3 آلاف ريال سعر الأوكسجين يعبأ في أسطوانة قيمتها 97 ألف ريال
شعار المرحلة بالنسبة للقطاع الخاص «احتكار كل ما يحتاجه أو سيحتاجه الناس»

غازي المفلحي / لا ميديا -
رغم تأكيد مصادر طبية رسمية بداية انحسار وباء كورونا (كوفيد 19) في اليمن، وبالتحديد في مناطق سيطرة المجلس السياسي، وتجاوز مرحلة الذروة، إلا أن خطره حسب الأطباء لايزال قائما، وحالات الوفيات مازالت مستمرة وملاحظة للجميع، والمؤسف في حالات الوفاة تلك أنها كان يمكن تفاديها وإنقاذ كثير من الأرواح. فجزء من الضحايا يصلون للوضع الحرج من المرض رغم صغر سنهم ويموتون بسبب عدم قدرتهم على توفير بعض الفيتامينات والمضادات الحيوية ومادة الأوكسجين لعلاج ومقاومة أعراض المرض.

استغلال الحاجة أم الثروات غير المشروعة؟
من بين كل ما يحتاجه المصاب بفيروس كورونا من فيتامينات وأدوية ورعاية، كانت مادة الأوكسجين هي العنصر الأصعب، والذي ارتفع سعره وتعذر على الكثير من المرضى الحصول عليه. فبالرغم من ارتفاع أسعار وانعدام وإخفاء واحتكار فيتامين C وفيتامين D وفيتامين E وعناصر مثل الزنك وأوميغا 3، بعد أن اتضح لمن يملكها من تجار وصيدليات صغيرة وكبيرة حاجة الناس بشكل عام ومرضى كورونا بشكل خاص لها، إلا أنها أدوية لايزال باستطاعة المرضى على ضعف حالتهم المادية تدبر قيمتها والحصول عليها. لكن بالنسبة لغاز الأوكسجين الذي يحتاجه كثير من المرضى بشكل ملح في بعض مراحل المرض، فقد كان التحدي أصعب ومبلغ توفيره فوق قدرة الكثيرين، وقد تفاقمت حالات بعض المرضى وتوفوا بسبب تعذر حصولهم على غاز الأوكسجين بشكل كافٍ.
ليست المشكلة في توفر غاز الأوكسجين بحد ذاته، فهو متاح بأسعار معقولة في متناول الناس، وتوفره عدد من المحلات التي تبيعه في العاصمة صنعاء، والتي تقوم بتعبئته من عدة مصانع تقع على أطراف العاصمة. فإنتاج غاز الأوكسجين عملية سهلة نسبيا، والمتبعة في محطات إنتاجه في اليمن والعاصمة، وتتم عملية إنتاج الأوكسجين بطريقة شفط الهواء الجوي وضغطه وتبريده ثم فصل مكوناته واستخلاص أوكسجين نقي بنسبة أكثر من 95٪ ويذكر أن أول من ابتكر عملية إنتاج الأوكسجين هو العالم الألماني د. كارل فون ليند، عام 1902، ثم طورها بشكلها الصناعي والتجاري المعروف حاليا العالم الفرنسي جورج كلود، بعدها بفترة قصيرة.
إذن، المشكلة ليست في إنتاج الأوكسجين على قلة محطاته وعدم امتلاك الحكومة مصانع باستثناء بعض المحطات في بعض مستشفياتها كمستشفى الثورة، أو لأن إنتاجه يحتاج بعض التقنية والمعدات المتطورة، المشكلة كانت بارتفاع أسعار أسطوانات الأوكسجين، بينما هي مجرد أوعية لحمل الأوكسجين لا أكثر، ولا فرق بينها وبين أسطوانات الغاز المنزلي. فلأن الناس يحتاجونها بشدة ارتفعت أسعارها لأكثر من 3 أضعاف. فالأسطوانة التي تسع 10 لترات مثلا وصل سعرها إلى أكثر من 100 ألف ريال، بينما تعبئتها من الأوكسجين لا تكلف أكثر من 3000 ريال، وهذه الأسطوانة بهذه السعة لا تكفي المريض إلا ليومين في أفضل الأحوال، ويحتاج المريض على الأقل أسطوانتين لكي يبقى في وضع آمن، يتنفس بواحدة، بينما تؤخذ الأخرى للتعبئة، وهكذا. أما استئجار الأسطوانات فقد يكلف المريض أكثر من 10 آلاف ريال مقابل كل يوم.
أعذار بائعي الأسطوانات في محلات الأدوات الطبية معروفة ومستهلكة ومتلونة، وهم يجارون كل من سبقهم من مستغلي حاجة الشعب، فهي تارة بسبب ارتفاع الدولار، وأحيانا الحصار، وأحيانا الجمارك، لكن في الحقيقة أسعار تلك الأسطوانات لم ترتفع إلا عندما احتاجها الناس، ومعظمها تقريبا قديمة ومستخدمة ومضى على وجودها في اليمن فترة طويلة، ولم تشتر حديثا.

