بيوت الإيجار تحرق رجل واطيها .. «صنعاء» أزمة مساكن والشوارع تبيض عمارات جديدة
- تم النشر بواسطة مارش الحسام / لا ميديا
مارش الحسام / لا ميديا -
معاناة إنسانية صعبة يعيشها العديد من المواطنين الساكنين في بيوت الإيجار في صنعاء، والذين يكتوون بنار الإيجارات التي ارتفعت بمعدلات خيالية، وبالمقابل هناك معاناة أخرى وقودها السكان المستجدون أو الوافدون إلى صنعاء، والذين ينتظرهم مشوار نضالي كبير للحصول على شقة للإيجار ليكتووا بدورهم بالنار ذاتها.
ارتفاع الطلب وقلة المعروض
أصبح الحصول على شقة سكنية في أمانة العاصمة بمثابة الحلم الذي يراود الكثيرين من القادمين إليها من نازحين وغيرهم، إذ إن مُلَّاك العقارات يشترطون ألَّا تكون موظفاً حكومياً ودفع إيجار ما لا يقل عن شهرين أو 3 أشهر مقدماً وبأسعار مجحفة، وبعضهم يزيدون على ذلك بطلب ضمانة تجارية من المستأجر، وبسبب ارتفاع الطلب وقلة المعروض من المساكن يضطر البعض إلى دفع إيجارات مقدمة لشقق سكنية قيد الإنشاء، فينتظرون حتى تكتمل تجهيزات الشقة، والتي قد يرفض لاحقاً أغلب أصحابها تأجيرها لهم بالمبلغ نفسه الذي تم الاتفاق عليه مسبقا.
67 ٪ نسبة زيادة الإيجارات
استقبلت أمانة العاصمة ما يقارب مليون نازح من محافظات تعز والحديدة وحجة ومناطق صعدة الحدودية، والمناطق المحتلة والواقعة تحت سيطرة العصابات المسلحة، لعدم شعورهم بالأمان.
وتسبب النزوح في أزمة سكن، وبالمقابل خلق انتعاشاً غير مسبوق في قطاع العقارات وحركة البناء، حيث ظهرت عشرات المباني الحديثة والأبراج السكنية في شوارع العاصمة، وصارت العديد من الأحياء تبيض عمارات جديدة، كما قام أصحاب العقارات باستحداث شقق سكنية جديدة وبناء طوابق علوية تستوعب أكبر عدد من الشقق مكونة من غرف صغيرة الحجم، فيما قام آخرون باستغلال كل مساحة خالية في فناء أو سطح المنزل لبناء شقق سكنية وتأجيرها بأسعار مضاعفة عما كانت عليه الأسعار قبل العدوان.
وطبقاً لدراسة أجراها مركز الإعلام الاقتصادي، فإن أسعار العقارات وشراء الأراضي ارتفعت بنسبة 100 ٪ في حين زادت الإيجارات السكنية بنسبة 67 ٪ .
أطماع المؤجرين تتوسع
كل يوم تتوسع أطماع المؤجرين، وبين شهر وآخر يفرضون زيادة في الإيجارات بالرغم من ملامستهم لواقع الناس ومعاناتهم وانقطاع المرتبات، إلا أن لا قانون يردعهم.
وبحسب سكان في مناطق مثل مذبح والسنينة، فقد ارتفع إيجار الشقة المكونة من 3 غرف من مبلغ 20 ألف ريال إلى 60 ألفاً، أما في مناطق كالدائري وهائل فقد ارتفع سعر الشقة من 30 ألفاً إلى 80 ألفاً وما فوق، بحسب نوعية الشقة وحداثتها، وعلى مدى عامين ذهبت توجيهات المجلس السياسي أدراج الرياح، ولم تفلح جهوده في كبح جماح الارتفاعات المتصاعدة للإيجارات مع تزايد شكاوى المستأجرين.
شوكة في الحلق
جشع المؤجرين لا حدود له لدرجة أن كثيراً منهم يحاولون التخلص من المستأجرين المخضرمين، والذين يدفعون ما بين 30 و40 ألف ريال شهرياً كإيجار للشقة، وإحلال مستأجرين جدد بدلاً عنهم، وبالسعر الجديد الذي يتراوح من 60 إلى 80 ألفاً.
وينظر أصحاب العقارات إلى النازحين والمضطرين للعيش في صنعاء كما لو أنهم سيّاح أو أتوا للسياحة من بلد أجنبي، كما يرون أن المستأجرين الحاليين هم بمثابة «شوكة في الحلق» يجب إزالتها والتخلص منهم، إما بعصى موسى أو بدبوس فرعون، كأن يتم إعفاؤهم من إيجارات عدة أشهر مقابل خروجهم من الشقة، فيما يعمد البعض إلى الزيادة التصاعدية لسعر إيجار الشقة بين فترة وأخرى، وفي سباق مع الزمن لتطفيش المستأجرين القدامى، ودفعهم إلى ترك الشقة للمالك يؤجرها بالمبلغ الذي يريده.
