ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

مارسيل بوازار
شاهد الحرب التي وقعت في اليمن بين «الملكيين» الذين تقودهم السعودية و»الجمهوريين» الذين قادتهم مصر قبل نصف قرن، المندوب السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر، مارسيل بوازار، يعيد الصراع الحالي إلى سياقه التاريخي. 
لقد فكرت مرتين في اليمن في صفحات هذه الصحيفة. منذ أن وصلت الحركة التي سميت بشكل مزيف بالربيع العربي إلى هذا البلد وضحت أن اليمن تم منحها في بداية عام 1991 دستوراً ذا تعددية حزبية على خلاف أغلب دول المنطقة. فقد تم انتخاب الرئيس علي عبد الله صالح بشكل ديمقراطي عام 1999 وتم تجديد فترة رئاسته أو حكمه لفترة ثانية مدتها 7 سنوات. ولا شك أنه لم يستطع تفادي فخاخ الفساد ومحاباة الأقارب. وكانت بعض القوى المركزية تزعزع استقرار الدولة. 
في الشمال، بدأت قبائل شيعية مهمشة بتمرد مسلح تم كبحه بمساعدة السعودية. وفي المركز، كانت حركة القاعدة تحتل الأرض وتسعى لتوسيع عملياتها رغم التدخل العسكري الأمريكي. وفي الجنوب، كانت إغراءات الانفصال تولد من جديد. سعت الممالك البترولية بمساعدة واشنطن لإقالة الرئيس. وكنت أحذر من احتمالية «صوملة» البلد في حال لم يكن خَلفَ الرئيس متوافقاً عليه من قبل الجميع. 
انتقلت السلطة إلى المشير هادي -نائب الرئيس- في بداية عام 2012، وهو شخصية حمقاء لم يستطع فرض نفسه على رأس دولة مفلسة. وفي بداية 2015، ظهر مجدداً تمرد الشمال، ولكن هذه المرة باسم «عائلة المتدينين المحترمين» التي يقودها: الحوثي. تدافعت الأحداث. استولى المتمردون على العاصمة صنعاء التي غادرها مؤخراً الرئيس المعظم. واتجهوا بسرعة نحو الجنوب ليستولوا على عدن في ما لا يزيد عن ثلاثة أشهر. وبسرعة أنشأت السعودية تحالفاً عسكرياً وأطلقت حملة جوية كان يفترض أن تكون فترتها قصيرة. وكنت قد شددت على مخاطر هذه العملية. 
في تاريخهم الألفي، صدت قبائل اليمن كل محاولات السيطرة الخارجية بلا توقف. وتوقعت أن يخلق الملك سلمان لنفسه أعداء كثراً. يريد الحوثيون الشيعة، والإسلاميون السنة التقاتل، إبادة بعضهم البعض، لكنهم في ذات الوقت يغذون كراهية تعبوية ضد السعوديين والأمريكان. طالت المعارك وأدت إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث. 

صنعاء، مارس 1964 
تحولت مخاوفي وتوقعاتي إلى واقع. لا شك أن الأمر يعود إلى حقيقة أنني عشت في اليمن لمدة عامين بصفتي مندوباً للجنة الدولية للصليب وسط القبائل المتعاركة في الحرب الأهلية. ربما كانت خبرتي السابقة مفيدة في فهم الحاضر. ذهبت في تاريخ مارس 1964 إلى صنعاء المدينة الثابتة بأسواقها المتنوعة وموقعها خلف الأسوار حيث كان يتم تنفيذ العقوبات في يوم الجمعة: قطع الرأس بالنسبة للمجرم وبتر اليد بالنسبة للسارق. كانت الحرب الأهلية عبارة عن حرب بالوكالة بين الثورة المصرية والسعوديين الإقطاعيين. تم تأسيس مملكة اليمن (الإمامة) في القرن العاشر من قبل «المعارضة الشيعية المضطهدة». وبغرض ضمان سلامته حافظ الأئمة على حكمهم الذي تجاوز القرن. 
في سبتمبر 1962، تم الانقلاب على البدر بعد أسبوع من تسلمه العرش. وهرب وتلقى الدعم من قبائل الشمال والسعودية. وسارع المصريون الواثقون بإرسال مئات الرجال لتنفيذ عملية شرطة قصيرة. وزاد عدد هذه الحملة حتى وصل إلى 70 ألفاً مع مئات قاذفات القنابل. وبفضل تفوقهم العسكري، استولوا بسرعة على السهل والمدن بما في ذلك صنعاء. لكنهم اصطدموا بمقاومة عنيفة من قبائل الجبال، حيث لدى كل رجل منذ سن المراهقة بندقية ويجيد استخدامها. لذا لجأت هيئة الأركان إلى وهم أنه سيتم كسب الحرب جواً. فاستمرت 8 أعوام. 
«انتهت الحرب دون انتصار أي طرف، لولا وجود العادات المولعة بالقتال بين القبائل لما مات 200 ألف مقاتل دون أن يسأموا القتال».
لم يكن للخدمة الصحية أي وجود بين القبائل. لذا قام الصليب الأحمر بإنشاء مشفى ميداني هناك. وفي المقابل، تعهد الإمام باحترام مواثيق جنيف. وفي بداية الصراع، لم يكن هناك أي فرد يصل حياً، فحالما يتم القبض عليه يتم إلقاء حكم الإعدام على مسامعه ويتم تنفيذه على الفور. وبعدها تقررت مكافأة قيمتها قطعتان ذهبيتان لكل من يأتي بالعدو حياً. وكان الأمر متروكاً لنا لرعاية هؤلاء السجناء. وكان علينا تنظيم عدة حملات لزيارتهم. وكانت التنقلات تستمر لأسابيع على متن سيارة «جيب» أو في أغلب الحالات على ظهر جمل أو بغل أو سيراً على الأقدام في ظروف مناخية متقلبة. 
لقد كانت شروط الحياة قاسية حتى بالنسبة للشباب الباحثين عن المغامرة. في الريف، كنا نتناول كعك الخبز الذي كان يحضره سائقو الجمال بشكل يومي ويزينه بالتمر والبرقوق المجفف. كنا نجد فرص الاغتسال في سيول تندفع من المنحدرات. شملت حملاتنا بشكل عام أطباء اهتموا بنا في الأرياف التي كنا نعبرها وسط «زغاريد» النساء. 

