مارس الحسام / لا ميديا -

بصمة تهامية في المجتمع المضيف
لجأ بعض النازحين، ومن أجل توفير لقمة العيش، إلى القيام بأعمال حرة (مهن) يشتهر بها المجتمع التهامي، ويجهلها المجتمع المضيف، فمنهم من يعمل في بيع المأكولات المشهورة في محافظة الحديدة كـ»المخلوطة والباجية»، ومنهم من يمتهن حرفة استخراج زيت الصبار الذي يستخدم كمستحضر تجميلي وعلاجي.

المخلوطة
إحدى الأكلات التهامية التي انتقلت إلى صنعاء مع النازحين القادمين من محافظة الحديدة، ما تسمى «المخلوطة»، وهي عبارة عن أقراص متوسطة الحجم مكوّنة من الدقيق، والماء، والملح، والبهارات، والبطاطا المقلية (الشبس)، والكراث، حيث تعجن الخلطة وتوضع لساعات حتى تبدأ بالتخمّر، ثم تقلى على الزيت، وتؤكل على الفلفل الهندي والبسباس ومعجون الطماطم وبعض المقبلات ذات المكونات التي لا يجب البوح بها حفاظا على أسرار المهنة، كما يقول أحد بائعي المخلوطة.

مخلوطة الزمن الجميل
في مدخل سوق مذبح يتناوب أحد النازحين مع اثنين من أولاده على تحضير المخلوطة التي لاقت استحسان المواطنين في صنعاء، حسب كلام الأب.
ويضيف: غالبية السكان في صنعاء لم يكونوا يعرفون المخلوطة من قبل، باستثناء من سبق لهم زيارة المناطق التهامية، أو ممن عاشوا فيها بعض سنوات من أعمارهم، وحاليا حين يشاهدون المخلوطة تعود بهم الذاكرة إلى الوراء، وهناك من ينبسط لمشاهدة المخلوطة، كأنه غير مصدق، فهذا يقول «أوه مخلوطة»، ومن ثم يتذكر السنوات التي عاشها في الحديدة، وذلك يقول إن المخلوطة تذكره بأيام الطفولة التي عاشها في الحديدة، وثالث يستعيد شريط ذكرياته في أزقة وشوارع الحديدة، ويسألني عن فلان وفلان، وأنا أجيب عليه.

هدية الحديدة لصنعاء
«المخلوطة هدية من نازحي الحديدة لأهل صنعاء، وذلك لكونها أكلة لذيذة لم يكن يعرفها سكان صنعاء من قبل»، هذا ما قاله أحد طلاب مدرسة الكويت عن المخلوطة والتي أكد أنها وجبة الإفطار المفضلة لديه، ولا يمل من تناولها يوميا خلال فترة الراحة.
ويضيف: «اللذة لا تقتصر على عجينة المخلوطة المقلية بالزيت فقط، فهناك طعم خرافي في تلك المقبلات الخاصة بها، والتي يتم تناولها مع المخلوطة، ويبدع النازح التهامي في تحضيرها».
وتابع قائلا: «بائع المخلوطة يقدم لنا 5 أنواع من المقبلات اللذيذة لتناولها مع المخلوطة، وهذه المقبلات لم أشاهدها قط في حياتي، لأننا لانعرف إلا نوعاً واحداً من السحاوق (طماطم مع بسباس)، لكن هذه المقبلات تختلف تماما عن السحاوق الذي نعرفه، وحاليا أمامي 5 أوان، وكل إناء يحتوي على نوع مختلف من المقبلات، التي لا أعرف ما هي مكوناتها ولا أسماؤها، وكل نوع يختلف عن الآخر من حيث المحتوى والشكل والطعم، ولأن كل نوع ألذ من الآخر، فلا د أن أغمس قطعة المخلوطة (اللقمة) قبل تناولها كل مرة في إناء مختلف، ومن ثم أعيد الكرة مرة أخرى».

