مروان أنعم / #لا_ميديا -

الدمى المتحركة في حكومة العميل هادي، العاجزون عن فتح أفواههم ولو بكلمة أمام كل ما يتعرض له المسافرون المغادرون لأراضي البلاد باتجاه السعودية، من انتهاكات مخزية ومؤلمة في حق اليمنيين، خاصة الحجيج منهم والمعتمرين والعاملين المغادرين لطلب لقمة العيش، تلك الدمى تثبت باليقين القاطع أن الكرامة والسيادة والحرية تنتزع وتؤخذ بقوة الرجال الحاملة للبندقية الصادقة مع قضايا شعبها، وأن لا سبيل للتخلص من هكذا امتهان وإذلال إلا من خلال إعادة تعريف العلاقات اليمنية السعودية، فالصورة النمطية التي قدمتها الحكومات السابقة من تبعية مخزية للسعودية، لم تعد ممكنة وقابلة للحياة في يمن 21 أيلول/سبتمبر.
ومع إعلان مملكة الشر حربها العدوانية على اليمن، كآخر الوسائل الممكنة لإرضاخ المجتمع اليمني لرغباتها، وكجزء من عمليات الحرب الاقتصادية والنفسية والاجتماعية لليمنيين، قامت بإغلاق كل المنافذ البرية، وأصبح ميناء الوديعة غير الرئيسي (الثانوي) هو المنفذ البري الوحيد لليمن مع السعودية.

منفذ مرور إجباري
في 2003 تم افتتاح معبر الوديعة الحدودي بناء على اتفاق ترسيم الحدود المشؤوم بين الدولتين عام 2000.
يبعد معبر الوديعة التابع إدارياً لمحافظة حضرموت، عن العاصمة صنعاء، ما يقارب 500 كيلومتر، ولا يعتمد عليه كثيراً مقارنة بميناء الطوال البري الرئيسي بمحافظة حجة أو ميناءي علب والبقع في صعدة.
معبر الوديعة الذي لا يرقى إلى تسمية ميناء، يصنف حسب الحكومات اليمنية المتعاقبة كميناء ثانوي من الدرجة (ب)، ومع الحرب العدوانية تحول المنفذ المهمل والبعيد عن المدن الرئيسية والتجمعات السكانية والقابع في القرب من صحراء الربع الخالي، إلى منفذ بري وحيد تمر من خلاله كل الحركة التجارية وتنقلات المسافرين المغادرين للأراضي اليمنية لأداء مناسك الحج أو العمرة، إضافة إلى تحركات المغتربين اليمنيين العاملين في السعودية أو دول خليجية أخرى.
لا يمتلك المنفذ نظاماً إلكترونياً إحصائياً دقيقاً، إضافة إلى عدم وجود مسارات لمرور الشاحنات التجارية وآخر للمسافرين وباصات النقل الجماعي، بالإضافة إلى عدم توفر أرصفة لنقل وتخزين البضائع مؤقتاً، كل ذلك جعل العبور من المنفذ جحيماً وهماً يؤرق كل الراغبين في السفر عبره.

وعود لتسويق الوهم 
لا تقتصر معاناة اليمنيين المغادرين والوافدين عبر منفذ الوديعة، على ضعف الخدمات وترديها فقط، بل أيضاً التكدس والازدحام الكبيرين على أبواب المنفذ الذي لا يتمتع بالبنية التحتية اللازمة لاستيعاب حركة التنقل بين البلدين.
حكومة العميل هادي كانت صرحت مراراً وتكراراً بأنها ستعمل على تحسين وتحديث قدرة المعبر واعتماده كمنفذ رئيس من الدرجة (أ) لحل مشكلات الازدحام الهائلة، خصوصاً في أوقات الذروة (مواسم الحج والعمرة)، إلا أن تلك التصريحات والوعود لم تكن سوى مجرد تسويق للوهم ولتخدير وامتصاص غضب مئات الآلاف من المسافرين عبر المعبر.

تهريب «أحمر»
يذكر أن هناك ممراً آخر عسكرياً غير المنفذ المدني والتجاري تعبر من خلاله الآليات العسكرية المشاركة في العدوان على اليمن، إضافة إلى بعض شاحنات الإغاثة، هذا الممر العسكري تحت سيطرة ما يسمى اللواء 141 التابع للعميل هاشم الأحمر.
وعلمت الصحيفة من مصادر خاصة أن المنفذ العسكري يتم استخدامه كممر للتهرب من رسوم الجمارك والضرائب عبر تمرير شاحنات تجارية تخص موالين للعميل هاشم الأحمر أو تربطهم به علاقات جيدة، في دلالة قاطعة على حجم الفساد الممارس في هذا المنفذ.

