بفعل عوامل كثيرة أبرزها تضارب سعر العملة وإجراءات الرياض بحق المغتربين واستقرار وأمن العاصمة
سوق العقارات الوجهة الآمنة لمدخرات اليمنيين... بنك التراب

شايف العين / لا ميديا

تشهد العاصمة صنعاء انتعاشا كبيرا في سوق العقار رغم الحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان الأمريكي السعودي على الوطن ودخلت عامها الخامس، وكانت المتسببة في تدهور الوضع الاقتصادي. 
يهرب المواطنون الذين ادخروا مبالغ مالية لاستثمار مدخراتهم في سوق العقار، لاسيما في العاصمة صنعاء، وقد يكون سوق العقار أكثر انتعاشا فيها، غير أن جميع المدن الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى حظيت ببعض ذلك. في هذا التقرير نعرض أسباب هذا الانتعاش وتداعياته. 

2017 انتعش سوق العقار عن ذي قبل بنسبة 90?
يتضح للجميع انتعاش سوق العقار في العاصمة صنعاء من خلال ارتفاع أسعار الأراضي والمنازل والشقق والعدد الكبير للأبنية التي شيدت حديثا وغيرها من التي لا تزال في طور التشييد، ولا يخلو منها حي سكني داخل عاصمة الصمود وضواحيها التابعة للمحافظة.
وأجرت صحيفة «لا» استبياناً لتأكيد صحة هذا الانتعاش على عدد من مكاتب العقارات في كل من حدة والأصبحي وسعوان وإرتل. 15 من أصل 20 مكتب عقارات اتفقت على أن سوق العقار شهد انتعاشاً مفاجئاً منذ عام 2017 ومازال مستمراً حتى اليوم.
هاني عبدالله عطية. مالك أحد محلات العقار، قال إن السوق العقارية في العاصمة صنعاء أصيبت بالشلل منذ بداية العدوان العسكري والاقتصادي على الوطن في 26 مارس 2015، ولاحظ ذلك من خلال تدني العمل في مكتبه.
وأضاف عطية أنهم في الوقت الذي بدؤوا فيه يبحثون عن أعمال أخرى بعد توقف عملهم في العقارات لمدة سنتين، فوجئوا في 2017 بانتعاش كبير ونشاط عمل في السوق العقارية أكثر من ذي قبل -في إشارة إلى الفترة التي سبقت العدوان- ولا يعلم السبب. 

الهروب من الادخار في البنوك إلى تسوير الأراضي وتشييد الأبنية 
يتساءل الكثير عن سبب ظهور عدد كبير من المباني المشيدة حديثا، وضعفها مازال قيد الإنشاء داخل العاصمة وضواحيها. والبعض يذهب إلى تفسير ذلك بأن المباني والأراضي تتبع نافذين أو مسؤولين في حكومة الإنقاذ الوطني والمجلس السياسي، غير أن الحقيقة خلاف ذلك تماما.
خالد مهدي المساجدي، مقاول عقارات، يقول إن سبب انتعاش السوق العقارية هو تخوف الناس من وضع مدخراتهم المالية في البنوك، كونهم يعانون كثيراً عند قيامهم بسحبها، وتبرر المصارف عراقيلها تلك بنقص في السيولة وأوامر من السلطات، رغم أن معظم من يضعون نقودهم فيها يضعونها على شكل ودائع مالية يحق لهم سحبها كاملة متى ما شاؤوا.
ويرى المساجدي أن السوق العقارية تمثل الملاذ الآمن لكثير من المواطنين وأصحاب الأموال، فيهرولون إلى شراء الأراضي والمباني لاستثمارها، وبالتالي جني أرباح أكثر بكثير من تلك التي كانوا يجنونها من ودائعهم في البنوك، مضيفا أن البعض ممن يذهبون إلى سوق العقار يشترون الأراضي ويقومون بتسويرها فقط وليس تشييد المباني فيها، وتركها مدة من الزمن ثم يعرضونها للبيع ويجنون أرباحا بالملايين، بمعنى أنهم ادخروا نقودهم في سوق العقار وعندما أرادوها جنوا فوقها أرباحا طائلة.

