يحيى اليازلي / لا ميديا -

إذا أردت قياس درجة الذائقة الجمالية في كل الفنون عند المجتمع اليمني فما عليك إلا الذهاب إلى «الديوان»، وهو مجلس الضيوف، ثم تأمل فيه، ابتداء من الجدران، مرورا بالسقف والنوافذ وبقية محتوياته...

الصور
ستجد في جدران الديوان صورا فوتوغرافية أو تشكيلية تعكس وجدانات وثقافة أفراد الأسرة، الاجتماعية والسياسية والدينية والفنية...

الفن التشكيلي
حاضر نسبيا بحسب الصور عند بعض المثقفين فنيا. لكن التشكيل، أو ما يمكن أن نمنحه صفة السريالية، موجود جزئيا في النقش بالجبس، وهذا عائد على إبداع النقاش.

النقش
ما تتركه أيادي النقاش في الديوان الصنعاني هو الحاضر بقوة. فهو يعمل الصفوف/ الرفوف والخرشات في السقف، والحزام في أعلى الجدران، فيترك في المكان ما يشبه المتحف العظيم.

 السجاد
أحيانا تعلق سجادة مرسوم فيها صورة حيوان (غزال أو نمر أو أسد...)، ومنها جاء قولهم في المثل عن رجل لا يثبت وجوده بالشجاعة في المواقف البطولية، إنه «أسد مفرشة»، أو صورة حصان له جناحان كناية عن البراق الذي تزعم الروايات أنه براق النبي الذي عرج به إلى السماء... وهنا تكون الأساطير قد دخلت ثقافة الديوان اليمني بقوة.

الصفيف (الرف)
يوضع في زوايا المجلس رفوف مزخرفة بأشكال جميلة بالجبس، كل زاوية فيها رف. وقد ينقش رف وسط الجدار المواجه للباب.
جدران الديوان الصنعاني المنقوشة بالجبس بزخارف أحيانا لا تدري ما كنهها الثقافي والفني، ربما بسبب دقتها فتعتقد أنها غامضة، لكن يمكن وصفها بالسريالية نظرا لذلك الغموض. سريالية «المقصص» الفنان الخاضعة لتجربته الفنية التي تشم الطين في ذرات القص (الجبس) طيلة فترة النحت، ولا تخطئ يداه حالة الهذيان الخيالي الفني وإلماحات المكان. نقوش قد تجد فيها رسومات زهور أو دوائر متقاطعة تشكل فيما بينها زوايا متناظرة وبأشكال هندسية مختلفة تضع محدداتها روح الجغرافيا وسحر الطبيعة وعبق التاريخ.
وأريد أن أنوه هنا بسؤال: لماذا لا ترعى الدولة ومنظمات المجتمع المدني إقامة ورش عمل فنية تعنى بفن الزخرفة والنقش على الجدران بالجبس، بحيث تهدف إلى إبراز التاريخ والثقافة اليمنية، وبما يحافظ على الهوية اليمنية عامة والصنعانية خاصة؟!

 القمرية والطاقة
كامتداد لحديثنا عن النقوش الخرشات، لأنها تصنع بالجبس وتسمى «تخاريم»، ومفردها «تخريم» في لغة المقصصين أو فناني القص (الجبس)، وترصع فتحاتها بالزجاج الملون.
ماذا تحكي لنا القمريات؟ ولماذا اسم واحدتها قمرية؟ لماذا ليس اسمها الشمسية؟!
لأن النافذة التي تقع القمرية فوقها تماما يطلق عليها اليمنيون «الطاقة»، والطاقة كما هو معروف للجميع أن مصدرها الأساسي الشمس، وبهذا يكون اليمنيون قد جمعوا في النافذة الواحدة للديوان بين الشمس والقمر والليل والنهار في مكان وآن واحد. يا إلهي! ما هذا الجمال والإلهام؟!
هنا تتجلى ثقافة عميقة ممتدة في التاريخ غاية في السحر. إنها أشبه بالتراتيل.

 الشاقوص
الشاقوص هو نافذة صغيرة جداً ارتفاعها شبران وعرضها شبر كحد أعلى، وتقع في أعلى الجدار الذي يليه الشارع أو الحوش، وقريبة جدا من السقف، وغالبا تبقى مغلقة بباب من الداخل بإطار خشبي ذي زجاج شفاف، ويبقى تجويفها مفتوحا إلى الخارج لكي تجد فيها الحمامة أو العصفور ما يشبه العش، خالقة في ذلك التجويف بهديلها أجمل الألحان.

الغناء
أتينا على ذكر أجمل الألحان المنبعثة من أشجان حمامة الشاقوص، والتي تشكل بحد ذاتها مشهدا فنيا غاية في الروعة، وهو ما يضيف ملمحا فنيا خاصا من ملامح الذائقة الفنية للإنسان اليمني، يتشاطر فيها لحظات الجمال والموسيقي والحميمية مع الطيور.
فالنشيد والغناء أهم الأصوات التي تجوب وتترنم بها جدران الديوان حين يأتي وقت المقيل.

الرقص
الرقص المحتشم المعبر عن ثقافة اليمنيين الفنية المستوحاة من الحرب وحركات جوارح الطيور. ويسمى عند البعض «اللعب». وله أصناف تبعا لنوع الفن الغنائي والإنشادي والموسيقي الذي يصاحبه.