سنام وكيل - موقع "فورين أفيرز" الأمريكي
في الأول من ديسمبر، تسلمت السعودية رسمياً رئاسة مجموعة الدول الـ20. عادة ما تكون مهمة قيادة هذا المنتدى الاقتصادي الدولي رفيع المستوى، التي تتم بالتناوب سنويا بين الدول الأعضاء، مسألة ذات طبيعة رسمية أكثر من كونها جوهرية. لكن بالنسبة للسعودية - العضو العربي الوحيد في المجموعة - فإن المخاطر كبيرة.
الرياض تتولى الرئاسة في وقت يتسم بالغموض، وتعرضت فيه صورة المملكة للتشويه بعد سلسلة من الأزمات المحلية والدولية، من التدخل العسكري الكارثي في اليمن، إلى الضغوط على دولة قطر، إلى مقتل الصحفي جمال خاشقجي العام الماضي، فيما عانت سمعة الحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان، وشرعيته في الداخل والخارج، نتيجة لذلك، ولم يصل المال الأجنبي الذي تحتاجه المملكة لتطوير اقتصادها القائم على موارد النفط.
في محاولة لتصحيح صورتها مع اقتراب اجتماع مجموعة الـ20 في الرياض، في شهر نوفمبر من العام المقبل، يبدو أن هناك إشارات إلى هذا التحول، فلأول مرة منذ سنوات بدت الرياض منفتحة على إمكانية التوصل إلى تسوية سلمية في اليمن والمصالحة مع قطر، وهما الخطوتان اللتان ستعيدان تشكيل المشهد السياسي للخليج بشكل كبير، واللتان كانتا تبدوان غير واردتين حتى وقت قريب. ومع أن حل النزاعين ليس بتلك السهولة، فحلهما يحتاج إلى التزام طويل الأمد، لكن تحركات الرياض التصالحية تبشر بالخير بالنسبة للمنطقة.
خطوة إلى الأمام وخطوتان إلى الوراء
تعد السنة المقبلة مهمة بشكل خاص بالنسبة لمحمد بن سلمان، الذي سيخلف والده على عرش المملكة، ومنذ تولي والده الحكم عام 2015، وتعيينه وليا للعهد في يونيو 2017، عزز محمد بن سلمان سلطته بطريقة لم تحصل لأحد من قبله، وقام بتهميش خصومه المحتملين في العائلة المالكة، الأمراء الذين يشكلون تهديدا عليه، وقام بطريقة تدريجية ـ وفي كثير من الأحيان بشكل غير مباشر ـ باستبدال القيادة القديمة من الوزراء والتكنوقراط الذين خدموا لفترة طويلة بكوادر شابة موالية له، ففي أواخر عام 2017، أمر بحملة مكافحة فساد احتجز فيها العديد من الأمراء ورجال الأعمال البارزين في البلاد - كانوا محتجزين في فندق ريتز كارلتون في الرياض - ما ترك آثاره الاهتزازية داخل قطاع رجال الأعمال في المملكة، وقام بمركزة السلطة من خلال هيئة سياسية وأخرى اقتصادية.
ابن سلمان بدأ سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، فعبر سلطته الجديدة بدأ محاولات فطم المملكة عن النفط وتخفيض البطالة، وهو ما عرف برؤية 2030، التي يقصد منها تشجيع القطاع الخاص وبناء السياحة وتطوير المهارات، وكان قد وضع أسهم 1.5% من شركة "أرامكو" في السوق المالية، وهو الاكتتاب الأول في تاريخها، من أجل نقل ريع البيع إلى هيئة الاستثمارات العامة للإنفاق على تنفيذ رؤية 2030.
كما صور محمد بن سلمان نفسه بأنه مدافع عن الشباب في بلد تعد فيه نسبة الشباب تحت سن الـ30 الغالبية، فقام بسلسلة من الإصلاحات التي سمحت للمرأة بقيادة السيارة والسفر والعمل دون إذن وموافقة ولي الأمر.
كما سمحت اللوائح المخففة للصناعات الترفيهية المحلية بالظهور في الرياض وجدة، حيث لم تكن الحفلات الموسيقية والفعاليات الرياضية والترفيهية شائعة، وكانت النتيجة تحولا اجتماعيا يمكن رؤيته بسهولة في المراكز الحضرية في جميع أنحاء المملكة. ولم تجد التغيرات سوى معارضة قليلة من السلطة الدينية القوية التي حد من سلطاتها، بالإضافة إلى أنه اعتقل عددا من رجال الدين البارزين.
لكن رغم ما في هذه الخطوات من إيجابية، إلا أنها أرفقت بسياسات قمعية مثيرة للجدل، طالت دعاة حقوق الإنسان والناشطين والناشطات، فقبل رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارة قامت السلطات في مايو 2018 باعتقال ناشطات في مجال حقوق المرأة دافعن عن حق المرأة بقيادة السيارة، مثل لجين الهذلول وعزيزة اليوسف وإيمان النجفان وهاتون الفاسي (اتهمهن المدعي العام السعودي في ما بعد بتهديد الأمن القومي للبلاد بالتآمر مع دولة معادية، يُفترض على نطاق واسع أنها قطر).
وعندما طالبت كندا بإطلاق سراح الناشطات، فإن السعودية قررت قطع العلاقات مع أوتاوا، ولو لم تكن هذه الخطوة دليلا على عدم تخلي الرياض عن أسلوبها القمعي، فإن قتل وتقطيع جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية بإسطنبول، كان دليلا واضحا على أنها لم تتخل عن أساليبها.