ابتزاز المسافرين
في إحصائيات رسمية للعام الجاري، فقد عبر من المنفذ في النصف الأول من هذا العام 442 ألف مسافر ومسافرة، وفي المقابل وفقا للإحصائيات الرسمية، فإن المنفذ حقق إيرادات للفترة من يناير حتى نهاية يونيو 2019م تصل إلى 22 ملياراً و818 مليوناً و222 ألف ريال يمني، مقارنة بالعام 2012، الذي بلغت فيه الإيرادات للفترة نفسها ملياراً و178 مليوناً و834 ألف ريال يمني.
إضافة إلى ذلك، فقد تحدثت عدد من المصادر لصحيفة «لا» بالقول بأن كل مسافر يمر من المنفذ يُجبر على دفع 1000 ريال يمني بشكل غير قانوني، وبدون سندات رسمية، وبالنظر إلى متوسط العدد اليومي البالغ 2455 مسافراً يمرون من المعبر، فإن إجمالي الجباية يصل قرابة 2.5 مليون ريال يومياً.
هذا الحجم المهول لإيرادات المعبر حالياً يكفي لإصلاح الطرق في كل محافظات الجمهورية اليمنية، إلا أن طريق العبر في حالة يرثى لها، حيث يفتقد أبسط أعمال الصيانة، وأودى بحياة عشرات المسافرين عليه، إضافة إلى انتشار عمليات التقطع والسرقات المتكررة على طول الطريق.

طريق الموت
عمليات التقطع المستمرة ونهب المسافرين في طريق العبر لا تكاد تتوقف، إضافة الى حجم الدمار الكبير في الطريق، والذي أودى بحياة عشرات المسافرين، وكانت قناة «wd» الألمانية أوردت في تقرير لها شهادات لمسافرين تعرضوا لعمليات تقطع أثناء سفرهم عبر طريق العبر، ومنهم أحمد الجابري، الذي قال إن 5 ملثمين كانوا بانتظاره على جانبي الطريق، وباشروا بإطلاق النار على السيارة التي يستقلها برفقة اثنين من أقاربه، ونهبوا كل ما بحوزتهم، خلال مرورهم بما بات يُعرف اليوم بـ»طريق الموت»، حيث المعاناة تبدأ بالمسافة البعيدة للمنفذ، ولا تنتهي عند عصابات قطاع الطرق والنهب أو الطوابير الطويلة على أبواب المعبر.
كان توقيت الحادثة هو السادسة والنصف صباحاً في الـ16 من يونيو 2019، وفقاً لما رواه الجابري، الذي كان عائداً إلى اليمن بعد أداء العمرة في مكة المكرمة، ومعه أحد أبناء عمومته وزوجته، قبل أن يصوب الملثمون الأسلحة مباشرة إلى رؤوسهم، ليتم نهب كل ممتلكاتهم من أموال بالعملتين اليمنية والسعودية، بالإضافة إلى نهب هواتفهم النقالة ووثائقهم الشخصية، قبل أن يخلوا سبيلهم دون أن يتركوا فلساً واحداً في جيوبهم.
ويقول: «لا أستطيع وصف شناعة الحادث، خصوصاً بوجود العائلة (نساء) معنا، إحساس لا يمكن وصفه، كنا نعتقد أنهم سيتخلصون منا بالقتل، خصوصاً أنهم باشروا بإطلاق النار على الأرض وتوجيه الأسلحة للرأس والصدر».
بعد مرور ما يزيد عن أسبوع، لايزال الجابري يتابع قضيته ومعه ابن عمه الذي كان يقيم في السعودية منذ 7 سنوات، والذي كشف أن الجهات الأمنية والعسكرية في محافظة مأرب، أبلغتهم عن ضبط عصابة مشتبه بتورطها في الحادثة، لكنه تأكد أنها لم تكن المسؤولة عن الهجوم عليه وعلى عائلته.

