بشرى الغيلي / لا ميديا -

ارتبط اسمها بالأعمال الميدانية الكبيرة، وأثبتت وجودها في زمنٍ قياسي، كسِبت ثقة المجتمع من خلال انخراطها به، وتزويده بالخبراء والمختصين، والتشبيك بين المجتمع والجانب الحكومي. الجميل في هذه المؤسسة الفتية والتي لم يتجاوز عمرها الـ5 الأعوام، أنها لا تنسب أي نجاحٍ لها، بل لله تعالى ثم للمجتمع الذي تتحرك عبره، ولا يحبذون الظهور إلا من خلف النجاحات العظيمة التي غرست في المجتمع ثقافة العمل الطوعي وجعله يدير موارده بنفسه. بصماتها بارزة جدا كشموخ الإنسان اليمني الذي تعوّد على الروح التعاونية منذ قديم الزمن، كمشروع وادي مور الأضخم في السهل التهامي، وجعل 7 آلاف أسرة منتجة للحبوب بعد أن كانت على حافةِ التسول بسبب انسداد القنوات وعدم استصلاحها من قبل الجهات التي كانت تنفق الملايين سابقا في استصلاحها. «لا» اقتربت منها أكثر ومن كنه ما يبرز خلف ذلك الاسم (بنيان) الذي فرض نفسه بقوة على الساحة المجتمعية، وماهية الأعمال التي تقوم بها، وهذا الحوار الضافي مع المهندس وائل مهدي الفار، منسق الأمانة وصنعاء، وحديثه الشامل عن جوانب كثيرة، فإلى التفاصيل.

العمل الطوعي
 بداية بإمكانكم أن تعطوا القارئ الكريم لمحة عن مجمل الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة بنيان على مستوى الساحةِ الوطنية بمختلف المجالات، والتي أثبتت وجودها على الأرض في زمنٍ قياسي؟

مؤسسة بنيان مجتمعية محلية، عملت في الميدان قبل تأسيسها، بمعنى أن المؤسسين لبنيان كان لهم أثر في الميدان قبل أن تؤسس فعليا، ثم تبلورت لديهم فكرة مؤسسة بنيان وفي 8/8/2017م كان قرار الإشهار، ثم تأجل ذلك لظرفٍ طارئ إلى 12/8/2017م فتم الإشهار، ومؤسسة بنيان محلية تعمل ضمن المجتمع، وإلى المجتمع، ترتكز أساسياتها على العملِ الطوعي، والمبادراتِ المجتمعية، وبالتالي نستطيع القول بأن ضمارها وتمويلها هو المجتمع نفسه، وثقة المجتمع الذي نتحرك عبره.
ونحن الآن في مرحلة انتقالية في المؤسسة، وننتقل من هيكل إلى هيكل جديد... فبنيان لديها نشاط زراعي، ومجتمعي شامل، وداخل هذا المجتمع زراعيون، معلمون، أطباء، ومهندسون، ورجال اقتصاد... إلخ. وإذا تحركنا بالجانب الزراعي نتحرك بطريقة مجتمعية، ونحن دورنا في بنيان نعمل على تفعيل الدور المجتمعي، الجانب المجتمعي هو الأساس، نعمل على تحفيز المجتمع وكيفية استغلاله لموارده المتاحة المتوفرة لديه والاستفادة منها دون أن ينتظر ما يأتيه من الخارج، بل انظر أنت إلى ما لديك يا مجتمع وفعله بالطريقة الأمثل، هذا هو العمل المجتمعي الذي نتحدث عنه، فكل واحد في مجاله بالموارد المحلية وهي موارد (مالية، وبشرية)، ونحن نعمل على تحفيز المجتمع لخدمة نفسه، وهذا هو المبدأ الرئيسي لدى بنيان، فنحن جانب تنموي، وليس ربحياً، أو استثمارياً، ومؤسسة بنيان محلية تنموية غير ربحية.