نجدة الحكومة
على المستوى الرسمي، تقول وزارة الصحة إن التعامل مع القطاع الخاص خلال أزمة كورونا يتسم بصعوبة وحذر، لأن المستشفيات والتجار قد يلجؤون لإغلاق أبوابهم وقطع خدماتهم لو تم الضغط عليهم بشكل كبير، فيزداد الوضع ســــوءاً، ولكن الوزارة تعمل على الرقابة عليهم وعلى أداء عملهم ومنع عمليات الاحتكار بواسطة لجان وفرق ميدانية مشكلة من وزارة الصناعة والتجارة والهيئة العليا للأدوية.
كما أن وزارة الصحة ووزارة الصناعة والتجارة سعتا للتنسيق مع المصانع والمعامل لإنتاج ملابس طبية وأسطوانات أوكسجين، في إطار جهود الحكومة لمواجهة فيروس كورونا، وفقاً للمواصفات القياسية المعتمدة من وزارة الصحة وهيئة المواصفات.
وكان من المتوقع أن يتم خلال الأيام الماضية افتتاح مصنع للأوكسجين الذي يتم تجهيزه في مستشفى الكويت الجامعي، بدعم وتمويل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكن لا أخبار عنه حتى الآن.
وحسب الدكتور محمد الصوملي، مدير عام المنشآت الخاصة في وزارة الصحة، فهناك رؤية ومشروع يتم العمل عليه يهدف لإنشاء مشاريع طبية بتمويل من القطاع الخاص بقيمة تصل إلى 25 مليون دولار، سيكون ضمن هذه المشاريع ما يخص توفير محطات متكاملة للأوكسجين في عدة محافظات جنوبا وشمالا، لكنه مشروع قيد الطرح ويحتاج الدعم الإعلامي ومن القيادة السياسية كما يقول.
 
كورونا أسرع 
لكن وفيات كورونا تزداد، والناس حاليا في ذات المعاناة والعجز عن توفير الإمدادات الطبية وخاصة الأوكسجين، ولم تصل نجدة الحكومة بعد.
يقول عمرو محمد: «جارنا توفي قبل 3 أيام بعد إصابته بكورونا بسبب ضعف القدرة المادية لأهله على توفير رعاية صحية كافية». ويضيف: «لم يكن جارنا رجلا طاعنا في السن، ولكن كان خمسينياً يبدو عليه الصحة، لكن الأعراض ظهرت عليه لأكثر من أسبوع، وقد كان يقاومها بأدوية بسيطة، وفواكه وخضار كالليمون، وما يتوفر له من غذاء جيد، ويتحرك ويمشي، وعندما بدأ يشعر بضيق في التنفس نصحناه بالبقاء في المنزل وشراء أوكسجين من باب الاحتياط، لكنه قال إنه لا داعي لصرف مبالغ لا يقدر عليها على أسطوانات الأوكسجين، وأنه سيتجاوز المرض بالمقاومة العادية، لكنه لم يستمر غير أيام حتى ساءت حالته، وعندما أسعفناه باغتته الذبحة الصدرية وهو في مصعد المستشفى».
يذكر أن من أعراض مرض كورونا نقصاً في الأوكسجين في الدم يتسبب بالوفاة إذا لم يتم تزويد المريض بالأوكسجين بشكل عاجل، فبدون الأوكسجين، يمكن أن يتلف القلب والكبد والدماغ والأعضاء الأخرى في غضون دقائق.
يقول الطبيب العام أنور صالح: تشبع الأوكسجين العادي لمعظم الأشخاص عند مستوى سطح البحر هو من 94٪ إلى 100٪ لكن مرضى الالتهاب الرئوي كوفيد 19 يعانون من تشبع الأوكسجين بنسبة منخفضة تصل إلى 50٪ ويفاقم ذلك النقص أن الاعتماد على التنفس من الهواء الجوي يصبح بلا جدوى، لأن الهواء الجوي يحوي 20-21٪ من الأوكسجين فقط، وإذا بدأ الأوكسجين ينقص في الجسم يصبح وضع المريض خطيراً، وإذا نقص الأوكسجين عند المريض إلى 40٪ وهذا يحصل عادة للأسف، فإنه يؤدي إلى نقص تروية الدماغ والدخول في غيبوبة، وتتضرر الأعضاء الأخرى ويحصل فشل كلوي أو جلطة أو يكون الشخص مشلولاً مستقبلا إذا نجا، وكثير من المرضى في اليمن خصوصاً من لا يتمكنون من الحصول على رعاية في المستشفى، ولا يدركون خطورة نقص الأوكسجين، أو لا يستطيعون الحصول عليه، يكونون ضحايا محتملين».
جدير بالتوضيح أن المصابين بفيروس كورونا الذين لم يصلوا للوضع الحرج والذين لا يعانون من أمراض خطيرة أو مزمنة ولا يحتاجون لجهاز تنفس صناعي (استصعب على دول غنية توفيره) يحتاجون بالضرورة إلى التزود بالأوكسجين بشكل عادي عن طريق الأنف والفم، إلى جانب تناول بعض الفيتامينات والأدوية، حتى تستقر حالتهم ويتجاوزوا المرض، وبالرغم من سهولة هذا المطلب، إلا أن كثيراً من اليمنيين يعانون للحصول عليه بعد أن احتكره المختصون في استغلال حاجة الناس.
علاوة على كل ما سبق، فكثير من الأطباء حول العالم أعربوا عن مخاوفهم من وجود بعض الحالات المصابة بكورونا والتي ينخفض عندها الأوكسجين في الدم دون أن يلاحظ المريض أو تظهر عليه أعراض ضيق التنفس، وهو ما يسبب وفيات كثيرة مفاجئة، وأوصى الأطباء بأن يتم إجراء الفحص المستمر للمريض المصاب بفيروس كورونا لكشف مستوى الأوكسجين في الدم.
وهذا يعني أن المرضى المصابين بفيروس كورونا، ومنهم اليمنيون، يحتاجون للأوكسجين بشكل ضروري وميسر، وأن توفره لهم يجب ألا يكون صعباً وتعجيزياً كما هو الآن، حتى لا تهدر الأرواح وتقدم فريسة للموت بسبب جشع التجار وعجز الحكومة عن توفير حلول عاجلة.