فيليب جيرالدي
الموقع  (Antikrieg) "مناهضة الحرب"

ترجمة خاصة عن الألمانية: نشوان دماج / لا ميديا - 
بما أن تركيز وسائل الإعلام منصب على الانتخابات المقبلة، وعلى فيروس كورونا وحرائق الساحل الغربي وأعمال الشغب المزدهرة BLM وأنتيفا ‏(أنتيفا حركة محتجين يسارية مناهضة للفاشية والنازية ومعارضة للرأسمالية والنيوليبرالية واليمين المتطرف، ويعتنق أغلبهم الأفكار الشيوعية والاشتراكية واللاسلطوية مع بعض الأفكار الليبرالية)، فقد لا يكون مفاجئاً أن بعض التقارير لا تصدر بالضبط في أخبار المساء. في الأسبوع الماضي، كان ثمة تصويت هام في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد الولايات المتحدة. كان الأمر يتعلق بقرار غير ملزم يهدف إلى تعليق جميع العقوبات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، فيما حالات الإصابة بفيروس كورونا مستمرة في الارتفاع. الجمعية العامة دعت إلى "تكثيف التعاون والتضامن الدوليين من أجل احتواء الجائحة وعواقبها والعمل على إضعافها والتغلب عليها".
لقد كانت بمثابة لفتة إنسانية لمساعدة الحكومات والأنظمة الصحية المرهقة على التعامل مع الوباء من خلال منحها الحرية في استيراد الأغذية والأدوية.
انتهى الأمر بتصويت 169 مقابل 2، حيث صوتت كل من "إسرائيل" والولايات المتحدة فقط ضد القرار. من الواضح أن كلتا الحكومتين اعتبرت قرار الأمم المتحدة إشكالياً، لأنهما تدعمان تماماً الحرب الاقتصادية الأحادية التي تشنانها في سبيل تغيير النظام في دول مثل إيران وسوريا وفنزويلا. فالعقوبات المفروضة على تلك الدول إنما تهدف إلى معاقبة السكان أكثر من الحكومات، وذلك توقعاً لانتفاضة تحدث تغييرا في النظام. وبطبيعة الحال، فإنه، نتيجة للعقوبات، لم يحدث ذلك على أرض الواقع، فكل ما تم تحقيقه هو المعاناة. بل إن عدداً من مندوبي الأمم المتحدة مازالوا يتذكرون زعم وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، بأن وفاة 500 ألف طفل عراقي نتيجة العقوبات الأمريكية كانت "تستحق العناء".
من الواضح أن الغالبية العظمى من حكومات العالم، بما فيها أقرب حلفاء أمريكا، لم تعد تحتفي بالكذبة الأمريكية الكبرى، وذلك حين تزعم بأنها قائدة العالم الحر ورائدة الديمقراطية الليبرالية، وأنها قوة من أجل الخير.
لقد دفع التصويت بالمراقب جون ويتبيك، المحامي الدولي السابق المقيم في باريس، للتعليق بأنه "تقريبا في كل قضية رئيسية تواجه البشرية وكوكب الأرض، فإن "إسرائيل" والولايات المتحدة تقفان ضد البشرية وضد الكوكب".
لم تكن الأمم المتحدة هي المكان الوحيد الذي يمكن للولايات المتحدة أن تظهر فيه أي نوع من الأمم قد أصبحت. فتقديرات عدد المدنيين الذين قتلوا، بشكل مباشر أو غير مباشر، نتيجة ما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب، والتي شنها جورج دبليو بوش، تقدر بالملايين، يتم الحديث عن حوالي 4 ملايين منها بشكل متكرر. كل القتلى تقريبا كانوا من المسلمين. والآن هناك تقديرات جديدة لعدد المدنيين الذين نزحوا من بيوتهم نتيجة للصراع العالمي الذي تشنه واشنطن منذ عام 2001 مع حلفائها، الذين يتناقص عددهم. تعود تلك التقديرات إلى مشروع تكاليف الحرب بجامعة براون، والذي نشر تقريراً بعنوان "خلق لاجئين" (النزوح الذي سببته الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر)، ويسعى التقرير إلى تحديد عدد الذين "نزحوا من ديارهم في أعنف ثماني حروب شنها الجيش الأمريكي منذ عام 2001 أو شارك فيها".
يستقصي المشروع عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المتقدمين للحصول على وضع اللجوء ومشردي الداخل في البلدان التي استهدفتها أمريكا وحلفاؤها منذ 11 سبتمبر أكثر من غيرها: أفغانستان، العراق، باكستان، اليمن، الصومال، الفلبين، ليبيا، وسوريا. جميعها دول ذات غالبية مسلمة، باستثناء الفلبين التي تضم أقلية مسلمة كبيرة.
تشير التقديرات إلى أن ما بين 37 و59 مليون مدني نزحوا، مع الإشارة إلى ارتفاع حاد للغاية العام الماضي، حيث قدر العدد الإجمالي بـ21 مليونا. العدد الأكبر للنازحين كان من العراق، حيث توقفت المعارك ضد الدولة الإسلامية، ويقدر بنحو 9.2 مليوناً. أما سوريا، التي تعيش قتالا بين الحكومة ومختلف الانتفاضات المدعومة من الخارج، فكان لديها ثاني أكبر عدد من النازحين، بلغ 7.1 مليوناً. وتأتي أفغانستان، حيث بُعثت حركة طالبان من جديد، في المرتبة الثالثة، مع ما يقدر بنحو 5.3 مليون نازح.