تجربة وادي مور
 تجربة بنيان في الواقع العملي الزراعي بأكثر من منطقة ملموسة للمتابع والمهتم.. هل بالإمكان أن توضحوا نشاطكم في هذا الجانب، وما هي أبرز البرامج التي قمتم بتنفيذها؟
لدينا هنا تجربة رائدة جدا وهي تجربة «وادي مور»، وهو من أكبر أوديةِ تهامة، به منشأة مائية تعمل على تحويل جزء من المياه إلى داخل مزارع المواطنين الذين كانوا يستفيدون من تلك المياه لسقي مزارعهم، والذي حدث في بدايةِ العدوان أن الذي يدير المنشأة هي «هيئة تطوير تهامة» من موظفي الدولة، ومع توقف المرتبات توقف العمل في هذه المنشأة، فحدث تدهور وانسداد القنوات بنمو الأشجار وغيرها، وفي نهاية 2016 جاءت لهم سيول كبيرة أدت إلى انسداد القنوات وخرجت المياه عن القرى وانتهت قريتان من قراهم بالفيضانات، والدولة كانت تعمل على صيانةِ القنوات، وهي ليست قنوات بسيطة يصل طولها 44كم وتغذي حوالي 60 ألف هكتار، وكان دور الدولة صيانة القنوات كتنظيف الأشجار التي تنمو داخلها والتي يطلق عليها أشجار «السيسبان»، وهي تعمل على سد مجاري المياه من القنوات، والتي كانت تكلفتها من قبل الدولة 120 مليوناً سنويا، ورغم ذلك المبلغ المرتفع الذي كان ينفق على صيانتها كانت بعض المناطق محرومة ولا يصلها الماء، وبالتالي تصحرت ولم يعد يستفيد منها المزارعون، وبعد حدوث الفيضانات وانسداد القنوات بدأ المزارعون استشعار الخطر المحدق بهم، فنزل مجموعة من المؤسسين في بنيان وبدأوا بتفعيل المجتمع، في البداية واجهنا صعوبة من قبل الناس هناك، وكانوا ينظرون إلى ذلك من باب التحدي ويقولون: من أنتم؟ إلا مجموعة من المواطنين واحد جاء يشعب لكم بتنظيف القنوات! وكانت هذه آراء المواطنين وحتى من موظفي الدولة بأن هذا لا يمكن إذا كانت الدولة تصرف 120 مليوناً سنويا، أنتم ماذا ستفعلون؟ فبدأ الناس بالتحرك والتفاعل مع أحد مؤسسي بنيان، والذي قال لهم: أنتم 7 آلاف أسرة مهددة بالتسول بدلا من أن كنتم من يقوم بتغذية الجمهورية من خيرات من وادي مور الكبير... وبعد استشعارهم للمشكلة بدأوا بالاستجابة وتحركوا من خلال جمع مبالغ كمساهمات وطرحوا لهم قانوناً بأن على «المعاد» الذي هو عبارة عن 1 هكتار = 2.5 معاداً، وهو يساوي 3 لبن تقريبا، وكان على المعاد الواحد 500 ريال، وهي مبالغ بسيطة، وري المعاد رخيص جدا، فتشجع المزارعون وبدأوا بتجميع تلك المبالغ وتنظيف القنوات واستأجروا معدات وبدأوا بصيانتها، ومن هنا جاء إصرار بنيان من خلال ما تلمسه من بركةِ العمل المجتمعي، وكانت النتيجة أن القنوات التي كان يتم صيانتها 120 مليوناً، الآن تصان بـ10ملايين، وكان الأثر أن أراضيٍ لها 20 عاما لم تكن تسقى، والآن صارت كلها مروية ببركةِ العمل المجتمعي والجهود الموحدة في ذلك، وكان نتيجة ذلك تشكيل غرفة طوارئ وادي مور يقومون بكل تلك الأعمال من تلقاء أنفسهم بعد أن كان الناس فقدوا الملكية بسبب ممارسات السلطات السابقة، والآن صار الأغلبية لا ينتظرون الدولة حتى تأتي وتستصلح أراضيهم، وهو من غير المنطقي، بمعنى أن المواطن يشعر بملكية ما يبادر من أجل إصلاحه.

استكمال حراثة الأراضي
  هل تمتلك المؤسسة مزارع خاصة بها؟ وهل استصلحت أراضي بغرض استخدامها في الزراعة؟ وما الفائدة التي تعود عليها من كل ذلك؟
كما ذكرت لكم في بداية الحديث أن المؤسسة غير ربحية، وليس لها أي شيء يعود بعائد، ومن ناحية استصلاح الأراضي فشخصيا أشرفت على 3 مشاريع، في المجال الزراعي، أحدها في البيضاء، والثاني في المحويت، والثالث في البيضاء أيضا، فنحن عندما ننزل ميدانيا ليس بغرض المشروع فقط، بل برؤية تختلف عن الجهات الأخرى، فالمشروع هو وسيلة للتنمية، وإذا استصلحنا أراضي فالهدف تنموي بحت، فأحد النماذج تلك المشاريع التي نفذت في البيضاء في 2020 في منطقة «السوادية»، فأغلب المحافظة تعتمد على مياه الأمطار، وعندما هطلت الأمطار لاحظنا أن المزارعين بادروا بحرث مزارعهم، وهناك من لم تكن لديهم الإمكانيات لحرثها واستصلاحها، فصممنا مشروعاً باسم «استكمال حراثة الأراضي».