سوء خدمات وإهمال متعمد 
محمد محمود، أحد المسافرين عبر المنفذ، يقول لصحيفة «لا»: «المنفذ غارق في الظلام، وتتكدس النفايات في أرجائه، ولا توجد آلية لتنظيم العمل فيه، فالعشوائية هي السمة التي تحكم إدارة المنفذ، فمثلاً موظفي الجوازات يعملون في داخل حاويات نقل الشاحنات، ولا يوجد أي اهتمام بالمرافق والخدمات، وكل من يعبر المنفذ يكيل الشتائم لحكومة العميل هادي لتقصيرها في توفير أبسط الخدمات للمسافرين كالمرافق الصحية على سبيل المثال أو الفنادق والاستراحات».
ويضيف: في الجانب اليمني من المنفذ يمنح موظفو الجوازات تأشيرات خروج لكل من يرغب في مغادرة اليمن حتى لو لم يكن لديه إثبات بوجود تأشيرة عبور من السعودية، وذلك بسبب توقف سفارة وقنصلية السعودية في اليمن، يعبر المسافرون مسافة كيلومترين من المنفذ اليمني إلى الجانب الآخر، وفي المنفذ السعودي يتم التأكد من الأسماء إذا كانت مدرجة ضمن قوائم المسموح لهم بالدخول وفقاً لكشوفات الداخلية السعودية ممن يمتلكون إقامات مصرحاً بها أو ممن حصلوا على وعود من أقاربهم أو أصدقائهم باستقدامهم إلى السعودية، البعص منهم قد ينتظر لأيام حتى تصل تأشيرة الدخول، والبعض يعود أدراجه خائباً كون مصلحة الجوازات في السعودية لم تبلغ المنفذ بالسماح لهم بالحصول على تأشيرة العبور.

انتقام لعجزهم عن مواجهة رجال الرجال
في مايو من هذا العام، قامت السلطات السعودية في منفذ الوديعة برفض جوازات المئات من المسافرين بصورة استفزازية تحمل في طياتها مزاجاً متعالياً ومتعجرفاً من قبل أفراد وضباط سعوديين، وكانت حجتهم عدم وجود شعار الجمهورية اليمنية (الطير الجمهوري) على صورهم في الجواز، رغم أن العديد من المسافرين قد دخلوا بنفس تلك الجوازات إلى السعودية، إلَّا أن التعسف قد وصل مداه من الجانب السعودي. 
أحد المغادرين للأراضي السعودية، والذي كان قد حصل على تأشيرة نهائية للخروج، علق للصحيفة قائلاً إن الضربات الموجعة من قبل الجيش واللجان الشعبية للجيش السعودي وأفراده ولدت لديهم حالة من الحقد الممزوج بالفشل جراء العجز عن مواجهة مقاتلي الجيش واللجان الشعبية في أرض المعارك، لذلك فهم يعتبرون أن الانتقام من أي شخص يحمل الهوية اليمنية انتقاماً لعجزهم وتخاذلهم في مواجهة رجال الرجال في الحدود، وقد لمسنا ذلك أيضا لدى سعوديين مدنيين موالين بشكل تام للنظام.
معاناة المسافرين في المنفذ كبيرة، خصوصاً مع الحالات التي تفترش التراب مع أسرها لأيام في صحراء حضرموت القاسية والجافة انتظاراً لتأشيرات الدخول للسعودية، ففي موسم الحج كثيراً ما يمارس الجانب السعودي عبر مصلحة الجوازات دور المتلذذ بمعاناة الحجيج اليمنيين في إجبارهم على الانتظار لأيام، بينما يسمح للسيارات التي يحمل أفرادها تأشيرات مقيم بالعبور، متحججين بأن النظام «معلق» عندما يتذمر الحجيج اليمنيون من هذه المعاملة اللاإنسانية والمسيئة لكل الروابط الدينية والجوار.
لا نستغرب اليوم الممارسات السيئة للسعودية تجاه المسافرين اليمنيين، وخصوصاً حجاج بيت الله الحرام، فعندما تعود بنا الذاكرة إلى مجزرة تنومة عام 1923، وما ارتكبته مليشيات الوهابية السعودية من جرائم بشعة في حق الحجيج اليمنيين الآمنين والمسالمين، سيتضح لنا مدى الحقد المتجذر في نفوسهم تجاه اليمنيين، وهو حقد يبدو أنه تحول إلى جينات متأصلة أدمنت الوحشية واللصوصية والاستهتار بمعاناة القاصدين وجه الله في الأشهر الحرم.
غير أن السعودية لم تكن لتتجرأ على الاستمرار في الإساءة لليمنيين وانتهاك حقوقهم، لو أن هناك حكومة يمنية تولي الاهتمام لمواطنيها وتقتص لكرامتهم من أي اعتداء يتعرضون له.