عبدالفتاح الحكيمي / لا ميديا -

 ملخص لما سبق:
في أكتوبر 2017 كشفت تقارير متواترة عن قيام السعودية بضم أراض يمنية والاستيلاء عليها منذ مارس 2015 واقتلاع العلامات الحدودية المتفق عليها وابتلاع نحو 42 ألف كيلومتر مربع ضمن حدود محافظتي حضرموت والمهرة، وهي ذات المساحة التي زعم الرئيس صالح ومسؤولو الدولة حينها أنهم استعادوها كأرض يمنية في حدود الجنوب، ووصلت التعديات إلى معسكر الخراخير ومنطقة البديع الفاصلة بين البلدين بحسب اتفاقية جدة 2000م.
وتعد التصرفات السعودية انتهاكا للجزء الأول البند (1) وملاحقه من اتفاقية جدة التي حددت بصورة نهائية هوية القرى الواقعة في حدود الأطراف الموقعة وتثبيت هوية السكان بعد الترسيم، ما يعتبر تعديا ونية عمدية مبيتة لاستغلال الحرب الراهنة في اليمن وتغيير ديموغرافيا السكان والهوية الوطنية وحدود الأرض معا، ولو بالترغيب غير المشروع الذي سوف يشعل الحدود قسرا في أي لحظة.
وفي نوفمبر 2017، وصلت القوات السعودية إلى ميناء نشطون بمحافظة المهرة. وفي ديسمبر التالي 2017 ومطلع 2018 دفعت المملكة بتعزيزات كبيرة للاستيلاء على مطار الغيضة والمنافذ البرية والبحرية والسواحل والسيطرة على المرافق الحيوية بلافتة مكافحة التهريب والإرهاب، وسط رفض شعبي عارم لعسكرة الحياة المدنية في المنطقة، كما قوبل النفوذ الإماراتي من قبل برفض زعماء القبائل والعشائر وشرائح المجتمع السياسي والمدني.
وفي يونيو 2018، نظم المهريون اعتصاما مفتوحا لرفض ما أسموه الاحتلال، ولاحق السعوديون المعارضين عبر موالين محليين لهم في أجهزة الأمن.
وتضمنت مطالب المعتصمين رفض المساس بالسيادة الوطنية، وإعادة العمل في منفذي شحن وصرفيت البريين مع سلطنة عمان، وميناء نشطون، إلى شكلها الطبيعي وتسليمها للجيش والأمن اليمني.
وكان الشيخ عبدالله بن عيسى بني عفرار أبرز داعمي الاعتصام باعتباره رئيس المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى، الذي انتقد في مايو 2018 استقدام قوات عسكرية سعودية مفرطة إلى المهرة وسقطرى بذلك الحجم.
وتظاهرت السعودية بقبول مطالب المعتصمين، لكنها نقضت الاتفاق معهم باستحداث نقاطاً عسكرية أمنية، وسعت إلى إنشاء مجلس بديل للمجلس العام لأبناء المهرة الذي يرأسه بن عفرار، وهو حفيد آخر سلاطين المنطقة قبل استقلال جنوب اليمن.

تزامنت حالة الغليان الشعبي مطلع يونيو 2018 مع الشروع بوضع علامات 
مرور أنبوب النفط السعودي من حدود منطقة الخراخير الممتدة بين المهرة -حضرموت- السعودية، بعد زيارة السفير السعودي في اليمن محمد سعيد الجابر، المشرف على البرنامج السعودي لإعادة الإعمار في اليمن إلى المهرة، وذلك عقب زيارته لمحافظة مأرب مباشرة للاطلاع عن التحضيرات الجارية لمد أنبوب النفط إلى ميناء نشطون بالمهرة.
وأعدت شركة «أرامكو» الدراسات الميدانية والمسحية قبل ذلك في المناطق التي سيمر فيها الأنبوب، مستغلة تواجد قوات سعودية في مطار الغيضة وميناء نشطون.
وقد بدأ بالفعل إعادة تأهيل وشق طريق إسفلتي ممتد من خرخير السعودية إلى ساحل المهرة، في ظل تولي معين عبدالملك وزارة الأشغال العامة والطرقات والجسور ثم رئاسة الوزراء في 15 أكتوبر 2018، إضافة إلى شغله الوزارة المذكورة بإصرار السفير السعودي؛ في سابقة فساد إدارية مريبة، وإصرار آخر 