خيام النحالين بصعدة
 يطلق على محافظة صعدة بأنها سلة اليمن الغذائية لما تمتاز به من جودة عالية في إنتاج محاصيلها الزراعية. ما الدور الذي تقوم به بنيان في صعدة لتوسيع رقعتها الزراعية ومضاعفة إنتاجها الزراعي؟
بالنسبة لمحافظة صعدة ركزنا على 3 محاور فيها: الأول موضوع الرمان، والثاني موضوع النحالين، والثالث الاستخدام العشوائي للمبيدات، اشتغلنا معهم أيضا بطريقة مجتمعية، فجئنا إليهم عن طريق النحالين يوجد لديهم جمعية باسم «جمعية النحالين» في محافظة صعدة وأجزاء من محافظة حجة، وكان دخولنا عبرها من خلال تدريب، وتأهيل، في الجانب الإداري والمالي، والفكرة الأساس ننقل أفكار النحالين الأقوياء للنحالين الأقل خبرة والذين لا يستثمرون بطريقة صحيحة، فأنشأنا مع المجتمع ما يسمى «خيام النحالين»، نفس تجربة وادي مور «غرفة طوارئ مور»، وهنا «خيام النحالين»، ففي كل منطقة لديهم خيمة يجتمعون فيها، وعند اجتماعهم يلتقي جميع النحالين ويتناقلون الخبرات في ما بينهم، وهنا دور بنيان التشبيك وعمل مجموعات بالواتس آب، ومنسق ينظم عملهم، ونحن نقوم بمتابعتهم، وفي حال وجود مشكلة كبيرة لا يستطيعون حلها تتدخل بنيان وتأتي بالخبراء المختصين، ومشكلتنا في اليمن بالجانب الزراعي، هي إرشاد، وتوعية، وليست مشكلة إمكانيات وضخ دولارات، والمزارع اليمني يتمتع بخبرة، ولكنه فقط يحتاج إلى توجيه في بعض الأشياء، وهنا نطلع على بعض التجارب العالمية الناجحة في العمل المجتمعي، ونأخذ منها ما يتوافق مع بيئتنا اليمنية. فبنيان تسعى في سياستها إلى عمل مجتمعي وتمكين المجتمع، وإذا ظل المجتمع يقول: بنيان... نعتبر أنفسنا فاشلين، لكن إذا اشتغل المجتمع ونسي بنيان فهذا هو النجاح.
أثناء نزولنا ميدانيا قمنا بتقييم احتياج المجتمع، ما المشكلة التي يعاني منها؟ وهنا قدوتنا في العمل التنموي «ذو القرنين»، وفي محافظة صعدة وجدنا الكثير من الرمان التالف، حيث يتساقط الرمان إلى الأرض ويتركونه وفيه يرقات الفراشات، ويظل حتى الموسم التالي فتخرج منه تلك اليرقات وتصيب المحصول مرة أخرى، فنزلنا إليهم وشكلنا «مجالس مزارعي الرمان» في إطار نفس الفكرة السابقة، خبرات المختصين في هذا المجال يتم نقلها لمن تنقصهم الخبرة، فمثلا في مناطق من صعدة لدينا مزارعون خبراء في الرمان لدرجة أنهم ينافسون أي خبير عالمي بخبراتهم، وهؤلاء الخبراء عملنا بينهم تشبيك مع من تنقصهم الخبرة، والموضوع باختصار هو إرشاد وتوعية.