منعطف الملك فيصل
على الجانب العسكري، بقيت الأخطار بالنسبة لنا بسيطة. وكان المتحاربون يعسكرون في خطوطهم. والمناوشات نادرة ويتم احتواؤها بسرعة. لم تكن مجموعتنا تشكل هدفاً للطيران. كنا نسير في بعض الأحيان في قوافل مزودة بمحركات ولكن فقط في الليل. قضينا أياماً في كهوف عديدة. كان عبور الخطوط مذهلاً ولكن دون وجود خطر حقيقي. وكان المرور دائماً متقلب الطقس. وكنا نبقى في «حماية» قبيلة إلى أخرى. كانت هذه حرباً استنزافية بدون حركة باستثناء الغارات الجوية. وفي يونيو 1967، بعد هزيمتها على يد إسرائيل، أعادت مصر جزءاً من قوتها البشرية. كان الملك فيصل الذي أزاح شقيقه عن العرش مختلفاً تماماً عن سعود: محنكاً ذكياً وغير متهور. 
في عام 1970، اعترف بالجمهورية. وبدأت سلالة حاكمة شيعية نشأت في الجبال منذ أكثر من ألف عام بالاختفاء. ولم تعلن الأقلية الشيعية استقالتها على الإطلاق في معقلهم. وأضمر التمرد الحوثي ثأراً في كيانه من أجل إنشاء ليس ما يمثل مملكة دينية جديدة وإنما جمهورية إسلامية كنموذج الجمهورية الإسلامية الإيرانية. منذ عقود، كانت مصر قد خرجت من الصراع الدامي والمدمر. كان سيكلفها مليون دولار باليوم و30 ألف رجل. وخسرت السعودية في هذا الصراع ألف جندي والنفقات المالية الباهظة. انتهت الحرب دون انتصار أي طرف، ولولا وجود عادات الولع بالقتال لما مات 200 ألف مقاتل دون سأم القتال. 
لقد مضى أكثر من نصف قرن. وتطورت اللعبة بشكل واضح، ولكن بقيت بعض العناصر كما هي. في الستينيات في خضم الحرب الباردة وقفت الولايات المتحدة خلف السعودية المتحالفة مع شاه إيران (يجب أن نتذكر ذلك) بينما دعم الاتحاد السوفييتي مصر. 
ناضلت القبائل الشيعية في الشمال -التي توصف بـ»الملكيين»- من أجل إمامتهم، في حين كان سكان الجنوب الذين يطلق عليهم «الشافعيين» -على اسم المدرسة القانونية السنية- «جمهوريين» بشكل عام. مع ذلك كانت المعركة سياسية بين ممالك محافظة وثوار حداثيين. وكان حجم التأثير الديني ضئيلاً جداً. وهو الآن غالب ومبني على العداء بين السعوديين والإيرانيين. كان الناس فقراء والآن بؤساء. 
أمام القوات الجوية المصرية كان المقاتلون يحملون بشكل أساسي البندقيات القديمة. ومع سقوط النظام في 2011، حصلوا على مدرعات ومدفعيات. كما حصلوا أو زعموا أنهم صنعوا صواريخ وطائرات بلا طيار. وتمكنوا أيضاً من الهجوم والاستيلاء على العاصمة والنزول إلى شواطئ المحيط الهندي، بينما ظلوا في السابق محبوسين في جبالهم. 

الجغرافيا والشعب
إن المعطيين الأساسيين الثابتين هما الجغرافيا والشعب. يتمتع هذا الأخير بعادة قتالية موروثة. فهو قاسٍ في ظرف المعاناة وفي ظرف الصمود. ويعرف تماماً ساحات قتاله. وقد جعلت ضعف شبكة الطرقات والتضاريس الجبلية مناطق اليمن عصية على الدخول. يتسبب الحظر البحري في تجويع المدنيين وتقصف الحملات الجوية بشكل عشوائي. لن يكسبوا الحرب. والحل لم يكن أبداً عسكرياً. 
في الرابع عشر من سبتمبر قلب الدمار المؤقت لنصف نظام الإنتاج النفطي السعودي الاستراتيجيات. ومسألة الاختلاف على منفذ هذا الهجوم سواء كان الإيرانيون أم اليمنيون فإنه لا يهم كثيراً. يمكن للتكنولوجيا الحالية أن تلحق أضراراً كبيرة بأقل تكلفة، وربما استطاعت في المستقبل أن تكون «قوة الردع» للفقراء وأكثر فاعلية من السلاح الذري، لأنها أقل تدميراً وعشوائية. لم تحمِ اتفاقية بيع السلاح الموقعة في ربيع 2017، التي غطت مبلغ 460 مليار دولار خلال عشر سنوات بين أمريكا والسعودية من خلال تشغيل آلات تكلف 12000، من تعرض مصدر قوة المملكة للخطر. وربما نشأ شكل جديد من القتال بين داوود وجالوت يستطيع أن يخرج حرب اليمن من محيطها المحلي!

(Le Temps) «لو تو» 
صحيفة فرنسية
20 أكتوبر 2019