على أن يحتفظ مدير عام مكتب رئيس الوزراء (أنيس باحارثة) بمنصبه الحساس (مدير عام مصلحة أراضي وعقارات الدولة) الذي كان يشغله وقت تعيينه الجديد!
وزعمت وكالة «واس» السعودية في ديسمبر 2017 أن «التحالف العربي» بقيادة المملكة أعاد تشغيل مطار الغيضة المهري أمام طائرات المساعدات الإغاثية الإنسانية بالتنسيق مع الحكومة «الشرعية» في اليمن.
وتجاوزت السعودية خط الحدود المرسم بين البلدين وتوغلت داخل حدود المحافظة بعمق 25 كيلومترا، وسط اشتعال غضب المهريين الذين عدوا ذلك اعتداء على حدود الأراضي اليمنية والسيادة في المهرة.
وسبقت الإمارات بإنشاء قوات النخبة المهرية أسوة ببقية محافظات الجنوب، لكن السعودية امتصت الخلاف الطارئ مع الإماراتيين الذين التزموا بتدريب القوات وتسليمها للرياض لتأمين مسار أنبوب النفط مؤقتا إلى حين استبدالها بقوات سعودية خالصة على امتداد المشروع القسري كاملا، مع تفاهمات الطرفين ألا يؤثر استغلال ميناء نشطون اليمني على ميناء جبل علي في دبي، ما يدلل أن تواطؤاً غير معلن مع العدوان (السعوإماراتي) جرى بالخفاء بمباركة «الرئيس» عبدربه منصور هادي وحكومته، والذي ظهر في الغيضة فجأة مع سفير المهلكة محمد الجابر بعد أن فكوا عنه عقدة (السحر) ومزاعم إقامته الجبرية وعملية القلب المفتوح. لكنه ما إن بدأ بوضع (أحجار أساس) مشاريع وهمية مع السفير السعودي (الحاكم) اقتلعتها القبائل مع معالم أعمدة مسار أنبوب النفط القهرية ورمتها في البحر، وحذرت مجددا من التمادي والصلف في إعادة تنصيبها أو انتهاك حدود الخراخير والسيادة.
تبدو مقايضة سمجة بخسة تستهين بكرامة الناس وعزة النفس، فبدلا من انشغال السعوديين والإماراتيين بمزاعم إنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية تحولوا إلى قوى احتلال لنهب ما تبقى لليمن.. وفتحوا على أنفسهم أسوأ الاحتمالات بمواجهة شاملة مع 30 مليون يمني في الجنوب والشمال.
ولم يصدر «الرئيس» عبدربه منصور هادي ولا حكومة معين عبدالملك أو سلفه أي اعتراضات أو تلميحات بعدم الرضى، ولم يبد أي مسؤول حكومي حتى تحفظاته عدا حكومة صنعاء برئاسة الدكتور عبدالعزيز بن حبتور التي حذرت من تمرير مخططات احتلال المهرة تحت غطاء مشاريع الاستثمار ليكسب الحوثيون بذلك نقطة سياسية وأخلاقية كبيرة لصالحهم في الطعن بشرعية سلطة عبدربه منصور هادي وحكومته التي تناقض أهدافها في الحرب على الحوثيين عندما تفرط بتواطؤ (مدفوع) بالسيادة الوطنية والأرض والحدود تحت لافتة استعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب.
السعوديون والإماراتيون أيضا يتجاهلون ويتحدون مشاعر وكرامة أبناء المهرة وحضرموت وشبوة ومأرب وكل قبائل وأقيال اليمن.