والمحور الثالث الذي ركزت عليه بنيان في محافظة صعدة هو الاستخدام العشوائي للمبيدات، ومثلما ذكرتم أن صعدة «سلة اليمن الغذائية»، وهي مقولة تدخل في المنافسة مع تهامة.. لكن الذي يهدد أصحاب صعدة هو الاستخدام العشوائي للمبيدات، لأن هنالك مبيدات محظورة دوليا، ومبيدات «إسرائيلية» تروج باسم شركات أردنية ومصرية تدخل إلى المنطقة، ولو تساءلتم ما العلاقة بين الرمان والمبيدات؟ فرماننا يصل أحيانا إلى المنافذ ويرفض، لأنه يوجد في المنافذ فحص اسمه «فحص الأثر المتبقي للمبيدات». وعندما يتم فحصها ويجدون الأثر المتبقي للرمان يقابل بالرفض رغم أنهم يريدون جودة منتجاتنا الزراعية ولأنها الأفضل ولكن لديهم معاييرهم القوية، ونحن في بنيان قمنا بدورنا بتوعية المزارعين وترشيدهم باستخدام المبيدات التي لا يظل فيها الأثر المتبقي طويلا، وعدم الرش للمحاصيل في آخر شهرين، وحاليا يوجد مع الدولة جهاز فحص الأثر المتبقي، وممكن نحن نفحص ونصدر شهادة أنه خالٍ من الأثر المتبقي للمبيدات، فهذا الأثر يدمر التربة، والبيئة، ويتسبب بأمراض السرطانات وتدمير للمنتج، وتلك إساءة لما تمتاز به المنتجات اليمنية من جودة عالية. وهنا برز دور بنيان من خلال التوعية عبر المجتمع والخطباء والمرأة، وأصبح الجميع يحرص على عدم الاستخدام العشوائي للمبيدات.

نموذج منطقة «طخية»
 السلطة في السابق كانت تغذي المشاكل خصوصاً حول الأراضي الزراعية في أوساط المجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل الجانب الزراعي، حيث تبقى الأرض المتنازع عليها مصلوبة دون زراعة بسبب المشاكل عليها. 
قام أنصار الله بتشكيل لجنة شعبية لحل القضايا بين الناس. هل هناك نماذج تم الفصل فيها وإعادة تأهيلها ليستفيد منها المزارع؟
هذه التجربة ليست بنيان من قامت بها، ولكن كملامسة للواقع سنعطيكم نموذج منطقة «طخية»، وكانت أراضي زراعية كبيرة عليها مشاكل وتتبع قبيلة «بني حذيفة» بمحافظة صعدة، وبعد أن تم حل الإشكال من خلال مكتب السيد وقسموا للناس أراضيهم وكل واحد أخذ حقه وتمت زراعتها فتوسعوا بشكل عجيب في الرمان، وهم مختصون بزراعته بالدرجة الأولى. وهذا من النماذج التي تم الفصل فيها.

فرسان التنمية
 نعود مجددا للسهل التهامي... أنشطة بنيان في السهلِ التهامي ملحوظة بشكل كبير. ما هي أهم الإنجازات الزراعية للمؤسسة في هذا السهل الحيوي الهام؟
تحدثنا عن وادي مور كتجربة رائدة، وعندما نأتي من أجل المشروع لم نهدف أن يكون سعينا فقط بالزراعة، وإنما من أجل تكامل التنمية، وإذا لاحظتم أنهم يشتغلون بالزراعة ولكنهم يكافحون حمى الضنك، والملاريا، والأمراض، والأوبئة... لأن بنيان تنظر لهذا الموضوع، والزراعة لمن في الأخير؟ طبعا.. للبشر في وادي مور. والضنك والأوبئة تقضي على هؤلاء البشر، وإذا فكرنا فقط بالزراعة البحتة وهؤلاء البشر يموتون يوميا جراء الأوبئة، فمن سيزرع وقد قضوا بتلك الأوبئة، وحاليا العمل على قدمٍ وساق في المبادرات المجتمعية لردم البرك والمستنقعات، ونحن نسهل ونحفز فقط، وإنما المجتمع هو من يقوم بها. وعندما تفاعل المجتمع في مديريةِ الزهرة بردم تلك البرك وتعاونوا وصلت حالة الإصابة لديهم 0% في الضنك، فتساءل محافظ الحديدة كيف حدث هذا؟ فقالوا له إن المجتمع تحرك، والآن يتم نقل تجربة الزهرة إلى باقي مديريات تهامة، والآن المجتمع شغال مبادرات، وآخر قراءة وصلتنا لمكافحة حمى الضنك أن الحالات انخفضت من 710 حالات، إلى 17 حالة في مديريتي المراوعة، والمنصورية، وهذا كله نتيجة مبادرات المجتمع والتي قد تصل إلى 300 مبادرة لمكافحة الضنك يقدمها المجتمع، وهؤلاء من دعمهم؟ الأمم المتحدة أو أية جهة أخرى؟ لا، بل المجتمع هو المبادر.. وهنا تشتغل بنيان على المسببات، فالسبب لحمى الضنك المستنقعات، وليس أن تمنحهم «ناموسية» والبيئة مليئة بالأوبئة. ومعالجة الضرر هو الأهم من خلال تدريب مجموعة من أبناء المجتمع المتطوعين في تلك المناطق وتأهيلهم عبر بنيان وأطلق عليهم «فرسان التنمية»، وكانوا فعلا اسماً على مسمى، ولكثرة ما يقوم به هؤلاء الفرسان من مبادرات ناجحة لم يعد بمقدورها أن توثقها لكثرتها، وهذا بفضل الله، والمجتمع يحتاج فقط للنموذج الناجح ليواصل مسيرة العطاء.