استغلال لا إنساني
أكد لصحيفة «لا»، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى أحمد سعيد شماخ، أن الازدحام السكاني في صنعاء يعود إلى امتلاكها الكثير من المقومات الجاذبة سواءً للسكان الفارين من نار الحرب في مناطق التماس أو من المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال أو العصابات المسلحة، أو لغيرهم من الباحثين عن فرص للعمل.
وقال: «ديناميكية الاقتصاد في اليمن خلال فترة الحرب، موجودة في العاصمة، بسبب تركز النشاط التجاري، وتواجد المؤسسات والشركات التي وفرت سوقاً وفرصاً للعمل، وهذا لا يتوفر في المحافظات الأخرى التي تراجع نشاطها الاقتصادي بسبب الحصار والحرب أو سيطرة المليشيات المسلحة عليها».
وأضاف أن انعدام الخدمات والأمن في المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال والعصابات المسلحة، دفع كثيراً من السكان للهجرة الداخلية صوب صنعاء التي صارت تحتضن كل أبناء اليمن بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم ومذاهبهم، دون تمييز، مشيراً إلى أن هناك تحسناً ملحوظاً على كافة الأصعدة الخدمية في صنعاء.
وتابع قائلاً: «من الطبيعي أن ترتفع أسعار الإيجارات في صنعاء، المسألة هنا تخضع للعرض والطلب، ولكن للأسف قام بعض ملاك العقارات، وبسبب ضعف الوازع الديني، باستغلال مأساة الآخرين من نازحين وغيرهم، وتأجير الشقق بأسعار باهظة، كما لو أنهم سيّاح، دون مراعاة لظروفهم، وفي وقت يفترض أن يكون هناك تآزر وتراحم بين أبناء اليمن».
وطالب شماخ المجلس السياسي بتفعيل قانون حماية المستأجرين، وبالذات في هذا الوقت العصيب، وخصوصاً أن أغلب الموظفين بدون رواتب، ويقطنون في بيوت مستأجرة، ويكابدون معاناة حقيقية في توفير متطلبات المعيشة، ناهيك عن مبالغ الإيجارات المتصاعدة.
عنزوج الولد!
يقول أحد المواطنين: «في 2014 استأجرت شقة متواضعة في منطقة السنينة بـ15 ألف ريال، ومع زيادة النازحين وحصول أزمة السكن، حاول المؤجر إخراجي بحجة تزويج ولده، وبعدها عرضت عليه أن أدفع له 5000 ريال زيادة فوق الإيجار، ووافق، ثم عاد بعد 4 أشهر يطالبني بالخروج، وأن ابنه مقبل على الزواج، وكل مرة أطيب خاطره بـ5000 ريال، وحالياً صرت أدفع مبلغ 30 ألف ريال إيجاراً لشقة متواضعة جداً لا تستحق هذا المبلغ، ورغم ذلك مازال مصراً على إخراجي منها، لكنني مضطر للبقاء فيها، ولا أستطيع أن أتحمل زيادة إضافية في الإيجار، ولا يوجد بديل ولا قانون يحمي المستأجر، ومن الصعب الحصول على شقة في مثل هذا الوقت».
تغيير ديموغرافي
يوضح مشرف الملحق الاقتصادي في صحيفة «26 سبتمبر» نبيل القاضي، أن أزمة الإسكان من أهم المشاكل التي تواجه محدودي الدخل وموظفي الدولة معدومي الراتب والنازحين في صنعاء، مؤكداً أن النزوح والهجرة الداخلية أحدثا تغييراً ديموغرافيا في توزيع السكان.
وأضاف: «تُعد مدينة صنعاء من أكثر المدن اليمنية التي تنعم بالأمن، وكثير من المواطنين تركوا منازلهم إما بسبب الحرب، أو انعدام شعورهم بالأمان في مدنهم المحتلة، واتجهوا إلى صنعاء، وهو ما شكل ضغطا على قطاع العقارات، وفتح شهية ملاك العقارات على المتاجرة بمأساة الآخرين».
من 30 إلى 60 ألف ريال شهرياً
يقول أحد ملاك العقارات في منطقة السنينة إن لديه 8 شقق تتوزع على 3 عمارات تابعة له، وإن أغلب المستأجرين يدفعون له ما بين 25 و30 ألف ريال كإيجار للشقة الواحدة، لكونهم مستأجرين قدامى، وأكد أنه لم يرفع فلساً واحداً عليهم منذ العام 2014، أما في حالة خروج أحد المستأجرين وقدوم مستأجر جديد فيتم تأجير الشقة بـ60 ألف ريال.
وأضاف: «أحد المستأجرين كان مستأجراً شقة بـ30 ألف ريال، وبعد انقطاع المرتبات تراكمت عليه الإيجارات لأكثر من سنة ونصف، وعرضت عليه الخروج وإعفاءه من الإيجارات، أو يلتزم خطياً بأنه وابتداءً من هذا الشهر سيلتزم بدفع الإيجار شهرياً 30 ألف ريال، فضَّل الخروج، ولكن بعد شهر من خروجه عاد إليَّ مجدداً، ويريد استئجار الشقة التي خرج منها، ووقتها لم أكن قد أجرتها بعد لأني كنت أنوي ترميهما، ألغيت فكرة الترميم وأجرتها عليه بـ60 ألف ريال».
