إيرينا تسوكرمان
بيسا (مركز الدراسات الاستراتيجية "الإسرائيلي")

ترجمة خاصة زينب صلاح الدين / لا ميديا -
دخلت تركيا وروسيا في صراعات بالوكالة منفصلة على جبهات متعددة في سوريا وليبيا، بيد أنهما قد تكونان في اتجاهين متعارضين في المشهد السياسي اليمني المعقد. ولكن بالإمكان تفادي حدوث هذا السيناريو في حال لم تحاول تركيا استغلال الجماعات الإسلامية العدوانية، واحترمت رغبة روسيا في تشارك أرباح الغاز وممارسة تأثيرها السياسي مع أي فصائل تسيطر على الميدان، وكذلك في الاحتفاظ بالوصول الآمن إلى الممرات المائية الاستراتيجية.
في مقطع فيديو حديث، شوهد مرتزقة سوريون مدعومون من تركيا ويقاتلون بالنيابة عن حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً في طرابلس ليبيا بمساعدة المليشيات المحلية، وهم يقولون: "لقد بدأنا للتو، فالهدف سيكون غزة"، بل وذكروا أنهم يريدون مواجهة رئيس مصر السيسي والذهاب إلى اليمن.
وفي تحول مفاجئ للأحداث، فر الجيش الوطني الليبي، الذي يقوده المشير خليفة حفتر -المدعوم من مصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا وبشكل أقل علناً إسرائيل، من طرابلس، فسرعان ما تحولت السيطرة الفعلية على كامل المدينة والمناطق المجاورة لصالح حكومة الوفاق الوطني.
وخلال أيام، دعت مصر، في مؤتمر صحفي مع حفتر، إلى وقف إطلاق النار، وإلى مبادرة سلام لإعادة توحيد ليبيا، وهي دعوة لم يتم الرد عليها من قبل حكومة الوفاق الوطني. وفي اليوم التالي كانت مصر تشهد نقل شاحنات وأسلحة ثقيلة إلى الحدود المصرية الليبية في محاولة لإظهار استعدادها لاتخاذ كل الإجراءات لحماية أمنها القومي من أي اعتداء عليها من قبل تحالف حكومة الوفاق الوطني (قطر وتركيا)، المدعوم من إيطاليا وبشكل رمزي من الولايات المتحدة.
وذكر ناشطون مؤيدون للجيش الوطني أن مصر سترفع أيضاً مستوى دعمها للجيش، على الرغم من أنه لم يتضح بعد المغزى من ذلك. يأتي هذا التطور بعد سلسلة من الهزائم التي لا يمكن تفسيرها من قبل كل من الجيش الوطني الليبي ومرتزقة مجموعة فاغنر الروسية.
ورداً على خسارة تسعة من أنظمة الدفاع الصاروخية بانتسير، كثف الروس استخدام النفاثات. كما رأينا تركيا أيضاً تقوم باستيراد الأسلحة الثقيلة إلى منطقة نفوذها (إدلب) في سوريا، حيث استأنف الروس شن الغارات الجوية على الثوار السوريين الذين تدعمهم تركيا.
وليس فقط أعضاء اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب من يقاتلون في حروب بالوكالة ضد الكتلة الإسلامية على عدة جبهات في الشرق الأوسط وأفريقيا، ولكن يبدو أن روسيا وتركيا على الشاكلة نفسها في بلدان عديدة بالتزامن، في حين أن النتائج في سوريا وليبيا لم تتضح بعد، حيث إن دمشق على وشك تتويج تعزيز سيطرتها الإقليمية على البلاد، فإن لدى روسيا ميزة في سوريا، كونها تحالفت مع قوات الأسد على الرغم من اختلافاتهم مع إيران. لا يمكن لأي شخص توقع ما الذي سيحدث إذا اتبعت اليمن المنحى نفسه.
وفي الوقت الذي كانت فيه أنقرة تطلب دعماً مالياً من دول عدة، من المبكر جداً استبعاد احتمال أنها قد تقوم باستثمار التمويل الذي لم تحصل عليه بعد في صراع آخر. يحتمل أن تعتمد تركيا على رغبة ممولها قطر في إشعال النيران كلما أمكن ذلك، أو الزج بخصومها الإقليميين في حروب غير متكافئة وإعلامية لا متناهية.