ولدينا في بنيان تجربة البذور المحسنة في مديرية اللحية، حيث حدثت إشكالية أن بعض المزارعين يأخذون بذور منطقة ما، ويزرعونها في منطقةٍ أخرى، وهذا لا يصلح، فاليمن متخصص ببذوره، كل منطقة لها ببيئتها الخاصة، والبذور في اليمن أكثر من 70 صنفاً.. وقمنا بعمل نموذج والحمد لله نجح، وقطفنا ثماره هذا العام، فقبل عامين نزلنا إلى تهامة ووجدنا المزارعين تحدث لهم إشكالية بسبب انعدام الديزل، فمثلا يأتي شهر معين وهم بحاجة إليه ليستمروا بالزراعة، وفي حال عدم توفره يبيعون المحصول علف، الذي يسمى «قصب»، بينما إذا توفر لهم الديزل في ذلك الشهر فينتجون علف وحبوب طعام كما يطلق عليه أصحاب تهامة، وخططنا لكيفية حل هذه الإشكالية مع أحد أبناء المنطقة لنوفر الديزل لذلك الشهر بالتنسيق مع الحكومة، وأخذنا أسماء 50 مزارع فقط، ومولناهم جميعا بالديزل رغم الحرب الكبيرة التي واجهناها في الميدان كأن يقولون شائعات «لا تصدقوهم، هؤلاء يريدون منكم الخُمس» إلخ... لدرجة أن أكبر مزارع هناك رفض أن يستلم حصته من الديزل، ثم ذهب إليه مختص بنيان وقال له: لماذا لا تأتي لأخذ الديزل حقك؟ فرد عليه المزارع: يا أخي أنتم تريدون الخُمس! فرد عليه مختص بنيان: لا صحة لمن نقل هذا لكم، تعال لأخذ حصتك وهي مجرد قروض بيضاء بمعنى تحاسبني بقيمة الديزل حبوب وليس فلوس. وبعد أن أخذ حصته من الديزل وزرع وبالصدفة كنت حاضرا في حفل جائزة الشهيد الصماد التي تدعمها مؤسسة الحبوب لأكبر منتج حبوب، فتفاجأت أن الذي فاز بالمسابقة هو المزارع الذي رفض استلام كمية الديزل المستفيد من مشروع بنيان، في حين أنه لو لم يزرع كان سيبيع علفاً فقط، ولكنه استمر في زراعته وأنتج 1500 كيس ذرة في ذلك العام، ومازحته وهو يستلم جائزته: وزد جاء لك حراثة مش بس الخُمس، فابتسم. وجائزة الصماد كانت حراثة بحوالي 40 مليون ريال. فقال لي هذه السنة أنتجت 1500 كيس، والسنة القادمة أعدكم بــ2500 كيس. وكل هذا التجاوب والنجاح بفضل الله وتجاوب المجتمع، فنحن نؤمن أننا جزء من الجمهورية اليمنية لا نشتغل بعيداً عن الحكومة ولا نشتغل بعيداً عن الشركاء، فنحن نؤمن بهم بدرجة أساسية، وبنيان وفقت بين مؤسسة الحبوب ومؤسسة إكثار البذور، ووفقت ما بين وزارة الزراعة والمجتمع، بمعنى عملنا تشبيكاً في بعض المشاريع. 