حذق التعزي وبساطة التهامي
يقول صاحب أحد مكاتب العقارات: «سبق أن استقبلت صنعاء آلاف النازحين من أبناء تعز، ومع ذلك ظلت أسعار إيجارات الشقق ثابتة، وذلك بسبب حذق النازح التعزي، ولكن بعد أن جاء نازحون من الحديدة ارتفعت الأسعار بشكل جنوني».
وتابع قائلاً: «كثير من نازحي تعز لديهم أقارب في صنعاء، ومكثوا عندهم حتى يستأجروا شقة، كما أنهم يعرفون جيداً أسعار الشقق، وبالتالي لا يمكن خدعهم أو تأجيرها عليهم بسعر مضاعف، بعكس نازحي الحديدة الذين وصولوا إلى صنعاء غرباء، وتعرضوا لاستغلال بشع من السماسرة وملاك العقارات، وتم التعامل معهم كما لو أنهم سياح».
وأضاف: «أغلب نازحي الحديدة ليس لديهم أهل في صنعاء، ومكثوا في الفنادق لحين العثور على شقة للإيجار، والإنسان التهامي معروف ببساطته، وعلى نيته، ولا يعرف اللف والدوران، وحين يخبره السمسار أو صاحب المكتب أن إيجار الشقة 80 ألف ريال، يوافق على الفور، ودون تردد أو مبايعة، لأنه صافي النية، ومن السهل استغلاله وخداعه، أما النازح التعزي فهو من يخدع صاحب العقار».
موظفو الدولة سلعة فاسدة
يُعتبر موظفو الدولة مستأجرين غير مرغوب فيهم لدى ملاك العقارات الذين يتحاشون تأجير شققهم للموظفين باعتبارهم سلعة فاسدة.
شريحة كبيرة من الموظفين المنعدمة رواتبهم يعيشون قصصاً مؤلمة في بيوت الإيجار، منهم من تم طردهم لعجزهم عن الوفاء بتسديد إيجارات مساكنهم، ومنهم من ينتظر الطرد، ومنهم من يتشبث بالبقاء بحثاً عن بصيص أمل في دهاليز القضاء.
التربوي وليد غالب، الذي يدِّرس في مدرسة عمر المختار، لخَّص معاناة أقرانه التربويين الذين يتجرعون الذُّل والإهانة في بيوت الإيجار، ويتم جرجرتهم إلى أقسام الشرطة وردهات المحاكم.
يقول وليد: «بعد انقطاع المرتبات تراكمت عليَّ إيجارات سنة، وكان المؤجر يطلب مني الخروج من الشقة مقابل إعفائي من الإيجارات المتراكمة، رفضت الخروج وتحملت كل أشكال الذُّل، إذا خرجت من سيؤجر لي شقة وأنا معلم بدون راتب وسلعة فاسدة في نظر المؤجر، وبعدها تم استدعائي إلى قسم الشرطة، وهناك وضعني مدير القسم أمام 3 خيارات، الأول هو الخيار الذي طرحه المؤجر سابقاً، والخيار الثاني أن أعمل سنداً لصاحب البيت بالإيجارات المتراكمة، ومن ثم أعمل التزاماً خطياً بتسديد الإيجارات شهرياً بدءاً من هذا الشهر دون تأخير، ويحق للمؤجر طردي في حال تخلفي عن الدفع أو تراكم الإيجارات لأكثر من شهرين، والخيار الثالث تحويلنا إلى المحكمة، فلم يكن أمامي سوى أن أوافق على الخيار الثاني أسوة بكثير من الزملاء».
وأكد أن عدداً من زملائه التربويين صاروا ينافسون الباعة المتجولين لسداد الإيجارات، كما أن عدداً من المدرسات يبعن الكعك في فترة الراحة، وآخرين يبيعون الآيسكريم لطلابهم.
وأشار غالب إلى أن أحد زملائه، وبعد انتهاء الدوام في المدرسة، يذهب لبيع العطور بحقيبة يدوية في أحد أسواق القات البعيدة عن المدرسة، تجنباً للإحراج، فهو لا يريد أن يظهر منكسراً أمام طلابه، كما أن أستاذ رياضيات بارعاً في تخصصه وله أبحاث واخترع قوانين رياضية جديدة، لو كان في دولة أخرى لكان له شأن، بينما اليوم يبيع الحلويات في «عربية» يدوية لتفادي سخط المؤجر.
وطالب التربوي وليد الحكومة ووزارة التربية والتعليم بعمل حلول سريعة ومدروسة لحماية المعلم المستأجر من الإهانة والذل والانكسار أمام بعض المؤجرين الجشعين.
المصدر مارش الحسام / لا ميديا