غـازي المفلحي / لا ميديا -

نهاية شهر يوليو توقع مركز الأرصاد أن شهر أغسطس هذا العام سيشهد أمطاراً شديدة الغزارة وغير مسبوقة على معظم المحافظات اليمنية، وقال الفلكي اليمني محمد عياش إن تقديرات المعدل التراكُمي لكميات الأمطار التي ستهطل في 3 أسابيع من شهر أغسطس فقط، تعادل الأمطار الطبيعية التي تهطل طوال عام كامل في بلادنا، وتعد حالة نادرة لم يسبق لها مثيل. وكما هي أمطار خير، فإن عدم وضع الاحترازات والخطط للتعامل معها، خصوصاً في المدن، يعني وقوع أضرار كبيرة، فماذا حصل في أول أسبوع من الأسابيع الثلاثة المذكورة في المدن اليمنية والعاصمة على وجه التحديد؟
في فم السيل اليمن من الدول التي يمن الله عليها بنعمة الأمطار كل سنة، وقد بدأت منسوبات الأمطار ترتفع بشكل كبير مؤخرا، وشهدت اليمن خلال هذا العام أعلى معدل لهطول الأمطار منذ عقود، وهذا ما بشر بالخير الكثير لليمن واليمنيين، ولكن عندما تأتي هذه النعمة التي تعم المدن والقرى وعلى رأسها العاصمة، بينما هي ليست مهيأة لاستقبالها وتصريفها عن الشوارع والمنازل، ولا الحكومة جاهزة بالحلول لتصريفها واستغلالها، وبضعف استعداد البنية التحتية أساسا، تصبح مشكلة كبيرة لها أضرار بالغة على حياة الإنسان وممتلكاته والمدينة ومبانيها وخدماتها من طرق وأنفاق وغيرها، وبدل أن تكون مورداً طبيعياً مفيداً للمواطن والدولة في مجال الزراعة والري، تصبح مصدر تلف وهدم للشوارع والسيارات والمحلات والأسواق والمنازل.
ففي أمانة العاصمة تأتي الكمية الأكبر من السيول من الوديان والقرى المحيطة بها كوادي الأجبار وقرى خولان وسنحان، ولا شيء يمنعها من الوصول إلى المدينة، وتأتي كذلك من المناطق المرتفعة من العاصمة ومن الماء المتجمع في الشوارع نتيجة غزارة الأمطار، وتصب كلها نحو البيوت والأسواق والشوارع التي لم يصمد كثير منها وأصبح الإسفلت فيها من الآثار.

أضرار بشرية ومادية
تضررت في الأيام الماطرة الماضية أغلب مديريات العاصمة صنعاء التي يبلغ عددها 10 مديريات، ويتركز الضرر الأكبر -حسب المهندسين- في المناطق المنخفضة والمستوية من العاصمة، وهي أغلب مساحة العاصمة باستثناء المناطق المرتفعة التي تحيط بها.
وتسببت الأمطار هذه المرة أكثر من سابقاتها بأضرار كبيرة وصلت إلى الأرواح، وبلغ عدد الضحايا 254 شخصاً بين قتيل ومصاب، البعــــــض جرفتهم السيول في الطرقات والوديان وحتى في منازلهم، وبعض حالات الغرق لمن تجاوزوا التحذيرات وذهبوا للسباحة في الأنفاق التي امتلأت بالماء.
ولا توجد إحصائيات نهائية للأضرار المادية في الشوارع والأحياء والمنازل والسيارات والمحلات والبسطات، لكن عدداً من البيوت تدمرت جزئيا أو كلياً، خصوصاً في منطقة صنعاء القديمة وباب اليمن،وبلغ عددها 111  ومن تلك البيوت التي تهدمت بشكل كامل منزل الشاعر عبدالله البردوني، ومنزل شعبي مكون من 3 طوابق في باب اليمن كان خالياً من السكان، ولكنه سقط على البقالة التي كانت في الدور الأول، وتوفي عدد ممن كانوا في المحل، وكذلك تضررت عدد كبير من المنازل والسيارات بمنطقة نقم.
