فاروق مقبل/ لا ميديا -

في الطريق إلى جامعة صنعاء من البوابة الغربية، وبمحاذاة كلية الهندسة، تطل مباني السكن الخاص بهيئة التدريس في الجامعة. من النظرة الأولى يمكنك أن تشاهد أساتذة الجامعة وهم يدحرجون أسطوانات الغاز التي أوصلها المتعهد وبسعر 4500 ريال لكل أسطوانة غاز ما إن تصل إلى أمام السكن.
في السكن الجامعي لمدرسي جامعة صنعاء يعيش أساتذة كبار يضاهون بصلابتهم جبال عطان وعيبان ونقم، وهم يواجهون هدف العدوان في تعطيل التعليم الجامعي، ويتحدون وضعاً اقتصادياً هو الأسوأ على مستوى العالم وللعام الخامس على التوالي. دخلت إلى منزل أحد الأساتذة الأجلاء فوجدت أن هذا الدكتور لديه حفيدة لم تتجاوز العام الأول وقد أصيبت بتدهور السمع إلى نسبة 90 بالمائة جراء غارات العدوان على الفرقة الأولى مدرع، وبات غير قادر على توفير سماعة طبية لها. إنه أمر محزن، لكن الدكتور يحتفظ بكبريائه ويصر على القيام بواجب الضيافة، فرفضت ذلك بشدة ولم أتح مجالا للنقاش. قلت له بكل أدب: لقد حضرت على عجل فأنا مرتبط بدورة تدريبية وعليَّ العودة فورا... فكان كلامي مقنعا له.
مازال الدكتور يقوم بواجبه في تدريس طلاب كلية الهندسة بكل أمانة وإخلاص، غير منتظر جزاء ولا شكورا، في حين فر أكثر من 30 دكتورا من مختلف كليات جامعة صنعاء إلى خارج البلاد أو التحقوا بصفوف مرتزقة العدوان، لأسباب 90 بالمائة منها سياسية ولا علاقة لها بالوضع الاقتصادي.

جامعة صنعاء صامدة
يقول الأستاذ الدكتور محمد الفقيه، أستاذ الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة صنعاء، لصحيفة "لا": "جامعة صنعاء كانت المؤسسة الأم في التعليم العالي، وانهيارها سوف يؤدي إلى انهيار الجامعات اليمنية الحكومية والخاصة، ولذلك تكاتفت جهود قيادات هذه الجامعة وأكاديمييها وأعضاء هيئة التدريس فيها وإدارييها وطلابها، واستمرت العملية التعليمية رغم العدوان الذي طال البنى التحتية والمعامل والجامعات والعملية التعليمية برمتها، ووصل الأمر إلى قطع رواتب أعضاء هيئة التدريس والإداريين في هذه الجامعات. وكان المتوقع من هذا أن تتوقف العملية التعليمية في هذه الجامعة، لكن كلنا نعرف صلابة المواطن اليمني وإصراره على استمرار الحياة رغم الحرب الظالمة. وأساتذة الجامعة وطلابها هم فصيل من فصائل هذا الشعب الصامد الذي لا ينهار، وكلما زاد الحصار زادت صلابته وإصراره على استمرار العملية التعليمية والحياة بشكلها الطبيعي، بل زاد الإنتاج، ونحن نلاحظ استمرار العملية التعليمية وتخرج الكثير من الدفعات والإقبال على التسجيل واستمرار الدراسات العليا ومناقشة الكثير من الرسائل وأنشطة مختلفة في جامعة صنعاء، وهذا بفضل تكاتف قيادة الجامعة وأساتذتها وطلابها".

