بشرى الغيلي / لا ميديا -

كثُرت في الآونة الأخيرة الأصوات التي تنادي بقلع أحجار السائلة لأنها تسببت في جفاف الآبار الجوفية في صنعاء القديمة ونضوبها، وكنّا قد تناولنا هذه القضية في «لا» العدد (422)، وتحدث مختصون في المجلس المحلي بمديرية صنعاء القديمة وبعض أهل الاختصاص، عن ذلك، وطرحوا وجهات نظرهم، إلا أن الصوت المنفذ للمشروع لم يكن حاضرا ليرد على كل تلك الاتهامات التي وجُهت له بأن السائلة تسببت في نضوب المياه الجوفية، وكان لزاما علينا عمل متابعة للمادة لتتضح الرؤية للقارئ وللرأي العام على السواء، فتوجهت «لا» إلى المكتب الرئيسي لمديري المشروع، فوجدته مغلقا لأسباب مادية، وعند البحث والتحري وجدنا أن ذلك المشروع الكبير والضخم يدار من كشك مؤقت وصغير على ضفاف السائلة، في حركة لا تهدأ ولا تعلم عن ذلك الضجيج الذي يدور بعيدا عنهم، لأننا وجدنا المهندسين مستمرين في عملهم حتى كتابة هذه السطور، لا يبالون بالأمطار ولا تقلبات الجو، ناهيك عن الظروف الصعبة التي يمر بها البلد وتوقف العديد من المشاريع الخدمية. كل تلك الجهود وجدتها «لا» أثناء زيارتها الميدانية للموقع واطلاعها على تفاصيل ما يدار، وما هي الأسباب العلمية المقنعة لذلك، فالتقت المهندس عارف طاهر الشجاع المدير الفني لمشروع السائلة، والذي أوضح الكثير ووضع النقاط على الحروف في سياق الحديث التالي.

حماية المدينة من أضرار وكوارث السيول
المهندس عارف الشجاع يدير هذا المشروع ومجموعة من المهندسين اليمنيين منذُ 16 عاما، وتحديداً منذ عام 2004 كمدير فني لمشروع السائلة، ومنذ 2001 كمدير إدارة الدراسات... أثناء وصولنا لموقع إدارة المشروع أطلعنا على الكثير من الجهود الملموسة، وطفنا على كل ما تم إنجازه، فحتى المناطق الزراعية الواقعة بالقرب من ضفاف السائلة كبني الحارث والروضة، تم عمل أماكن مخصصة للمزارعين ليقوموا بري مزارعهم مباشرة من مياه السائلة. وقبل أن نطرح بعض التساؤلات التي كانت نتيجة ما تم تناوله سابقا، قال الشجاع: عندما نتحدث عن مشروع سائلة صنعاء فنحن نستمد قوة وأهمية هذا المشروع من قيمة ومكانة جوهرة اليمن، مدينة صنعاء بقديمها وحديثها، هذا المشروع الذي وجد ليبقى حيث فتح للعالم نافذة عظيمة للمرور عبر مدينة صنعاء القديمة، كان هدفه الأول هو حماية مدينة صنعاء التاريخية من أضرار وكوارث السيول، لأنها مدينة تعد تراثا عالميا تملكه البشرية بأسرها، ولكن المفاجأة أن ذلك الانسجام والتكامل العجيب يكمن في أن هذا المشروع الحضري العظيم أصبح يحكي عمق هذه المدينة.