أزمة صنعاء السكنية بسبب النازحين أنعشت الاستثمار في العقار
سبب آخر ساهم في انتعاش العقار واشتعال أسعاره وهو إقبال النازحين بكثرة على العاصمة صنعاء من المحافظات والمناطق التي وصل مرتزقة تحالف العدوان إليها وحولوها إلى ساحة لارتزاقهم.
ويقول اقتصاديون في كلية التجارة بجامعة صنعاء إن صنعاء لم تكن تعاني من زحمة سكانية قبل شن السعودية وتحالفها العدوان على الوطن. أما الآن فتعاني من ازدحام سكاني شديد بفعل الإقبال الكبير من النازحين من مختلف المحافظات خاصة المناطق التي وصلتها همجية المرتزقة.
ويؤكد الاقتصاديون أن الازدحام السكاني نتــــج عنه أزمة سكنـــية وأصبحت العاصمة صنعاء بحاجة إلى مبـــــانٍ عديدة تؤوي الوافدين الجدد، الأمر الذي دفع الكثير من رؤوس الأموال والتجار إلى الاستثمار في سوق العقار، فبدأت المباني ترتفع وأسعار الأراضي قفزت بشكل كبير، ومع ذلك مازالت هناك أزمة سكنية، والدليل ارتفاع أسعار الإيجارات للشقق والبيوت.
كثير من مكاتب العقارات أكدت وجود أزمة سكنية خصوصا في المناطق الرئيسية، كحدة وحي الجامعة والأصبحي، وبينت ذلك من خلال الطلبات الكثيرة التي تتلقاها للبحث عن شقق سكنية، لكن الأخيرة غير متوفرة. 
حسن العميسي، مالك أحد مكاتب العقارات في مدينة حدة، قال: «لدي عشرات الطلبات في سجل العمل تبحث عن شقق سكنية، لكنها معلقة، وتعلق معها عملنا بسبب امتلاء كافة المباني بالساكنين وعدم توفر شقة واحدة وإذا توفرت فبصعوبة».
أشار العميـــــــــسي إلى أن مكاتب العقارات في مدينة حدة شهدت وفرة عمل فور قدوم النازحين من مدينة الحديدة، وقامت بتأجير مئات الشقق في فج عطان كانت خالية ولا يوجد إقبال عليها بعد القنبلة المرعبة التي ألقاها طيران تحالف العدوان على المنطقة، لكنها اليوم ممتلئة وبأسعار مضاعفة عن ذي قبل.
وكشف العميسي أن مكاتب العقارات المتواجدة في المناطق الرئيسة داخل العاصمة توقف عملها في الفترة الأخيرة، بسبب امتلاء الشقق والبيوت وعدم وجود أراضٍ يمكن للمستثمرين تشييد مبانٍ فيها تستوعب سكاناً جدداً، وهذا متوفر في المناطق الواقعة في ضواحي العاصمة، لذا «تلاحظون فيها انتعاشاً كبيراً في عمليات بيع وشراء الأراضي، وعدداً كبيراً من الأبنية التي مازالت في طور التشييد». 
تعذر على الصحيفة الحصول على إحصائية رسمية بعدد المباني التي تم إنشاؤها من مكتب الاشغال بأمانة العاصمة.
لكنها حصلت على معلومات من مكتبي عقارات في إحدى ضواحي العاصمة تفيد أن المكتبين أجريا 63 عملية بيع عقارات خلال شهرين.
أمن واستقرار صنعاء دفع المغتربين إلى استثمار أموالهم في عقارها
أصــــــــدرت الرياض في العامين الماضيين جملة من القرارات المجحفة بحق المغتربيــــــن، لاسيما اليمنييــــــــن، وفرضت على أموالهم إجراءات أشبه ما تكون بعملية نهب لما يجنونه من عرق جبينهم، ودفعه في خزانة العدوان على وطنهم، الأمر الذي دفع بكثير منهم إلى تهــــــــريب مدخراتهم التي جنوها خلال سنوات واستثمارها في السوق العقارية داخل العاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس الساسي الأعلى. 
المواطن عصام المحويتي لديه كثير من الأصدقاء المغتربين في السعودية، ومنهم من أبناء قريته. قال إن هؤلاء وبعد إجراءات الرياض التعسفية بحقهم، قاموا بنقل أموالهم تدريجياً إلى الوطن واستثمروها في شراء أراض وتشييد مبان فيها وتأجيرها خوفا من أن يسطوا بن سلمان على أموالهم في الغربة.
ويقول المحويتي إن استقرار الأمن في العاصمة صنعاء وكافة مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية وخلوها من النهابين خلق فيها مناخا ملائما للاستثمار، خصوصا في سوق العقارات.

