (المصرح بها من قبل وزارة الزراعة).

الحد المسموح به من الأمراض
الأمراض والمخاطر الصحية السالفة الذكر لا تخص كل أنواع السموم، وإنما الحد المسموح به من الأمراض الناتجة عن السموم الخطرة والمبيدات الأكثر سمية، والتي تخزن في أوساط الأحياء السكنية وبتصاريح رسمية.
ولا تخص الأمراض والمخاطر الصحية الناتجة عن تلك المبيدات المسرطنة أو المحظورة حتى من قبل الجهات المسؤولة، فتلك لها مخازن سرية في منازل وشقق سكنية، ومخاطرها مضاعفة.

مخازن السموم فوق القوانين
تجرم كل القوانين الصحية والبيئية والسكانية والحقوقية في كل دول العالم، تخزين السموم بالقرب من الأحياء السكنية أو وسطها.
أما في بلادنا، ورغم أن هناك أكثر من قانون يمني يمنع اقتراب تلك المخازن القاتلة من مساكن المواطنين، إلا أن مخازن السموم لها مطلق الحرية في التموضع وسط أية حارة أو حي سكني، ليس هذا فحسب، بل إن هناك أسواقاً مركزية للسموم وسط الأحياء السكنية، كما هو الحال في منطقتي شعوب والحصبة.
سبق أن وجه أهالي منطقة شعوب بأمانة العاصمة عشرات المناشدات للجهات المختصة بضرورة نقل محلات ومخازن السموم من شوارعهم إلى مناطق بعيدة. مؤكدين أن تلك المحلات تشكل خطرا عليهم، وتفوح منها روائح كريهة وخطرة على سكان المنطقة الذين يجدون أنفسهم مجبرين على استنشاق أبخرة وغازات ورائح سمية تتسرب إلى داخل منازلهم.
كما ناشدوا الحكومة إجراء دارسة أو مسح طبي في المنطقة لرصد أعداد الحالات المرضية جراء تفشي السموم وروائحها فيها.
إدارة صحة البيئة بأمانة العاصمة سبق أن دقت جرس الإنذار تحذيرا من كارثة صحية وبيئية جراء وجود مخازن المبيدات في الأحياء السكنية والحارات بأمانة العاصمة المكتظة بالسكان.
وأكدت أن تخزين السموم قرب المساكن ممنوع بموجب كل القوانين، لكونها تحتوي على درجة كبيرة من السموم الخطرة حتى على التربة والبيئة والمياه الجوفية، ويُمنع حتى إحراقها أو دفنها، فآثارها السلبية تبقى لعشرات السنين.

التطبيع مع المبيدات «الإسرائيلية»
أكد مصدر خاص لصحيفة «لا» أن جهات نافذة وراء إدخال شحنات السموم المحظورة إلى اليمن، وأن الوزارة تقف عاجزة، بل تنكر وجود ذلك.
وذكر مصدر خاص لصحيفة «لا» أن 90٪ من المبيدات تدخل اليمن مهربة، وأن شخصيات نافذة تقف وراءها. 
وأكد أن هناك أكثر من 100 صنف مبيدات محظورة يتم تداولها في الأسواق اليمنية، بينها سموم «إسرائيلية».
وأضاف قائلا: «هناك الكثير من السموم والمبيدات الإسرائيلية يتم تهريبها إلى اليمن، وكثير من تجار السموم لديهم مخازن في شارع مأرب، وفيها يتم تغيير اللاصق الخاص بهذه المبيدات، والذي يحوي اسم البلد المصنع، وتستبدل بلواصق على العبوات باسم بلدان أخرى».