في الواقع، هنالك أدلة تشير إلى نهج عدواني من جانب تركيا للتدخل في اليمن. لكن أنشطتها تتماشى أكثر مع نهج القوة الناعمة السابق لتركيا في إدارة العلاقات، أكثر مما تتماشى مع نهج الأنشطة المتهورة والفاضحة والعدوانية والتي جاءت بنتائج عكسية فأشعلت السخط على أردوغان في سوريا وشرق البحر الأبيض المتوسط وليبيا.
في اليمن، يتركز الوجود التركي على ثلاث مناطق ساحلية. تبقى نقاط التفتيش الاستراتيجية لباب المندب وخليج عدن هما الجائزتان اللتان تتوق إليهما دول عدة، ومنها إيران وروسيا.
كانت تركيا تحاول أن تناور وسط الأطراف المشاركة في صراعات متعددة تجري في اليمن، ومن الممكن أن تلجأ إلى حكومة هادي المعترف بها دولياً من أجل الحصول على موافقتها ودعمها. تعمل الحكومة اليمنية بشكل رسمي مع التحالف العربي بقيادة السعودية، الذي لن ينظر بلطف إلى مثل هذه المناورات التركية. كانت إدارة هادي متهمة بالفساد والتسلسل من قبل عناصر إسلامية. حتى أنها عملت مع حزب الإخوان المسلمين (الإصلاح) واللواء العسكري الذي تعاون مع الانفصاليين الحوثيين المدعومين من إيران، ما أدى إلى حدوث احتكاكات وسوء تواصل داخل التحالف العربي. من المؤكد أن أردوغان سيسعى إلى استغلال أي علاقة تربطه بالإسلاميين وأي تعاطف معه من قبلهم، حتى أنه يعمل إلى جانب قطر لإغراء هذه العناصر من أجل الانضمام إلى الكتلة الإسلامية البارزة.
ومع ذلك، لا تزال مناورات تركيا الحالية حول شبوة وسقطرى والمخا في تعز من شأنها أن تثير الدهشة. وسقطرى على وجه الخصوص تعتبر واقعة ضمن نطاق نفوذ الإمارات التي تعارض بشدة التدخل التركي في المنطقة. عقب عدوان إيران المتزايد في المنطقة وأزمة ناقلات النفط في صيف 2019 خفضت الإمارات تدخلها العسكري في اليمن لدرجة أنها كانت متهمة بالتخلي عن السعودية والابتعاد عنها، إلا أنها بقيت هي المسيطرة ثقافياً ومالياً في سقطرى.
ومع ذلك، قامت وسائل الإعلام وجماعات الضغط القطرية بتعبئة السكان المحليين الذين يميلون إلى الإسلاميين ضد الانفصاليين الذين تدعمهم الإمارات وغيرهم ممن هم أكثر تعاطفاً مع أهداف التحالف العربي، وهذه هي العناصر التي تتحدث عنها تركيا. وكما فعلت في نهجها تجاه أفريقيا وشبه القارة الهندية؛ استثمرت تركيا بقوة في مجال التواصل الإنساني مع مؤيديها اليمنيين الأساسيين عبر منظمة الإغاثة الإنسانية التركية. كانت هذه المنظمة نشطة في منطقة "شبوة"، فمنذ ذلك الحين -بعد سحب الإمارات معظم قواتها- سقطت كلياً بيد الإخوان المسلمين في 2019. والفكرة هي نشر السيطرة الإسلامية عبر منطقة العلم في جنوب غرب اليمن، حيث تنشط القبائل والمليشيات الإسلامية بشكل متزايد ضد التحالف العربي.