كلنا يجمعنا اليمن
   هل يمكن القول إن مؤسسة بنيان هي تجربة ثورية لأنصار الله في البناء التنموي بشكلٍ عام، والزراعي بشكلٍ خاص؟
نحن لا نخجل أن نقول إن بنيان مؤسسة تتبع المسيرة، وهي مؤسسة لكل أطياف الشعب اليمني بمختلف توجهاته. ومعيارنا: أنت مع اليمن وهذا يكفي، طالما أنت تخدم اليمنيين، لأننا لا نرغمه أن يصرخ، أو يعلق الشعار. فكلنا يجمعنا اليمن.

ضمارنا ثقة المجتمع
 ما هي العلاقة التي تجمعكم كمؤسسة بالمزارعين؟ هل هي إشرافية، أم توجيهية، أم أنكم تقومون بدعمهم في أكثر من مجال؟ وهل يعود على المؤسسة مردود هذا الدعم، أم هو دعم غير مردود؟
ضمارنا ثقة المجتمع، بالتالي نحن نستبسل في الميدان لكسب ثقة المجتمع، ومستعدون أن نفقد تمويلاً مادياً مقابل ألا نخسر ثقة المجتمع، مثلا نخسر تمويلات ولا نأخذها لأنها تؤثر على علاقتنا بالمجتمع، ودور بنيان فني في الغالب كعمل خبرات للمزارعين، وتوعية، تدريب وتأهيل، تشبيك مع جهات أخرى، ورفع قدرات، وبنيان في ثقافتها وسياستها أنها لا تقدم دعماً مادياً، لأننا نركز على الإنسان، فالفرد الواحد عندما نرفع قدراته يخرج إلى الميدان ويرفع قدرات ألف شخص، فمثلا بعض المشاريع تصل تكلفتها 800 ألف، بينما الأثر يكون في الميدان 60 مليوناً، لأن المجتمع هو من يفعل موارده. ونحن فقط نقوم بتحفيزه ونقول لهم: تعالوا يا مجتمع من أجل أن تقودوا التنمية، أنتم في مناطقكم ومن أجل أن تستخرجوا مواردكم أنتم ولتستفيدوا أنتم من مواردكم، بنيان هدفها أن المجتمع ينفذ مشاريعه بنفسه ولا يذكرها، وهذا ما يسمى التمكين. فإذا قال المجتمع بنيان عملت فمعناه أن نسبة النجاح ناقصة. 

المرأة موجودة في كل البرامج وشريكتنا في الميدان
  ما هي المساحة الممنوحة للمرأة في بنيان؟
قطاع المرأة موجود في كل البرامج، في الأمانة وصنعاء، في المركزية، وكعمل ميداني، كما أن لدينا في قطاع المرأة فصلاً في مكان الدوام فقط، لكن كميدان تنفيذي نحن شركاء وننطلق جميعنا في العمل التنموي، وليس معنى ذلك أنهم معزولون عنا، لهم طابق منفرد مراعاة لخصوصية المرأة، ولدينا صالة اجتماعات كعمل بروح الفريق الواحد، وهي متواجدة بالميدان بقوة، وهذه توجيهات القيادة أن تكون حاضرة ومشاركة، ومن تلك المشاريع التي ننفذها بمعية المرأة كسوق الخميس، مركز خيرات، والخياطة، بيت المنتج اليمني الذي يتم حاليا تجهيزه، وفي القريب العاجل لدينا مشروع منتج الألبان في تهامة، ونعتبره صاروخاً باليستياً تنموياً، لأننا اكتشفنا أن الذي يعمل في تربية الأبقار هن النساء، ومراعاة لطبيعة المرأة هناك لا يمكن أن يأخذ المعلومات من النساء رجل ويدخل إليها ليحدثها ويسألها، فأهلنا نساء عبر بنيان لذلك، ونساؤنا يشتغلن مع النساء في الميدان، وسيكون المشروع بمسمى «مصنع الألبان بمديرية المراوعة» وسيكون كثمرة لجهود العمل المجتمعي. وبنيان تركز على مختلف القطاعات: الصحة، التعليم، الزراعة، وتنمية الثروة الحيوانية (كالأبقار). 