جربها مرة تعد كل مرة
على مقربة من بوابة مدرسة عبدالناصر للمتفوقين، وبمحاذاة سورها يقوم عبدالله علي موسى مع 3 مساعدين له بإعداد المخلوطة التي يتزاحم الطلاب على شرائها منه بسعر يناسب مستوياتهم المادية.
يقول عبدالله: «المخلوطة أكلة جديدة بالنسبة لسكان صنعاء، وفي البداية لم يكن هناك إقبال على شرائها باعتبارها أكلة غريبة، وشكلها لا يشجع على شرائها، والشخص حين يشاهدها لأول مرة غالبا لا يعجبه شكلها الذي لا يوحي بأنها لذيذة، ولكن حين يجربها أول مرة ويدهش بالطعم يعود كل مرة لشرائها، وكثيرون كانوا يستغربون من هذا الشكل الغريب، وكنا ندعوهم للتجربة مجانا أو نشترط عليهم أن نرد لهم فلوسهم إذا لم تعجبهم، وأغلب من كنا ندعوهم للتجربة صاروا زبائن دائمين لدينا».

أسرار المهنة
ويؤكد عبدالله موسى أنه على استعداد تام لتعليم أي شخص طريقة تحضير المخلوطة، ودائما ما يقوم بذلك، أما في ما يخص طريقة تحضير المقبلات الممزوجة بالفلافل والتوابل والبهارات المختلفة، فهو ما لا يجب البوح به باعتباره سراً من أسرار المهنة، والتي يخفيها عبدالله منذ سنوات تسبق نزوحه إلى صنعاء.
ويضيف: «قبل نزوحي إلى صنعاء كنت أعمل، ومنذ سنوات، في بيع المخلوطة في مدينة الحديدة، وكنت أتنافس هناك مع بائعي المخلوطة الآخرين على تحضير هذه المقبلات، وكل بائع مخلوطة لديه طريقته الخاصة لتحضير هذه المقبلات، ولكل منا طريقته ولمسته الخاصة وأسراره».
وحين سألناه عما إذا كان السر يكمن في المكونات أم في طريقة التحضير، رد قائلا: «المكونات الأساسية معروفة عند كل بائعي المخلوطة، ولكن أسرار المهنة تكمن في كمية المقادير وتوقيت إضافتها أثناء عملية التحضير، والأسرار أيضاً في المكونات الثانوية لتحسين المذاق، ونحن ابتكرنا خلطات جيدة، ولن تجدها عند بائعي المخلوطة الآخرين، ويجب أن نحتفظ بأسرارها حتى لا نخسر المنافسة».

أغلب زبائني من النساء وللمرضي بسعر زهيد
في منتصف شارع هائل يفترش سعيد محمد علي، الأرض دون ساتر من حرارة الشمس اللافحة، باستثناء ظل يسير توفره له مظلات البسطات المجاورة له، يمارس مهنة استخراج زيت الصبار وتعبئته في قوارير زجاجية، ومن ثم عرضه للبيع، عسى أن يحصل على ما تيسر من مال لمواجهة الظروف المعيشية في صنعاء.
يقول سعيد: «استخراج زيت الصبار واستخدامه سواء للتجميل أو كعلاج، هو أمر شائع في محافظة الحديدة، ولكن بشكل بسيط ومحدود، ويقتصر على البيوت بغرض الاستخدام الشخصي، وليس للبيع والمتاجرة به، لكن عندما نزحنا إلى صنعاء فقدنا أعمالنا ومصادر رزقنا، وبسبب الظروف التي أواجهها كغيري من النازحين، اتخذتها مهنة أقتات منها».

الصبار الحلو
ويضيف: «الغريب أن غالبية السكان هنا يعرفون الصبار المر، ولا يعرفون هذا النوع من الصبار الذي نسميه نحن الصبار الحلو، الذي إلى جانب استخداماته التجميلية، له استخدامات علاجية ومذاقه مقبول في حال تناوله بعكس الصبار المر».
ويتابع: «هذا النوع نقوم بإحضاره من محافظة الحديدة وبعض مديريات الحديدة المحاذية لمحافظة ريمة، وهو يعد نوعاً من الطب البديل، والحمد لله، صرت أكسب من هذه المهنة عيشي، وهناك إقبال لا بأس به، والزبائن من مختلف الفئات العمرية، وخصوصا النساء بغرض الاستخدامات التجميلية للبشرة والشعر، كما أن هناك استخدامات طبية للصبار الحلو كعلاج للمعدة والقولون والسكري والصدمات الكهربائية وكثير من الأمراض، وللاستخدام الطبي نساعد كثيراً من المرضى، ونبيعه لهم بسعر زهيد، أي تقريباً شبه مجاني، بل إننا أحيانا إذا كان المريض لا يملك الفلوس نعطيه بالمجان كفعل خير، ولكن في الاستخدام التجميلي للشعر والبشرة نبيعه بسعره».