وفاضت السائلة عن طاقتها الاستيعابية الكاملة وجرت المياه فوق أساسات بيوت صنعاء القديمة الضعيفة ودخلت إلى المنازل وأفسدت الأثاثات وهددت المباني ككل بسبب وصولها للأساسات. وامتلأت أنفاق العاصمة بمياه الأمطار وأغلقت أكثرها، وكان أسوأها نفق دار سلم الذي توفي فيه شخصان أحدهما من أحفاد بلال، وجرفت السيول عدداً كبيراً من السيارات والدراجات النارية، ودخل الماء الكثير من المحلات والمنازل في حي وسوق شميلة وشارع خولان وشارع تعز والحثيلي والخفجي والتحرير والزبيري وباب اليمن ونقم ومناطق أخرى كثيرة.
عملت مياه السيول الغزيرة على تقشير كثير من الشوارع من الإسفلت، تاركة إياها أخاديد كحال شارع السفينة في شميلة، بينما أحدثت في شوارع أخرى حفراً كبيرة للغاية جعلتها غير صالحة للسير كشارع الأصبحي.

افعلوا شيئاً
عبدالقادر أحمد حسين جابر (50 عاماً)، من أهالي صنعاء القديمة، يملك منزلاً من 3 طوابق تسكنه 3 عوائل على حافة «سائلة صنعاء»، ومع أن المنزل مرتفع بشكل يبدو آمناً بمقدار حوالي 3 أمتار عن قاع السائلة، إلا أن السيل غمر أساساته بعد أن فاض من فوق السائلة إلى كل البيوت المحاذية لها.
يقول عبدالقادر: «الحمد لله على هذه النعمة العظيمة، ولكن إذا لم تضع السلطات حلاً لتصريف مياه الأمطار إلى اتجاهات أخرى وليس إلى السائلة فقط، فأخاف أن ينهار منزلنا وكثير من المنازل».
ويضيف عن الأضرار: «فقط تضرر الأثاث بسبب دخول الماء إلى البيت، لكن الخوف هو من المطر الذي دخل ويدخل إلى أساسات البيت الضعيفة».
ويؤكد أن منزله كما منازل صنعاء القديمة لا يمكن أن يصمد أمام سيول أخرى، مطالباً بضرورة إيجاد حلول سريعة من قبل الدولة لعمل مصارف لمياه الأمطار لتخفيف الكم الكبير من الماء الذي يصب في السائلة والذي يفوق قدرتها الاستيعابية.

تهدم منازل تاريخية
ليس منزل الشاعر عبدالله البردوني وحده الذي خسرته صنعاء، فقد انهار قبله وخلال أمطار رمضان الفائت، منزل الإمام المهدي، ولحسن الحظ لم يكن أحد يسكنه، لكنه كان منزلاً تاريخياً عمره قرابة 300 عام، ويعود للإمام المهدي عباس بن الحسين المنصور القاسمي (1719-1775) الذي كان أحد الأئمة الزيدية الذين حكموا اليمن، والمنزل في شارع الذهب الذي يقع بين التحرير وسائلة صنعاء القديمة. وبالرغم من أن شارع الذهب مرتفع بحوالي مترين عن السائلة، إلا أن منسوب الماء فاض من السائلة إليه، فدخل إلى كثير من البيوت سواء من ماء السائلة أو من المطر الغزير أو من شارع التحرير، فهدم جزءاً من منزل الإمام المهدي الذي كان يتداعى من قبل.
بجوار منزل الإمام المهدي كان الطفلان أمجد ورامي وبأيديهما الصغيرة وأدواتهما الأقل من بسيطة يقومان بأعمال الحماية والاستعداد للسيول المحتملة القادمة.
كانا ومعهما جارهما العقيد محمد الذماري يقومون بملء أكياس القمح الفارغة بالتراب ليضعوها على الأبواب والأماكن المفتوحة من بيت الإمام المهدي، لأن المياه تدخل منها باتجاه بيوتهم.
يقول الذماري: «هذه كل استعداداتنا، وقد حصلنا على هذا التراب بعد جهد ومطالبة كبيرة».
ويضيف أنه والكثيرين أيضاً في شارع الذهب تضرروا وخسروا الكثير من أثاث منازلهم بعد أن دخل المطر إليها، وأنه لم يشهد مثل هذه الأمطار، وأن منازلهم بلا وسائل حماية، «نحن فقط ومنذ سنوات قمنا برفع أبواب المنازل وتدعيم الأساسات بحوالي بأقل من نصف متر من الحجار، لكن مستوى ارتفاع السيول الأخيرة كان أعلى من هذا الارتفاع».