معدو التقرير يؤكدون أن العدد الأدنى البالغ 37 مليوناً بحد ذاته "يعادل تقريباً عدد سكان كندا" و"أكثر من أولئك الذين نزحوا أثناء أي حرب أو كارثة أخرى منذ أوائل القرن العشرين، باستثناء الحرب العالمية الثانية". من المهم كذلك التركيز على ما لم تتضمنه الدراسة. حيث استبعد التقرير منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، بالإضافة إلى عدد من الدول العربية التي يعتقد على نطاق واسع أنها حليفة لأمريكا. فهؤلاء يمثلون "ملايين آخرين نزحوا بسبب صراعات أخرى عقب 11 سبتمبر، والتي شاركت فيها القوات الأمريكية في أنشطة" مكافحة الإرهاب "المحدودة، ولكن الأكثر أهمية، بما فيها: بوركينا فاسو، الكاميرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، جمهورية الكونغو الديمقراطية، مالي، النيجر، السعودية، وتونس".
كما ينبغي إدراج اليمن أيضاً في هذه القائمة، وذلك لأن الولايات المتحدة قدمت معدات عسكرية جعلت العدوان السعودي على هذا البلد ممكناً وخلق موجة من النزوح. هناك أيضًا تقارير تفيد بأن البيت الأبيض أصبح قلقًا بشكل متزايد بشأن الوضع في اليمن، مع تصاعد الضغط لفتح تحقيق دولي في جرائم الحرب السعودية، حيث يتم استهداف البنية التحتية المدنية مثل المستشفيات والمدارس بشكل متعمد.
بل إن الكونجرس الأمريكي بدأ يلاحظ بنفسه حدوث أمر سيئ، وذلك مع تزايد المخاوف من أن كلتا الحكومتين، السعودية والأمريكية، قد تواجه لوائح اتهام تتعلق بارتكاب جرائم حرب، بشأن الوفيات من المدنيين. وتشير التقارير الآن إلى أنه في عام 2016، عندما كان باراك أوباما لا يزال رئيساً، خلصت إدارة الشؤون القانونية بوزارة الخارجية إلى إمكانية "توجيه اتهامات إلى كبار المسؤولين الأمريكيين بارتكاب جرائم حرب، بسبب سماحهم ببيع الصواريخ للسعوديين وشركائهم"، ما أدى إلى مقتل أكثر من 125 ألف شخص، بينهم ما لا يقل عن 13400 مدني مستهدف.
هذا الاستنتاج تم التوصل إليه قبل أن يتخذ البيت الأبيض، بقيادة دونالد ترامب، خطوات لوضع مبيعات الأسلحة للسعوديين وحلفائهم في الإمارات في صميم سياسته الخارجية، وهو برنامج أصبح جزءاً لا يتجزأ من الترويج لخطة السلام "الإسرائيلية" - الفلسطينية "صفقة القرن". في ضوء ذلك، قام كبار مسؤولي وزارة الخارجية الحاليين بالتغطية على التقرير الذي تم إجراؤه عام 2016 و"بذلوا جهودًا كبيرة" لإخفاء نتائج المكتب القانوني. وكان تحقيق أجراه المفتش العام لوزارة الخارجية في وقت سابق من هذا العام سلط الضوء على فشل الوزارة في معالجة المخاطر القانونية لبيع أسلحة هجومية للسعوديين، لكن التفاصيل ظلت سرية من خلال إدراجها في قسم سري من التقرير العام الصادر في أغسطس. تم تعديله بشكل كبير، بحيث لا يتمكن حتى أعضــــاء الكونغرس، الذيـــن يتمتعون بإمكانية وصول عالية المستوى، من الاطلاع عليه.
يحقـــــق الديمقراطيــــون فـــي الكونجرس، الذين عارضوا في السابق بعض مبيعات الأسلحة في الصراع، في العلاقة السعودية لأنها يمكن أن تضر بترامب، لكن سيكون من الأفضل بكثير إذا ما نظروا إلى ما تفعله الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشكل عام. تستفيد الولايات المتحدة من حقيقة أنه على الرغم من أن القضاة والمحاكم الدولية قد سعوا بشكل متزايد لفكرة تحميل الأمريكيين المسؤولية عن جرائم الحرب منذ بداية الحرب العظمى على الإرهاب، إلا أن رفض الولايات المتحدة التعاون كان له تأثير مرعب. فحين فوضت المحكمة الجنائية الدولية (ICC) في لاهاي المدعي العام فيها لبدء تحقيق في الجرائم الأمريكية في أفغانستان، رد البيت الأبيض بفرض عقوبات على المدعي العام وموظفيه. كما حذرت واشنطن من أن أي محكمة تقاضي "إسرائيل" ستثير غضب الولايات المتحدة.
ومع ذلك، إذا ما كان للمرء مع تصويت 169 مقابل 2 في هيئة دولية محترمة أن يقف في الطرف الخاسر، فيجب أن يكون ثمة على الأقل شخص ما في واشنطن ذكياً بما يكفي ليرى أن شيئاً ما يسير بشكل خاطئ للغاية. لكنني لن أعتمد على شخص يدعى ترامب أو بايدن لمعرفة ذلك.