البديل قانوني وبالدرجة الأكاديمية نفسها
تحاول جامعة صنعاء لملمة ما تبعثر من مجالسها الأكاديمية جراء فرار بعض الأساتذة والتحاقهم بجامعات خارجية في دول العدوان، وبعضهم ذهب للعمل في جامعة عدن تحت سلطات الارتزاق والعمالة، يوجههم هدف واحد، هو تعطيل الدراسة في جامعات صنعاء وعمران وذمار، بأوامر وتوجيهات حزبية وأهداف وأسباب سياسية بحتة.
يقول الدكتور الفقيه إن هؤلاء الذين فضلوا الهروب أغلبهم لأسباب سياسية واستدعتهم أحزابهم والمصالح الحزبية الضيقة ليعملوا على وقف العملية التعليمية، والبعض منهم كان في الخارج متفرغا ولم يعد بانتهاء تفرغه أو باستدعائه، للظروف التي يعيشها الوطن. هؤلاء اتخذت بحقهم الاجراءات القانونية الكفيلة بردعهم، والكثير منهم تم الرفع بهم من قبل مجالس الأقسام إلى مجالس الكليات ثم المجلس الأكاديمي إلى مجلس جامعة صنعاء، ومن تجاوز سنوات تفرغه ولم يعد بعد إبلاغه اتخذت ضده الإجراءات وتم فصله، وهناك الكثير من الكفاءات التي تنتظر التعيين ويتم إحلال بدل هؤلاء من التخصص نفسه والدرجات العلمية نفسها، وليس هناك أي تعسف بحق هؤلاء، وتتم وفق الإجراءات القانونية المنصوص عليها في اللوائح والقوانين المنظمة للعملية التعليمية في جامعة صنعاء والجامعات الحكومية.

حكومة الارتزاق تنقل 33 أكاديميا إلى عدن
في 30 أبريل 2019 أصدر وزير التعليم العالي في حكومة العميل هادي قراراً بنقل 33 دكتورا أكاديميا من جامعتي صنعاء وذمار إلى جامعة عدن، للتغطية على فرار هؤلاء من أداء واجبهم الوطني في تدريس الطلاب، وتعمدهم الاستجابة لضغوط العدوان ومرتزقته لتدمير العملية التعليمية في صنعاء ومناطق سيطرة المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ الوطني.
33 أكاديميا لا يشكلون رقماً صعباً من قوام أعضاء هيئة التدريس الصامدين في مواجهة العدوان منذ أربع سنوات ونيف يؤدون رسالتهم رغم الظروف الاقتصادية الصعبة. لكن الدكتور علي العسلي اعتبر صدور هذا القرار بمثابة التمهيد للانفصال، وقال إن أغلب المنقولين هم من المحافظات الجنوبية وممن استلموا رواتبهم بشكل مبكر كنازحين، وعندما أنذرت جامعة صنعاء المنقطعين سارعوا بالعودة إلى نيابة الشؤون الأكاديمية بجامعة صنعاء ورتبوا أمورهم في الجامعة ولم يكونوا ضمن المفصولين وبقي أغلبهم يدرس بجامعة صنعاء ولم يتعرضوا لأي أذى أو مضايقة أو مطاردة، وهذه شهادة من الدكتور العسلي الواقف ضد أنصار الله.

نماذج أكاديمية مشرفة
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في كلية الإعلام، الدكتور محمد الفقيه، أن "الأوضاع الاقتصادية كمبرر موجودة وهناك من اضطر للعمل في جامعات أو مهن أخرى لظروف اقتصادية، فالبلاد كلها تعيش في ظل عدوان عسكري واقتصادي"، مشيرا إلى أن بعض الأساتذة كان يعتمد اعتماداً كاملاً على مرتبه ولا يستطيع أن يواجه متطلبات الحياة وإيجار المسكن وطلبات المدارس والحياة بدون راتب، وبالتالي فقد ذهب البعض للعمل في جامعات خاصة، "وهؤلاء نلتمس لهم العذر، لكن لا يترك الإنسان الواجب الأساسي، الذي هو شكل من أشكال الجهاد، ونحن كأساتذة جامعة ونخب أكاديمية لا نملك إلا العقول والأقلام التي نجاهد بها ونقف ضد ما يعانيه الوطن من ظلم وحصار، ويجب أن نعلم أن هناك نماذج مشرفة تركت العمل في الجامعات الخارجية وعادت للعمل في جامعة صنعاء متحملة قلة وانعدام الراتب وتؤدي دورها على أكمل وجه".