حاوره: نشوان دماج / لا ميديا -

الفنان التشكيلي زكي حيدرة أحمد العسيلي (الاسم الفني زكي يافعي) من مواليد 1974، مديرية رصد، بيافع. يعشق الفنون حد الثمالة، ويعتبر الفن نافذته لإطلالة عاشق للهوية بشقّيها الأرض والإنسان. عشق الفن منذ الصغر. درس هندسة طيران في كلية الطيران بعدن، وتخرج في 1993 ضمن الدفعة الأولى بعد الوحدة بتقدير امتياز. لكنه مال إلى عشقه وشغفه واكتفى بكونه فناناً متمسكاً بالأرض والإنسان وكل قيم الشارع اليمني الحميمة، حتى صار يعرف برسام البسطاء. شارك في عشرات المعارض محلياً وخارجياً وحصد جوائز ومراكز متقدمة. 
ولأن لوحاته تجسد الهوية اليمنية الأصيلة تم اقتناء أربع منها قبل عامين وتعليقها في مبنى الأمم المتحدة.
مرافئ «لا» التقى الفنان زكي يافعي حول تجربته 
في الفن التشكيلي، فإلى الحوار:

مدينة الجمال
 متى يبدأ الفنان في وضع ملامح لوحته؟
- يضع الفنان ملامح لوحته، وأتحدث هنا عن نفسي، عندما ألاحظ ضربات الشمس تعانق جباه الكهول فتُظهر ما يجول في خاطرهم من تعابير عن المكنون. وكذلك عندما أرى مباني عتيقة مزخرفة بإحساس جميل وقديم، فمثلا صنعاء القديمة، تجد أن كل الزخرفة القديمة تدل على جمال إحساس مَن سكنها وبناها، وكذلك المهن القديمة تجد ذوقا رفيعا في الطّرْق على النحاس وصياغة المشغولات اليدوية والفضة والعقيق.
تخيل، حتى الستارة الصنعانية التي تلبسها النساء لم يجعلوها سوداء؛ اختاروا لها زخرفة بألوان لكي تكون جزءا من جمال المدينة ولا تعطي لون الحزن الأسود. هذا يدل على أنها مدينة للجمال والمدنية الحقيقية. 

لوحة قصيدة
 هل الصور الشعرية في قصيدة ما يمكن أن تجعل الفنان التشكيلي يستلهم منها رسم لوحة ما أو رسم خطوط عريضة في لوحته؟
- بالتأكيد، فهناك قصائد لا تحتاج من الفنان إلى جهد كبير لكي يستشف لوحته منها؛ حيث لهما عامل مشترك وهو الإحساس، وإن اختلف مجال العمل الإبداعي. فأنا من عشاق الشعر، وللبردوني حضور قوي في قراءاتي. فقصيدته «أغنية من خشب» مثلاً، تعد لوحة فنية وقصيدة وأغنية، حيث كل الإبداع حاضر بقوة في التناقض المنسجم فيها.

شغفي غلب تخصصي
 بدايات الفنان التشكيلي زكي يافعي.. كيف كانت؟ خصوصاً وأنك درست في مجال الطيران، وهو تخصص لا علاقة له بالفن التشكيلي؟
- بداياتي كانت منذ الصغر. في المدرسة كنت شغوفا بالرسم، أرسم ما يروق لي كطفل: حيوانات ومناظر وغيرها. وكبرت، فكبرت قدراتي معي. وبسبب عشقي للرسم، ظللت أبحث وأقرأ في تاريخ الفن وعلم الجمال وتنوع المدارس وأهم روادها، والتحولات السياسية وتأثيرها بظهور مدارس فنية جديدة. طبعاً، التخصص ليس له علاقة بالفن؛ ولكن لظروف خاصة أُجبرتُ على هذا المجال.

أحب كل ما فيه رائحة التاريخ
 لماذا يتم التركيز في لوحاتك على الأمكنة والشخوص؟
- التركيز على الأمكنة والشخوص عملية مرتبطة بتركيبتي النفسية وعشقي القوي لكل أصيل في البلد وكذلك في الفنون، فأنا أحب الشعر العمودي وأعشق الطرب الأصيل، وأحب كل شيء فيه رائحة التاريخ. وإذا نظرنا إلى عناصر الهوية والشواهد الحقيقية على مكانة اليمن في التاريخ، لوجدت أن أهم عناصر موجودة هي أولاً الإنسان الذي يظهر أصالته في كل مخرجاته، كالزي والمهن والأفراح والقيم الأخلاقية والفنون.
باختصار، الأرض تفعل بَصْمَتَها في كل ما يصدر من المبدع وخصوصاً في موطن العرب الأصلي (اليمن).
ومن هنا، وجدت طريقي لأن أرسم كل القيم الأصيلة المتشبثة بالأرض، والتي تعمل بصمت وبكل محبة وعطاء حتى النفس الأخير. كما أحب رسم المدن القديمة، ففيها إشهار برسالة جمالية إنسانية وطنية وتبيين لعالم الجمال الحقيقي للبلد، منزهين النفس عن كل التفاهات الدخيلة على اليمن. وكذلك رسالة محبة لنشر قيم التسامح والمحبة بين أبناء الوطن، ولملمة ما نقدر عليه من تهتك النسيج الاجتماعي وما أفسده التهور في الطرح عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام غير المهني وغير الوطني. وللأسف، الإعلام مقصر في إبراز الجمال إلى حد كبير، حيث يعطي جل اهتمامه للمناكفات السياسية ونشر غسيل ليس لنا صلة به.