تضارب سعر العملة جعل العقارات ملاذ المستثمرين الآمن
عمد تحالف العدوان الأمريكي السعودي ومرتزقته إلى استهداف العملة المحلية وإضعاف قيمتها أمام العملات الأجنبية التي شح توفرها، كون العدو ينهب مصادر تدفقها المتمثلة في حقول النفط ويتحكم بمنافذ الوطن مانعا تصدير أي منتجات سوى التي تريدها الرياض وأبوظبي.
اقتصاديون يؤكدون أن تضارب سعر العملة سبب رئيسي في انتعاش العقار وارتفاع أسعاره، حيث إن من يملكون أموالاً بالعملة الأجنبية يخشون انخفاضاً مفاجئاً لها، وبالتالي يستغلون ارتفاعها الحاصل حالياً ليشتروا بها قطعاً من الأراضي، كون الاستثمار في هذا الجانب اتضح أنه غير قابل للخسارة أبداً في اليمن، وخصوصاً في صنعاء، فرغم العدوان والحصار سوق العقارات فيها مشتعل في أوجه وأكثر من السابق بنسبة 100?.
بالمقابل من يملكون أموالا بالعملة المحلية اندفعوا أيضاً للاستثمار في شراء الأراضي وتشييد الأبنية خوفا من تدهور العملة أكثر من الوقت الحالي، خصوصاً وأن العدو لا يملك أي أخلاق، ويهدف إلى تجويع اليمنيين، وقد أكدت أمريكا نيتها هذه في قول سفيرها أثناء مشاورات الكويت: «سنجعل عملتكم ورقة بلا قيمة».
من جهته المحلل الاقتصادي رشيد الحداد يعزو توجه كثير من المستثمرين نحو سوق العقار إلى عدم ثقتهم باستقرار سعر صرف الريال اليمني، ومخاوفهم من المزيد من تدهور الوضع الاقتصادي. 
وقال الحداد إن ذلك حول القطاع العقاري إلى ملاذ آمن لكافة المستثمرين الذين يخشون تآكل أموالهم من العملة المحلية بسبب ارتفاع سعر الدولار، مضيفاً أن الاستثمار العقاري يعتبر من أهم القطاعات الاستثمارية المربحة، والتي لا يسجل فيها أي خسائر، إلا في حال تعرض النافذين للمستثمرين وإعاقتهم عن استكمال مشاريعهم. 

المعاناة مستمرة في ظل غياب تشييد أحياء سكنية عملاقة 
عند لقائنا بكثير من المواطنين للحديث حول انتعاش العقارات، شكا جميعهم من أن تنافس أصحاب رؤوس الأموال على شراء الأراضي والبيوت ساهم في رفع أسعارها، ما جعل حصول المواطن البسيط على قطعة أرض صغيرة يبني فيها بيتاً لأولاده بعيداً عن تهديدات المؤجرين أمراً مستحيلاً.
واستهجن المواطنون سكوت حكومة الإنقاذ الوطني على ارتفاع إيجارات الشقق السكنية بقدر ارتفاع أسعار الأراضي والمباني، أي بنسبة 10%، فالشقة التي كان إيجارها 30 ألف ريال شهرياً اليوم إيجارها بـ60 ألفاً.
وكما أسلفنا فالسبب في ارتفاع إيجارات الشقق هو الأزمة السكنية الحاصلة في العاصمة صنعاء، بسبب النزوح الكبير إليها، حيث إن ملاك المكاتب والمقاولين أكدوا أن هذه الأزمة لن تفرج إلا بتشييد أحياء سكنية جديدة، وليس مبان وعمارات عشوائية لا تفي بالغرض. 
رشيد الحداد يرى أنه كانت هناك فرص كبيرة لاستقطاب مليارات الدولارات إلى صنعاء التي تعاني اليوم من أزمة خانقة في السكن بسبب توقف حركة البناء والعمران للأحياء السكنية وليس للمباني والعمارات في محيط صنعاء من أكثر من عامين. 
وبحسب الحداد فإن ذلك نتيجة لإجراءات قال إنها غير قانونية ولا تشجع على الاستثمار في هذا القطاع، موضحا أن هناك حجزاً وسطواً على أراض تابعة لمستثمرين ومواطنين في محيط صنعاء من قبل لجان شكلت لحصر أراضي وعقارات الدولة، فاستغلت المهمة الموكلة لها وسعت بالمخالفة لمهامها وللقانون والدستور بمنع البناء وحجز الأراضي. 
وتابع رشيد حديثه للصحيفة بقوله: «أنا شخصياً أضمن دخول مليارات الريالات إلى صنعاء وأضمن توفير 30 ألف فرصة عمل في وقت قصير في حال تم رفع حظر وحجز أراضي المواطنين، ورفع القيود المفروضة على حركة البناء في محيط صنعاء»، مبدياً أسفه من وصول حجم الاستثمارات العقارية في مأرب العام الماضي إلى 600? بينما صنعاء التي كانت تزيد كل سنة 26 حياً سكنياً أو حارة لم تشهد حتى 20? مما تشهده مأرب، بسبب الإجراءات التي لا تراعي أي اعتبارات في الجانب الاقتصادي.