أما أصحاب المحلات في كثير من الشوارع فناشدوا أن تكون هناك معالجات من شأنها الحيلولة دون قدوم السيول بهذه الكمية باتجاه الأسواق وبطريقة مفاجئة لم تمهل الكثيرين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
جدير بالذكر أن صيانة منازل صنعاء القديمة المصنفة في قائمة التراث العالمي قد توقفت من قبل منظمة اليونسكو منذ بدء العدوان على اليمن.
زكريا قاسم، أحد الذين تضرروا من السيول الأخيرة التي غمرت سيارته، يقول: «كنت قد ربطت السيارة إلى عمود كهرباء عندما عرفت أن الوضع يزداد سوءاً، حتى لا يجرفها السيل كما جرف غيرها، غير أن السيل دخل إلى كل أجزاء السيارة، وستحتاج كثيراً من الإصلاحات والمال الآن».

يد أمانة العاصمة
يقول المهندس عبدالكريم الحوثي، وكيل قطاع الأشغال بأمانة العاصمة: «إن ما حصل هو نتيجة قوة قاهرة لهذه الأمطار التي فاقت قدرة الدولة وتوقعاتها، فقد كانت العادة في السنوات الماضية أن تسبب الأمطار أضراراً في مديرية أو اثنتين فقط فيكون التعامل معها أسهل وتركز الجهود لمعالجتها، بعكس الآن بعد أن تشتتت الجهود والمعدات في 10 مديريات بالأمانة تضررت كلها من الأمطار وتصعب تغطيتها في ذات الوقت، والمعروف أن كل المحافظات كذلك شهدت أضراراً جانبية لنعمة الأمطار الغزيرة هذه السنة».
ويشير الحوثي إلى أن البنية التحتية غير متكاملة، وهناك أنفاق وطرق معدة جيدا وأخرى تم الاحتيال في بنائها وهي دون المستوى المطلوب، كما أن مشاكل البناء العشوائي ضاعفت من الضرر.
ويضيف: «مثلاً النفق الواقع في السبعين الرابط بين شارع 45 وشارع حدة كان معداً جيداً وتم إعداد قناة تصرف الماء باتجاه المشاتل أمام جامع الشعب، لكن بالنسبة لنفق شارع تعز فكان من المفروض أن يعد له قناة أيضاً باتجاه السائلة نظراً لقربه منها ولأنه مرتفع عنها ويستقبل أمطار المنطقة الأخرى المرتفعة عنه من شارع خولان، ولن يحتاج لمضخة، لكن للأسف لم يتم ذلك».
ويتابع: «كما أن الأمطار المستمرة وعلى مدى أغلب ساعات اليوم تشكل تحدياً أيضاً أمام أعمال الصيانة كلها من ردم وحفر وشفط للمياه في الأنفاق».
هذه الأنفاق التي -وبحسب توضيح وكيل قطاع الأشغال- تمتلئ في حالتين، الأولى إذا جاءت سيول محملة بمواد طينية، لأن هذه المواد تمنع وتوقف عمل مضخات التصريف الموجودة في الأنفاق لأن المضخات تتوقف تلقائيا عندما تكون المواد التي تشفطها طينية حتى لا تتعطل.
أما في الحالة الثانية فهي عندما تكون كمية الماء الداخلة إلى النفق أكبر بكثير من كمية الماء التي تقوم المضخة بإخراجها، وذلك بدوره يؤدي إلى توقف المضخة تلقائيا لتفادي تعطلها أو حدوث ماس كهربائي خطير على كل من في النفق. وهذه المضخات في الأساس معدة لتصريف مياه الأمطار التي تدخل للنفق من بدايته ونهايته، وليس السيول التي تتجمع من عدة شوارع وأحياء وتتجه نحو النفق كما حصل في كثير من الأنفاق، مثل نفق جولة عمران ونفق دار سلم، حيث أتت كل مياه الأمطار من جهة الستين إلى داخل نفق جولة عمران، ومن شوارع دار سلم وحزيز نحو نفق دار سلم، وهذا نتيجة أخطاء سابقة في توجيه هذه المياه، بحسب كلام الوكيل الحوثي.