تعتيق العمل الفني
 هل هناك فرق بين الاحتراف والإبداع؟ وأيهما له علاقة بالخيال؟
- الاحتراف خطوة مهمة للوصول إلى الإبداع، والخيال شيء مهم. ويجب على الفنان ألا يتقيد بالمشهد وأن يحاول الإضافة من مخيلته وما تراكم بداخله من خبرة. فمثلا، في الفوتوغراف، توجد أجزاء لا تخدم اللوحة وتنقص من جمالها ولا تظهر رسالتها. كما أننا نجد في أماكن تاريخية أشياء حديثة تباع في المحلات، فنعمل على إزالتها ونضيف أشياء عتيقة لكي تنسجم مع الموضوع الأساسي في اللوحة، يعني أننا نعمل على تعتيق العمل الفني.

إبداع يصطدم بغياب الثقافة الجمالية
 هل استطاع الفن التشكيلي اليمني أن يفرض نفسه في المجتمع؟ وما العوائق الاجتماعية التي يجدها الفنان أمامه وتحدُّ من إبداعه؟
- استطاع الفنانون اليمنيون الإبداع بقوة حتى صارت أسماء كثير منهم كأفضل فنانين وبالذات في الواقعية والتأثيرية. والأسباب، الموهبة وصبر وطموح اليمنيين المعروف الذي عانق القمم بالعمارة وكسا الجبال بالمدرجات الزراعية؛ فكيف لا يبدع ويتميز؟ ولكنهم للأسف لم يفرضوا فنهم على الواقع لغياب الوعي والثقافة الجمالية عند المجتمع الذي يقبع تحت تأثير الوضع الاقتصادي المتدني، وكذلك الإهمال وعدم الاهتمام من القطاعين الخاص والحكومي، حتى أصبحت اللوحة شيئا ليس له مكانة في مقتنيات الشخص وحتى الميسورين. وهذه أثرت على الفنانين من حيث استخدام الخامات الأصلية المكْلفة والسفر ومتطلباته للمشاركات الخارجية.

الفن لا يعترف بالسياسية والجغرافيا
  ما مدى إيمانك بحيادية الفن؟ وما هي الزاوية التي تتناول فيها موضوعاتك؟
- أنا أؤيد حيادية الفن لكي لا يتم حصره في جغرافيا معينة فتكرس المناطقية المقيتة، ولا حصره في فكر سياسي فتكرس ثقافة الاختلاف ونشر الخلاف. ولكن الفن لغة عالمية لا تعترف بالحدود السياسية ولا الجغرافية وحروفها ومفرداتها الإحساس والرقي والسمو والجمال وجميع هذه العناصر تخاطب القلوب.

أتعلّم من البسطاء
 هل شكلتْ لك مشاهد الحرب على مدى خمسة أعوام رؤيةً خاصةً كفنان تشكيلي يستطيع ترجمتها بأسلوبه وطريقته؟  وكيف تنظر كفنان إلى التشرذم الحاصل في جنوب الوطن؟
- الحرب وآه من تأثيرها. عُرض عليَّ تقريباً من كثير من الأطراف المتصارعة، ولكني اعتذرت لأسباب حبي للبلد، وكذلك لأنني أمقت السياسة وأكره ما يعبر عنها، بل لا أجيد التعبير عن كل ما يحصل. فأنا أتألم عند كل قطرة دم تسفك في بلد الإيمان والحكمة، وآثرت أن أنأى بنفسي بعيدا وأتشبث بشيء قوي لا يتغير بتغير المصالح كما يفعل السياسيون: أتمسك بالأرض والإنسان وكل قيم الشارع اليمني الحميمة، حتى صرت معروفاً برسام البسطاء.
نعم، البسطاء الذين نتعلم منهم قيم الصبر الكفاح والعناد في وجه مآسي ومتطلبات الحياة، ونتعلم منهم الفطرة والبراءة والعزة رغم الحاجة. وهي كلها شواهد على طيب وأخلاق الشارع اليمني البسيط. لا يعرفون «الإتيكيت» و«البرستيج»، بل يملكون قيم الأعراف الأصيلة، لا يهتمون بالمظاهر الكذابة، بل يركزون على نقاء الجوهر.. ذاك هو ما ألجأ وأنشَدِه إليه بحب وشغف في أعمالي.

الواقعية أقرب إلى القلوب
  الفنان زكي يافعي ينتمي إلى المدرسة الواقعية، وتتميز لوحاته بعلاقة خاصة بالبيئة العربية، حيث يعكسها كنصوص بصرية للملامح الثقافية التقليدية للإنسان والمكان، إلى أي حد استطعت أن تجسد تلك الواقعية في لوحاتك؟
- نعم، أحب الواقعية لأسباب عدة؛ لأنني، بطبيعتي كإنسان، أحب أن أكون واضحاً وصريحاً وجلياً، ولا أجيد الإيحاء ولا أستطيع التعبير بطرق ملتوية. ومن ذلك السلوك الإنساني أرسم لوحاتي الواضحة الصريحة القريبة من القلب، وبكل حب واستمتاع. ولا شك أنها تصل إلى القلوب وتجعل من يراها يشعر بالمتعة البصرية.