تراجع استيراد السموم
أكد المهندس وجيه المتوكل، مدير عام وقاية النبات بوزارة الزراعة، لصحيفة «لا»، تراجع حجم كميات المبيدات المستوردة خلال السنوات الأخيرة، نتيجة القيود والرقابة التي تفرضها الحكومة في صنعاء سعيا منها لتوفير احتياجات المزارعين من مبيدات أقل سمية.
وقال المتوكل إن ما بين 7 و8 ملايين طن هي حجم المبيدات والأسمدة التي تدخل اليمن حاليا بتصاريح رسيمة، وفق إحصائيات السنوات الثلاث الأخيرة.
وأشار إلى أن الإدارة العامة لوقاية النبات تخوض حربا غير متكافئة مع ظاهرة تهريب المبيدات، وأن «دول العدوان التي تحاصر اليمنيين من الدواء والمشتقات النفطية تسمح بدخول شتى أصناف السموم دون أي عراقيل، بما فيها تلك المحظورة والمسرطنة، والتي لها مخاطر كارثية على الإنسان والبيئة بشكل عام، كونها تتسبب بأمراض نوعية في الجهاز العصبي والغدد والكبد وغيرها من الأمراض، وتمتد خطورتها إلى التربة والمياه الجوفية والبيئة بشكل عام».
وأضاف قائلا: «بسبب التسهيلات التي يقدمها العدوان والرقابة التي تفرضها حكومة الإنقاذ أصبح التاجر المستورد اليوم يأتي إلينا ويطلب منا تصريحاً مثلا بـ20 طناً لإدخالها من المنافذ، ولكن ما يصل إلينا هو حوالي 10 أطنان فقط، أي نصف الكمية المسجلة، والنصف الآخر يتم تسويقه في المحافظات الجنوبية، التحالف يسمح بدخول ما هب ودب من سموم، وحتى في عدن لا يوجد هناك مختبرات فحص لهذه المواد، فالمختبر في صنعاء فقط، وبالتالي ففي المحافظات المحتلة يتم تداول كل المبيدات المحظورة، وأحيانا يتم تسريبها أو تهريبها إلى صنعاء وبقية المحافظات الشمالية». 
وأكد أنه وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية تم ضبط 100 طن من المبيدات المهربة والمحرمة خلال العام 2018، وتمت إحالة عدد من تجار السموم إلى الجهات القضائية.
ولفت إلى أن غالبية قضايا السموم ماتزال عالقة في النيابة باستثناء البعض منها صدرت فيها أحكام قضائية يكون من الصعب تنفيذها في بعض الأحيان.

حيل مبتكرة للتهريب
وأضاف المهندس المتوكل: «نحن نواجه صعوبة ليس فقط في متابعة القضايا في أروقة القضاء، بل حتى في التعامل مع ما يتم ضبطه من مبيدات ممنوعة أو غير مطابقة للمواصفات، فبعض الشحنات يجب إرجاعها إلى بلد المنشأ، والتاجر يخرج من المنافذ الواقعة تحت سيطرتنا وحين يصل إلى المناطق المحتلة يقوم بتوزيعها هناك دون إرجاعها إلى مصدرها، ومن هناك يتم تهريبها أو نقلها بطرق متعددة لا تخطر على بال إلى مناطق السيطرة الوطنية، وهناك من يهرب السموم عبر خلاطات أسمنت أو وايتات (خزانات) ماء وغيرها من الحيل التي تم كشفها، وكان الدور الأكبر لأجهزة الأمن، ومع ذلك نحن نفرض رقابة مشددة على المحلات، والرقابة اليوم تتجاوز صنعاء وتشمل كل المحافظات الواقعة تحت سيطرتنا، وتم ضبط ومصادرة كثير من المبيدات القادمة من المحافظات المحتلة وإغلاق المحلات التي تتاجر بها».

مخازن سرية
وأفاد أنه وخلال الشهر الماضي وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية تم ضبط حوالي طن ونصف من المبيدات غير المرخصة والخطرة مخزنة في أحد البيوت وسط العاصمة صنعاء.
وحول مخازن السموم المنتشرة في أحياء أمانة العاصمة، يقول: «رغم حرصنا على استيراد مواد أقل سمية، ولكن هذا لا يعني أنها آمنة في تخزينها وسط الأحياء السكينة، فطالما مكتوب عليها سموم فهذا يعني أنها خطرة على السكان المجاورين لهذه المخازن».
وكشف عن وجود خطة لنقل أسواق ومخازن السموم إلى خارج العاصمة، «لدينا خطة لنقل كل أسواق ومخازن السموم من وسط العاصمة إلى خارجها، ونحن نبحث عن مستثمر أو أي شخص لديه الاستعداد لإنشاء أسواق تجارية خاصة بالسموم خارج العاصمة، ونحن نريد 3 أسواق مساحة السوق من 4 إلى 5 آلاف لبنة، واحد شمال العاصمة في همدان، وآخر على خط صنعاء ـ ذمار، وبعدها سنلزم مخازن وشركات السموم بالذهاب إلى تلك الأسواق، وبنفس الوقت سيسهل علينا مراقبة تجارة السموم».

الأطفال ضحايا السموم
أكد أحد الأطباء في مستشفى 22 مايو بضلاع همدان أن المستشفى يستقبل بصفة مستمرة أطفالاً مصابين بأمراض مختلفة نتيجة قيامهم برش سموم القات.
وقال: «يتردد علينا أطفال مصابون بأمراض جلدية وآخرون مصابون بحساسية في العيون أو الجلد والجهاز التنفسي وغيرها من الأمراض نتيجة قيامهم برش سموم القات، الأمراض الحالية ليست إلا مقدمة أو جرس إنذار لمخاطر مستقبلية يمكن أن يتعرض لها الأطفال نتيجة السموم كالعقم والسرطان والغدد وغيرها من الأمراض الخطرة التي تظهر أعراضها بعد سنوات».
وأشار إلى أنهم من ذات المنطقة همدان، وكذا بقية مديريات محافظة صنعاء المشهورة بزراعة القات. 
وأضاف: «غالبا ما توكل مهمة رش المبيدات في المناطق الريفية إلى الأطفال الذين اعتادوا على إنجاز هذه المهمة الخطيرة دون أي احتياطات وقائية من ملابس وأقنعة».
وتابع: «الطفل يتعامل مع السموم بشكل مباشر، وتلامس جلده وملابسه، الخطر لا يقتصر على الطفل القائم بالرش، وإنما يشمل الأشخاص المحيطين به، نتيجة الرذاذ المتطاير في الهواء والذي يتم استنشاقه عبر الأنف، حيث تتغلغل جزئيات السم في الغشاء المخاطي وتنتقل إلى الرئة مسببة كثيراً من المخاطر الصحية».