اقتلاع الحالة البيئية المزرية
 ويضيف الشجاع أن هذا المشروع اقتلع الحالة المزرية لصنعاء مروريا وحضريا وبيئياً، وعلى كل الأصعدة، لينقل المدينة من حالة التشويه، ويمسح غبار العناء عن وجهها، ويحقق عودة صنعاء إلى وقار وبهجة المدن. ويرى أنه لا يتسع المجال لوصف القيمة العالية لهذا المشروع والتحفة الهندسية اليمنية، ليمثل أهم مشاريع الحفاظ والتنمية الحضرية والحفاظ على البيئة وحياة الناس وممتلكاتهم، فكل الآبار المتواجدة على المقاطعة المحاذية للسائلة هي آبار يدوية أعماقها محدودة تصنف على أنها آبار سطحية، وجميعها ملكيات خاصة للاستخدام الشخصي باستخدام وسائل رفع المياه التقليدية (الحبل والدلو)، وهي محدودة المخزون وتتغذى من خلال آلية علمية عبر الأراضي والأودية والمساحات المحيطة بها على أبعاد شاسعة عندما تم تركيب آلات الرفع الكهربائية الحديثة لهذه الآبار، وازداد الاستخدام ليصبح الموضوع تجارياً، فنضبت هذه الآبار، وهذا شيء طبيعي.

أكثر العواصم نمواً
  يرى الكثير من الناس أن مشروع السائلة كمشروع عملاق وتحفة هندسية معمارية رائعة، وتعتبره الحكومات المتعاقبة من أبرز إنجازاتها، إلا أن هناك أصواتاً تتعالى بأنه بات يؤثر على تغذية الآبار الجوفية في صنعاء القديمة... كيف توضحون للرأي العام ذلك باعتباركم الجهة التي تدير المشروع؟
للعلم أن النمو الحضري يؤثر بشكل عام على تغذية الآبار السطحية والجوفية، حيث تعتبر العاصمة صنعاء من أعلى العواصم العالمية نموا سكانيا وحضريا بمعدل نمو يصل 7٪ مما تسبب في نقص في تغذية الآبار السطحية في جميع المناطق الحضرية الواقعة ضمن حوض صنعاء، وبالتالي فإن هذه المشكلة لا تمثل منطقة صنعاء القديمة فحسب، حيث إن تنفيذ مشروع وادي السائلة الرئيسي ضمن مشاريع الحماية من كوارث السيول كجزء من الإدارة المتكاملة والرشيدة للمياه، حيث أصبح أحد مشاريع البنى التحتية الاستراتيجية، والذي كان له دور أساسي في حماية مدينة صنعاء القديمة من كوارث السيول، والتي تمثل التحدي الأكبر لهذه المدينة التاريخيــــــة والمصنفة ضمن الموروث الثقافي العالمـــــــي، وعليه فإننا نؤكد أن مشكلة نقص منسوب المياه في الآبار السطحية في صنعاء القديمة كغيرها في جميع الآبار المتواجدة في المنطقــــــة الحضريــــــــة المتوزعة فــــي حوض صنعاء نتيجة النمو الحضري الكبير والعشوائي في بعض الحالات.

استنزاف عالٍ للمياه
 مما طرح في تقريرنا الذي تناولناه في العدد (422) أن الدراسة التي قام بها المجلس المحلي بصنعاء القديمة أكدت أن منسوب الماء كان قريبا من سطح الأرض بأمتار قليلة، وخلال 4 عقود تدهور وأصبح 57 مترا عام 2007، وكان 44 مترا عام 2002... إلخ... ما ردكم العلمي حول ذلك؟
إن مشكلة انخفاض منسوب المياه في الحوض الجوفي أو السطحي بمدينة صنعاء بشكل خاص وباقي مدن اليمن بشكل عام، ليست وليدة اللحظة، حيث تشير العديد من التقارير والدراسات والأبحاث المعدة منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلى أن العاصمة صنعاء ستكون أولى عواصم العالم عرضة لجفاف مصادرها المائية، وذلك للاستنزاف العالي للمياه الذي يقدر بحوالي 280 مليون متر مكعب سنويا، وبعجز 180 مليون متر مكعب سنوياً، والذي جاء نتيجة مجموعة من التغيرات التكنولوجية والاجتماعية والمؤسسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة، وعلى سبيل المثال: أدى دخول المضخات إلى اليمن إلى توسع رقعة انتشار الآبار الارتوازية داخل حوض صنعاء بشكل عشوائي وغير منظم، حيث بلغ عددها 13,500 بئر، بحسب إحصائيات الهيئة العامة للموارد المائية، إضافة إلى المعدل العالي للنمو السكاني والحضري، حيث تعتبر العاصمة صنعاء من أعلى العواصم العالمية نموا سكانيا وحضريا، وتوسع رقعة زراعة شجرة القات التي يذهب لها النصيب الأكبر من مياه حوض صنعاء المستخدمة في الزراعة، والتي تمثل 85٪ من المياه المستخدمة سنويا، بالإضافة إلى عدم استخدام الوسائل الحديثة في الري بالتقطير والرش.