ثقافة الفِرق
  ما هي برامج وخطط بنيان المستقبلية للنهوض بالجانبين التنموي والزراعي، وخلق الاكتفاء الذاتي للمواطن اليمني وعملا بمقولة: «نأكل مما نزرع»؟
كنا سابقا نعمل بطريقة إدارات: إدارة إغاثة، إدارة مبدعين ومخترعين، إدارة الدراسات والبحوث، إدارة التوعية والإرشاد، إدارة التدريب والتمكين، وأيضا لدينا ما يسمى العمل الطوعي، وأما الشق الآخر من السؤال كخطط مستقبلية فنحن انتقلنا لأفضل ما وصل له العالم في العمل التنموي، صحيح نحن في البنيان نتبع المسيرة كما ذكرنا سابقا، ونفتخر بذلك، ولكننا لا ننغلق على أنفسنا ولا نطلع على التجارب العالمية، بل على العكس تماما نطلع بشكل مستمر لنواكب التطور في العمل التنموي على مستوى دولي، والآن توصلنا إلى ثقافة الفِرق، وهي المرحلة المتوسطة بين المرحلة الماضية، والمرحلة القادمة، وبنيان مؤسسة فتية، لكن لأنها انطلقت من هدى الله وهو الأساس، ومؤمنون بالله أنه يكون معنا إذا كنا مع المستضعفين، فهيأ الله لنا المجتمع والإنجازات التي تتحقق عبره التي هي رحمة من الله، وطريقة الفرق نجحت لأننا استشعرنا أن العالم ينجح بطريقة الفرق، وفي تأملنا للقرآن الكريم فالله خاطب المؤمنين بصيغة «أمة، وجماعة»، واطلعنا على العمل الأجنبي فوجدناهم يعملون بروح الفريق الواحد، كنموذج اليابان مثلا أو ما يطلق عليه «التجربة اليابانية» كل أعمالهم بروح الفريق، وهنا إذا كان المجتمع يعمل بروح الفريق يحقق إنجازات لم يكن من السهل تحقيقها. مثلا الفرق التي لدي فريق البحوث والدراسات، فريق الإرشاد والتوعية، فريق المعادن، وفريق الثروة السمكية، والآن ننتقل لمرحلة أشمل وأقوى، وهي أقوى ما توصل إليه العمل التنموي عبر العالم العمل بطريقة برامجية جغرافية، وبعد أن أصبح لدينا كوكبة من الشباب جاهزين للعمل الميداني، ناس من الميدان، من الريف، ومن القرى الذين لا يبحثون عن النصر المادي أو النصر الشخصي، بل يبحثون كيف يخدمون المستضعفين. وبعد أن كانت مرحلتنا الأولى إدارات، والثانية فرق، والثالثة برامج، وهي الأقوى وقسمت إلى قطاعات، أو مناطق، ونحن نعمل كمنسقين بروح الفريق الواحد، لأننا لم نحب لغة التسلط وسمينا المسؤول على البرنامج «منسق» ومنها برنامج الأمانة وصنعاء، وبرنامج شمال تهامة، وبرنامج المراوعة وجنوب تهامة وريمة، وبرنامج المحويت وحجة، وبرنامج صعدة وعمران والجوف، وبرنامج المناطق الجنوبية والمحتلة، وبرنامج سميناه البرنامج المركزي أو البرنامج العام، وهذه البرامج السبعة هي التنفيذية في الميدان تتبع المكتب التنسيقي. 

آمنوا بهذا الشعب
 رسالتكم عبر «لا» لمن توجهونها؟
رسالتي للمسؤولين في الحكومة، وفي المجتمع المدني، والجمعيات: عليكم أن تؤمنوا بهذا الشعب، ودروكم ليس أن تكونوا واسطة بين المجتمع والمنظمات، أو المجتمع والحكومة، وعليكم تفعيل المجتمع ليستفيد من موارده المتاحة له ثم نقلها للمجتمعات المحيطة، لأنه شعب عظيم وقادر على صنع المعجزات، الشعب الذي خرج يفعل مبادرة بــ9 مليارات في وصاب، وهي مبادرة أقوى مما تقدمه الدولة من خلال تمويلهم مجتمعيا لشق طريق واستغلوا مواردهم المتاحة كالمغتربين في الخارج، والتجار، وبادروا بالتشبيك معهم وجمعوا ذلك المبلغ الكبير... وتأملوا لوادي مور الذي حوّل 7 آلاف أسرة من حافة التسوّل إلى أسر منتجة للحبوب تدفع الزكاة، وتدعم الجبهات، وتتصدق على الفقراء والمساكين.