30 ألف إصابة بالسرطان
بحسب تقارير صحفية فإن منظمة الصحة العالمية رصدت ما يزيد عن 30 ألف حالة إصابة بالسرطان في اليمن، ويعود السبب الأول إلى المبيدات السامة، وأن أكثر من 3 ملايين لتر من المبيدات الممنوع والمحرم استخدامها دوليا تدخل اليمن سنويا، حيث يستخدم 70٪ منها في زراعة القات.
النابهي: بعض 
المبيدات تحتوي على مواد مسرطنة
وأكد الدكتور عفيف النابهي، أخصائي الأورام والسرطان، والمدير السابق للمركز الوطني لعلاج الأورام، أن بعض المبيدات والأسمدة تحتوي على مواد مسرطنة، ومن المرجح أن يكون لها دور في تفشي بعض أنواع السرطانات في اليمن، وخصوصا تلك المهربة أو المحظورة.
وقال النابهي: «للأسف لا توجد لدينا أبحاث ولا دراسة واحدة حول تأثير السموم والمبيدات وعلاقاتها بإصابات السرطان في اليمن، وفي ظل غياب هذه الدراسات ربما يكون من الصعب الحديث حول هذا الموضوع كثيراً وبشكل علمي موثق، أنا أقول إن بعض الأسمدة والمبيدات عامل مسبب للسرطان، ولكني بحاجة إلى أبحاث توكد هذا الكلام، كما هو الحال في الدول الخارجية التي لديها أكثر من بحث وأكثر من دراسة علمية تؤكد أن بعض المبيدات كانت سببا في إصابة بعض مواطنيها بالسرطان، فالطبيب المختص هناك يتكلم عن العلاقة بين السموم والسرطان وفق مرجعية دراسية وبحثية بعكس الطبيب المختص هنا الذي لايملك أي دليل علمي». 
وأضاف أن إجراء مثل الدراسات البحثية في اليمن شيء ملح ومهم للغاية نتيجة تزايد أعداد الإصابات بالسرطان في بلادنا، وأيضا للحد من المخاطر التي تتربص بنا بسبب انتشار المبيدات واستخدامها العشوائي، والذي يمثل خطرا على المزارعين والمستهلكين.
وتابع: «هناك استهتار ولامبالاة من المزارعين في ما يخص التعامل مع السموم، لا توجد أية وسائل وقائية أثناء الرش، ويرش الثمرة اليوم الأول ويقطفها اليوم الثاني، رغم أن هناك فترة زمنية أو فترة أمان لقطف الثمرة، ولكن لا يتم الالتزام بها من قبل كثير من المزارعين».
وطالب النابهي الدولة بتشديد رقابتها على استيراد السموم، وعدم السماح لتلك السموم المحرمة بالدخول إلى البلد، وناشد الدولة ضرورة إجراء دراسات وأبحاث علمية حول الآثار الناجمة عن الاستخدام العشوائي والمفرط للسموم وعلاقاتها بتفشي الأمراض كالسرطان وغيره.

متحف للسموم
قال أحد المواطنين الساكنين في شارع مأرب الذي تنتشر فيه مخازن ومحلات السموم بكثافة: «لي أكثر من 25 سنة وأنا وأسرتي نعيش بين السموم التي تفوح رائحتها في أوساطنا المعيشية وداخل بيوتنا، وخصوصاً في موسم هبوب الرياح التي تحمل ما هب ودب من الروائح السمية إلى داخل بيوتنا».
وأضاف: «هناك مواطنون لهم 50 سنة وأكثر يعيشون وسط السموم، بالنسبة لي عاصرت أنواعاً مختلفة من السموم والمبيدات، وتعرفت على روائحها المختلفة، وكثير من روائح السموم التي كنا نشمها في السابق اختفت وظهرت روائح جديدة تواكب إصدارات السم الجديدة، السم أصبح جزءاً من طبيعة المنطقة وكرمز للمنطقة التي فيها مخازن وأسواق».
وتابع ساخراً: «باقي يعملوا لنا متحف للسموم يحوي علب السم المنقرضة كإرث ثقافي للمنطقة».