المسؤولية مشتركة
 من ضمن الشكاوى التي ذكرت أن رصف السائلة والمدينة القديمة بالحجر قلّل من التغذية المباشرة للحوض المائي الضحل، وضاعف معدل الانخفاض... من وجهة نظركم ما هي البدائل التي تقترحونها إن كان ذلك فعلا له تأثيرات؟
 هناك العديد من الحلول والبدائل لمعالجة هذه المشكلة لجميع الآبار المنتشرة ضمن المنطقة الحضرية في حوض صنعاء، حيث بإمكانكم الرجوع إلى الجهات ذات الاختصاص كمشروع إدارة مياه حوض صنعاء والهيئة العامة للموارد المائية ووزارة المياه والبيئة ووزارة الزراعة والري، كون هذه المشكلة تمثل تحدياً للبلد بأكمله. وعلى سبيل المثال هناك مقترح بتحويل المساحات المحاذية للسائلة مثل بستان العمري وعنقاد والهبل، إلى أحواض لحجز مياه الأمطار وتحويل مجرى السائلة إليها، مع عمل دراسة جيولوجية واجتماعية واقتصادية وبيئية للفكرة وعبر الجهات المعنية وإشراك الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية ومنظمة اليونسكو.
 من خلال نزولنا الميداني واطلاعنا عن قُرب وجدنا جهودا جبارة تقف خلف مشروع السائلة الضخم... هل هناك تنسيق بينكم وبين الجهات الأخرى، أو أن هناك خطة مستقبلية للتنسيق؟
نعم هناك تنسيق مع الجهات ذات العلاقة.. كوزارة المياه والبيئة، مشروع حوض صنعاء، الهيئة العامة للموارد المائية، ووزارة الزراعة والري.

أحواض حصاد لتغذية الآبار
 رغم أن المشروع لازال جاريا إلا أننا عند مرورنا بالمناطق الزراعية وجدنا مراعاة لظروف المزارعين وفتح قنوات خاصة لتغذية مزارعهم مباشرة... فلماذا لا تسلطون الضوء على ذلك إعلاميا لإطلاع الرأي العام على حرصكم على المصلحة العامة؟
بالتأكيد فإن إنشاء أحواض حصاد مياه الأمطار وكذا عمل غرف شفط المياه إلى المساحات الزراعية من ضمن أولوياتنا في جميع مشاريعنا التي نفذت والمشاريع المستقبلية في حال توفر المساحات وقدرة الدولة على استكمالها، مع مراعاة الآثار البيئية السلبية التي قد تؤثر على سكان المناطق المجاورة، حيث إننا قد قمنا بتنفيذ العديد من أحواض الحصاد، على سبيل المثال لا الحصر تم تنفيذ "حوض الكلية الحربية" الذي يساعد في تغذية الآبار في منطقة الروضة وشمالها.

مشاريع تصريف مياه الأمطار
 كم تقدرون النسبة المتبقية لإكمال هذا المشروع الكبير؟
تم تنفيذ أعمال الحماية ضمن الوادي الرئيسي الذي يمتد من شارع الخمسين جنوبا وحتى مطار صنعاء، وبطول إجمالي 31 كيلومتراً، بما يعادل 90٪ ولم يتبق سوى 3 كيلومترات. وللعلم فإن مهام مشروع السائلة لا تقتصر على تنفيذ أعمال الحماية في الوادي الرئيسي، بل تشمل جميع مشاريع تصريف مياه الأمطار في أمانة العاصمة، وقد قمنا بتنفيذ ما يقارب 50 كيلومتراً من القنوات الخرسانية والحجرية والأنابيب في مختلف مديريات أمانة العاصمة ضمن المستثمرين بالقطاع الخاص بتصريف مياه الأمطار والحصاد، إلا أن توقف التمويل الحكومي منذ عام 2009 مثل العائق الرئيسي لاستكمال تنفيذ المشاريع المتبقية ضمن الخطة.