هناك سلسلة من أخطاء وكـــــــــوارث السياسة الخارجية الأخيرة أثرت على سمعة السعودية الدولية، منها الاعتقــــــــــال المحــــــــرج والاستقالة القسرية لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، في رحلة إلى السعودية، في أواخر عام 2017، هذه الحادثة لم تؤدّ إلى نتائج عكسية فقط (وقفت النخبة اللبنانية العامة والسياسية إلى جانب الحريري الذي أعيد على الفور إلى وطنه)، بل كشفت عن محدودية الدور السعودي في تشكيل السياسة المحلية في منطقة الشرق الأوسط، كما أثارت الكارثة الإنسانية الناجمة عن التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن، إدانة وشجب دولي، وكذلك الحصار المستمر منذ عامين على قطر بقيادة السعودية، جنباً إلى جنب مع الإمارات.
كانت انتقادات الكونغرس الأمريكي، على وجه الخصوص، حادة بشكل غير عادي، حيث شكك العديد من المشرعين الأمريكيين في سياسات وقيادة ابن سلمان، داعين لإعادة النظر في العلاقة مع السعودية، وأثر هذا بشكل غير مباشر على الوضع الاقتصادي، حيث ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة من 1.4 مليار دولار عام 2017 إلى 3.2 مليار دولار عام 2018، لكن هذا الرقم أقل بكثير من ذروته في 2008، البالغة 3.9 مليار دولار، وفقا لتقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأمم المتحدة.
انهيار أسعار النفط، إلى جانب التكلفة الباهظة للحرب في اليمن -ما يقدر بنحو 5 إلى 6 مليارات دولار شهرياً- فاقما مشكلات المملكة المالية، بالإضافة إلى الهجمات التي دعمتها إيران ضد المنشآت النفطية في السعودية، في سبتمبر 2019، كشفت الضعف في صناعة النفط، وبالتالي انخفاض قيمة "أرامكو".
انفراج جديد للخليج
تبدو السعودية حريصة على تجنب المزيد من الأخطاء، خصوصاً في الخارج. في اليمن، بدأت المملكة تبحث عن مخرج، بعد أن أدركت أن تدخلها الذي كان يهدف في الأصل إلى احتواء الحوثيين الذين ترعاهم إيران، قد عزز فقط اعتماد المتمردين على طهران. ففي نوفمبر، أسهمت السعودية في التوصل إلى اتفاق لوقف الاقتتال بين الفصائل المتناحــــرة المناهضــــــة للحوثيين، وهو نقطــة انطلاق محتملة لاتفاقية سلام أوسع لإنهاء الصراع. كما تجري الرياض محادثات مباشرة مـــــع الحوثيين، وفي نوفمبر، سافر خالد بن سلمان، شقيق محمد بن سلمان، إلى عُمان، التي عملت منذ فترة طويلة كممثل للقناة الخلفية للحوثيين. كل هذا يشير إلى أن الرياض جادة في إيجاد مخرج للنزاع والخروج من اليمن، شريطة أن تنهي اعتماد الحوثيين على إيران وقطر، الذين يزعم السعوديون أنهم زرعوا المتمردين كقوة بالوكالة.
وبالمثل، فإن ذوبان الجليد مع قطر لم يعد غير وارد. ففي يوليو 2017، قطعت السعودية، إلى جانب البحرين ومصر والإمارات واليمن، فجأة العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وطالبتها بقطع علاقتها مع إيران، وإغلاق قناة "الجزيرة"، من بين عدة مطالب أخرى. ومع ذلك، أثبت الحصار أنه فشل آخر في السياسة الخارجية السعودية. فبعد عامين ونصف، يبدو أن قطر تغلبت على الحصار، ولم تعد مستعدة لتقديم تنازلات. وفي الوقت نفسه، أدى الخلاف إلى إحداث صدع في مجلس التعاون الخليجي، وهو المنظمة السياسية والاقتصادية لدول الخليج العربية التي تم إنشاؤها عام 1981، كحصن ضد إيران. ومؤخراً بدأت الرياض تصدر أصواتا توفيقية. والنتيجة، على المدى المتوسطR03;R03;، اتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، على غرار ما اتفق عليه المجلس عام 2014، بعد نزاع مماثل بين قطر وجيرانها.
مهما كانت الخطوات التي تقوم بها السعودية، فإن وقف النزاع ليس سهلا، فلا يوجد اتفاق واحد يوفر حلاً سريعاً للتوترات في المنطقة، وبالتالي فإن السعودية بحاجة لتحقيق سلام بين الأطراف المتنازعة في يمن ما بعد الحرب، وعليها الاستثمار بشكل واسع في جهود إعادة الإعمار من أجل الحد من تجنيد وتعبئة قوة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة والدولة الإسلامية (داعش)، التي اكتسبت بالفعل موطئ قدم في البلاد. وبالمثل، فإن الوقت وتدابير الثقة هما وحدهما الكفيلان اللذان سيعيدان بناء الثقة بين السعودية وقطر والإمارات.
على الجبهة الداخلية، فإن عمليات القمع المستمرة للصحفيين والناشطين لا تدعو إلى التفاؤل، وربما حققت رؤية 2030 منافع اقتصادية، لكن الحريات السياسية والفردية ليست مطروحة على طاولة النقاش، ومن هنا فقد تكون رئاسة السعودية لمجموعة الـ20 مفتاحا لتعيد تشكيل صورتها وتحسينها.
* باحثة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "تشاتام هاوس" في لندن.
"عربي21" 13 ديسمبر 2019
المصدر موقع ( لا ) الإخباري