تضمن هذا النهج شن سلسلة من الهجمات بقذائف الهاون التي استهدفت خطوط إمداد الغذاء والدواء التي أجبرت قوات التحالف على الانسحاب. وبينما تبدو القوات التي يدعمها التحالف متناحرة فيما بينها بشكل تصاعدي، بسبب خلافاتهم المتعلقة بأهدافهم بعيدة المدى للدولة، بما في ذلك الفصل الأخير الذي ادعت فيه قوات حركة الانفصال الجنوبية سيطرتهما الكاملة على عدن، مما تسبب في خلافات وفوضى داخل التحالف، يسعى الإخوان المسلمون لاستغلال فوضى وفراغ السلطة الأيديولوجية والمادية في ظل غياب تواجد التحالف في العلم للاندفاع باتجاه ميناء بلحاف ذي الأهمية الاستراتيجية. وهناك، سيتمكن الإسلاميون من السيطرة على صادرات الغاز المهمة (خدمة هدف تركيا في تقليل الاعتماد على الطاقة القادمة من البلدان الأخرى). وهذا سيعطيهم مدخلاً للوصول المادي للساحل المطل على البحر العربي، الذي سيكون نقطة دخول مهمة لأي مشاركة عسكرية في المستقبل من قبل تركيا.
بينما يستغل أردوغان الخلافات السياسية، بات من المعروف أنه يتحاور مع محافظ سقطرى رمزي محروس الذي يقال إنه التقى بالمخابرات التركية والقطرية في إسطنبول.
كما تستخدم تركيا الإصلاح للتغلغل في النظام التعليمي والمؤسسات الدينية والبنية التحتية الاجتماعية الأخرى في اليمن، باستخدام الكتب التعليمية القطرية والخبرة التركية في التأثير الأيديولوجي لتطرف السكان المحليين.
وماذا عن روسيا؟ طوال عدة سنوات ماضية، وطأت موسكو الأرض في اليمن بعناية شديدة ولعبت مع جميع الأطراف، حتى أنها قدمت تأثيراً إنسانياً رسمياً للاحتفاظ بمدخل للوصول وفتح الحوار مع أي شخص ينتهي في القمة. إن هدف روسيا أكثر تعقيداً من هدف تركيا، كونها لا تسعى إلى إعلان نفسها على أي طرف في الصراع. كما هو الحال مع سوريا، ترى روسيا نفسها قوة وسيطة تأثيرية أساسية بين عدة لاعبين متحاربين. إنها تسعى إلى أن تبرز كوسيط سياسي على الرغم من أنه لا يوجد طريق مؤكد كي تصبح صانعة ملك (بمعنى الشخص الذي يمكن القادة من الوصول إلى السلطة من خلال ممارسة تأثيره السياسي) والحصول على السيطرة المباشرة أو تأثير توحيدي أوسع (في الوقت الحالي).
في حين أن موسكو لم تختر بشكل علني أطرافاً بين هادي/ قوات التحالف، والحوثيين وحتى الإصلاح، فلا تزال هي في حوار مع كل الأطراف دون أي محاولة منها لإثارة العداء مع أي طرف، من خلال التدخل العسكري. بالنسبة لروسيا، النتيجة في اليمن هي أقل أهمية من قدرتها على تطوير أجندتها عن طريق الوصول إلى قواعد عسكرية محتملة في نقاط الاختراق الاستراتيجية وكسب النفوذ السياسي وإدارة صادرات الغاز والقدرة على الاستفادة من دورها في اليمن نحو دور إقليمي ومشاركة أكبر.
نظرياً، طالما أن تركيا تحترم هذه الحدود ولا تتصارع مع روسيا على مصالحها، حينها بإمكان كلا البلدين تحقيق أهدافهما جنباً إلى جنب، خاصة أنه لا يوجد حتى الآن أي رابح واضح. ومع ذلك، هل ينبغي لتركيا أن تتقدم بقوة أكبر لفرض السيطرة الإسلامية والتدخل عسكرياً؟ وهل يجب أن تحاول إبعاد روسيا من أي دور مؤثر أو قيادي في اليمن بسبب تصادم المصالح أو رداً على الخلافات غير المحسومة في سوريا أو ليبيا يمكن أن يحدث صراعاً آخر بالوكالة؟
هل ستنضم روسيا إلى حكومة هادي والتحالف العربي أم إلى الحوثيين؟ سيعتمد ذلك على من تراه روسيا في نهاية المطاف المنتصر المحتمل.
7 يوليو 2020