حديقة وادي السائلة
 من خلال اطلاعنا وجدنا أن لديكم مشاريع أخرى ذات أهمية مصاحبة للمشروع كحديقة وادي السائلة التي يجري العمل على تجهيزها... هلا تعطون القارئ فكرة عن ذلك؟
يعتبر مشروع السائلة من أهم مشاريع التنمية الحضرية الشاملة في اليمن، بالإضافة لدوره الأساسي في حماية المدينة من كوارث السيول، فقد أسهم بشكل مباشر في تحسين التنظيم العمراني والمنظر الجمالي لمدينة صنعاء، وكذا تحسين الوضع البيئي للمدينة من خلال إنشاء المتنزهات والمسطحات الخضراء، وتأمين شبكة طرق داخلية من خلال أعمال السفلتة والإنارة واللوحات الإرشادية والتعريفية، وكذا ترقيم جسور المشاة. وتعتبر حديقة وادي السائلة المرحلة الأولى في المنطقة الشمالية في مديرية بني الحارث، والتي تبلغ مساحتها 80 ألف متر مربع، والجاري تنفيذها حاليا، من أهم الحدائق العامة في أمانة العاصمة.

عظمة إنجاز المهندس اليمني
 ما الرسالة التي توجهونها لمن لم يلموا بقيمة المشروع المستقبلية.. كجهة منفذة لهذا المشروع العملاق؟
اليمن من ضمن الدول الأكثر فقرا بالموارد المائية، ومشكلة المياه هي أحد تحديات مدينة صنعاء، ولن نحل هذه المشكلة بإعادة اقتلاع أحجار السائلة، بل بالعكس ستتسبب بكارثة بيئية وتدمر المدينة، نحن نقوم بتنفيذ أية أفكار ومقترحات نراها عملية على طول المشروع، وفي المناطق الواسعة والمتاحة، وتحويل مجرى السائلة إلى أحواض الاستخدامات الزراعية المباشرة، حيث يمكن ابتكار الحلول العلمية والعملية لمساعدة مالكي الأراضي والمزارع المحاذية للمشروع من خلال عمل قنوات ومناطق خاصة لسحب المياه من المشروع للري المباشر للمزارع، ولدينا الكثير من الدراسات والخطط والأفكار بحاجة لتوفير المواقع المناسبة واستكمالها وحل مشكلة ملكياتها وتوفير المخصصات اللازمة للتنفيذ وقبول الأفكار العلمية والعملية، لأن صنعاء بيتنا الكبير، ونشارك الناس اهتمامهم وهمومهم بقدر ما يتوفر لدينا من إمكانيات.
عندما نريد أن نغذي حوض مياه صنعاء لدينا مساحة أكثر من 300 كيلومتر مربع لحوض صنعاء في مناطق خارج المدينة في مصبات الأودية، حيث السيول لازالت نظيفة ولم تتلوث من خلال جريانها بالمناطق الحضرية، حيث إن العبث الآدمي بمجاري السيول التي تأتي من سنحان وخولان وأكثر من 20 وادياً إلى مدينة صنعاء، وهناك العديد من الجهات المعنية بهذه المشاريع، ولديهم العلوم والمعرفة لعمل السدود والحواجز وتنظيم التدفق واحتجاز المياه سواء الجوفية. للري أو للحقن وتغذية المياه. من يمتلك القدرة على قول الحقيقة بدون تحيز وبمصداقية، فليقل الحقيقة بعد زيارة مشروع السائلة حتى آخر منطقة عمل، ويطلع على عظمة إنجاز وقدرة المهندس اليمني المخلص في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن، ونحن على ثقة أننا نقوم بصياغة لوحة فنية حضرية جميلة لمدينة صنعاء تشرِّف كل أبنائها، وترسم ملامح الإعجاب والدهشة لزوارها.