الحلول الطارئة
أما في ما يخص مسألة إصلاح الأضرار التي سببتها الأمطار خلال الأيام الماضية وقبلها والاستعداد لمنع تكرارها نتيجة الأمطار القادمة المتوقعة، فقد أشار المهندس عبدالكريم الحوثي إلى أن عملية الإصلاح تتم على مرحلتين، «الأولى مرحلة طارئة مستعجلة لإعادة خدمات الطرق والجسور وتحويل مجاري السيول عن العاصمة، والثانية خطة طويلة الأمد وهي ما وجه به الرئيس مهدي المشاط لعمل مشاريع تستغل هذه الأمطار وتعمل على احتوائها في مناطق حزام العاصمة وتصريفها بشكل مفيد وآمن حتى لا يتكرر ما حصل في الأيام الأخيرة».
ويضيف الحوثي: «تعمل حالياً 4 فرق، فرقتين تتبع الأشغال بأمانة العاصمة، وفرقة تتبع المؤسسة العامة للطرق والجسور، وفرقة للوحدة التنفيذية، والعمل يتم حسب المناطق الأشد ضررا».
ويستطرد: «كما يتم حاليا استحداث عبارات سيول أكبر في عدة مناطق، بخاصة التي شهدت احتقانات كبيرة وسيولاً أدت لوقوع خسائر في الأرواح، مثل منطقة نقم ومنطقة صرف، وهي في طور الإتمام خلال يومين أو ثلاثة».
ويشير إلى أن بعض المناطق ذات البناء العشوائي كمنطقة بير أحمد شكلت تحدياً لهم لتقديم المساعدة للمتضررين هناك، حيث إنه يصعب إيجاد طرق واسعة للمعدات الكبيرة لتدخل وتفتح الطرق وتوجه المياه بعيدا عن المساكن، وهذا أيضا ما صعب إدخال خدمات أخرى لهم كالمجاري والطرق، لكن العمل يجري حاليا لفتح طرق رئيسية والوصول إلى الناس وإصلاح المنطقة وتصريف المياه منها، كما يقول الحوثي.
وعن الحلول المؤقتة، يقول: «بالنسبة للأنفاق يتم شفطها بشفاطات الصرف الصحي الكبيرة، وليس متوفراً لمؤسسة المياه والصرف الصحي غير 4 منها فقط، وليست متوفرة في السوق اليمنية لشراء أخرى، ولم تدخل هذه الأربع إلا بمساعدة وضمانة من منظمة اليونيسف، وبالنسبة للمواطنين فيتم الاستعاضة بالنفق مؤقتا بالشوارع الخدمية التي فوق النفق والتي تؤدي دور النفق بشكل مؤقت في مثل هذه الحالات، ولكن بأقل كفاءة بالطبع لأنها أصغر وضمن دوار».
أما بالنسبة لفيضان السائلة، فيصفه المهندس الحوثي بأنه حدث غير مسبوق، «والحل هو وضع حواجز وحفر تمتص مياه السيول في حزام العاصمة كالحفرة الموجودة في منطقة دار الرئاسة، وسيتم العمل على إنشاء 3 أخريات أكبر حول الأمانة والمحافظة في القريب العاجل».
بالنسبة لحفر الشوارع فيتم ردمها بمادة البسكورس لكي يتم تسهيل حركة الناس مؤقتا ولتلافي الحفر من التوسع ومضاعفة تكاليف إصلاحها، والبسكورس مادة فعالة لهذه المهمة وهو رخيص مقارنة بالإسفلت، فسعر المتر المكعب منه 6 آلاف ريال، بينما سعر المتر المكعب من الإسفلت 112 ألف ريال، كما أن مادة البسكورس تصمد أكثر من الإسفلت، خصوصاً هذه الأيام مع الأمطار المتواصلة، بحسب ما قاله المهندس عبدالكريم الحوثي. 
أخيراً، لاتزال العاصمة تنتظر -بحسب التوقعات المناخية- أياماً غزيرة الأمطار خلال هذا الشهر، وربما تنتظر سنين مشابهة على اليمن ككل، وهذا ما يعني أن على الحكومة أن تكون فعالة أكثر في خططها واستعداداتها، ليس لمواجهة هذه الأمطار فحسب، بل لاستغلالها والاستفادة منها.