محمد الحسني / لا ميديا
يلجأ إبراهيم حسان، ومعه العشرات من أبناء محافظة إب، إلى استخدام شبكة اتصالات غير مشروعة لتنفيذ مكالماتهم إلى دول عربية وأخرى أجنبية، وبتكلفة تصل إلى 20 ريالاً للدقيقة، وتخفيض يصل إلى 90% عن الاستخدام المعتاد والمشروع لخدمة الاتصالات الدولية.
يقول إبراهيم حسان إنه تلقى العرض الأول لاستخدام هذه الشبكة في منتصف العام 2013 عبر صديق له يعمل في أحد محلات الإنترنت وسط مدينة إب. في البداية كان الأمر غريباً ومخيفاً بعض الشيء. يقول إبراهيم إن (الظروف الاقتصادية والتكلفة العالية للاتصالات الدولية من قبل شركات الاتصالات اليمنية جعلت المكالمات المهربة منفذاً لنا، وجعلت استخدامها أمراً مستساغاً). واعترف بأنه يستخدم هذه الشبكة في فترات متباعدة للتواصل مع والده العامل في الولايات المتحدة الأمريكية.
مليون دقيقة دولية
في ظل الظروف الراهنة لم تعد المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية وشركات الاتصالات في اليمن بمأمن من قراصنة تمرير المكالمات الدولية، فهي الآن تنتشر وبشكل موسع في المدن الرئيسية، وتستخدم تقنيات حديثة يصعب اصطيادها والكشف عنها من قبل المؤسسة.
أزمة جديدة من نوعها تكبد الاقتصاد اليمني خسائر فادحة في مجال الاتصالات، يلجأ إليها العشرات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
أكثر من 50 ألف دولار يومياً ومليون دقيقة دولية تخسرها شركة الاتصالات اليمنية بسبب تهريب أو تمرير المكالمات الدولية.
76 مليار ريال خسائر الاتصالات اليمنية من التهريب
يتحدث منصور البكالي هاتفياً ولمدة نصف ساعة أسبوعياً إلى المملكة العربية السعودية بمبلغ 500 ريال يمني (دولار واحد) عبر شبكة اتصالات تقوم بتهريب وتمرير المكالمات الدولية. يقول منصور إن هناك سماسرة يقومون باستقطاب المواطنين لإجراء مكالمات دولية عبر شبكة اتصالات خاصة، وقال: (في البداية تحدث معي شخص عن تواصلي مع والدي وعن التكاليف الباهظة لهذه المكالمات، وتحدث معي عن معرفته بطريقة وشبكة اتصالات تقدم نفس الخدمة وبتخفيض يصل إلى 70%، في البداية قدمت له رقمي ورقم والدي ودفعت مبلغاً بسيطاً مقابل الاتصال، وفعلاً تحدثت لأول مرة مع والدي لمدة نصف ساعة وبمبلغ 500 ريال فقط).
ويكشف تقرير صادر عن وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، طرق تمرير المكالمات الدولية وتهريبها، والخسائر الفادحة التي لحقت بالاقتصاد الوطني بعد أن ارتفعت نسبة المكالمات والخسائر خلال الفترة 2013-2017 مقارنة بالأعوام السابقة إلى 76 مليار ريال حسب الوزارة.
السبب في تفاقم هذه المشكلة، حسب المهندس صلاح أبكر، يعود إلى توسع عمل مهربي المكالمات الدولية من الهواتف الثابتة إلى الهواتف النقالة، بعد أن كانت مقتصرة على الأولى.
تحدث أبكر بأن عمليات القرصنة أو تمرير المكالمات الدولية تتم عبر قيام مهربي المكالمات باختراق أنظمة وسيرفرات المكالمات الدولية عبر أجهزة حديثة ومتطورة تستقبل آلاف المكالمات في نفس الوقت.
تمرير المكالمات عبر شبكة الإنترنت
يوضح المهندس سليم الكباسي أن معنى تمرير المكالمات الدولية هو أن لكل دولة شبكة اتصالات خاصة وموجات بعدد معين، وتمرير المكالمات أو تهريبها يعني تحايل شركات خاصة وقراصنة على الشبكة الخاصة بالدولة عن طريق وصلات مرتبطة بجهاز سيرفر من خلال شبكات الإنترنت وخطوط التليفون الأرضي.
ويضيف أن تمرير المكالمات الدولية يتم عن طريق وضع سيرفر الإنترنت، وبعد ذلك تتم الاستعانة بمجموعة من الشرائح والخطوط الهاتفية، ومن ثم يتم تحويل المكالمات إلى أرقام محلية بواسطة بروتوكولات وأجهزة خاصة، وأن أغلب المكالمات يتم بواسطة الإنترنت، مما يصعب كشفها.
المهندس مجدي الحرازي أوضح أن تهريب المكالمات الدولية ينقسم إلى قسمين: تهريب المكالمات الصادرة التي يتم تمريرها عبر شبكة الإنترنت بوسائل وأجهزة مختلفة تعمل على تمرير مكالمات دولية إلى خارج اليمن، وتهريب المكالمات الواردة إلى اليمن، ويتم عبر بروتوكولات الإنترنت وتقنيات حديثة ساعدت على تمرير المكالمات وتجاوز البوابات الدولية الرسمية التي تقدم خدمة الاتصالات الدولية أو تشرف عليها، وسواء كان ذلك عن طريق الإنترنت أو عبر وصلات الأقمار الصناعية.
أجهزة التهريب متوفرة
الظاهرة بدأت العام 1998 بـ200 ألف دقيقة في اليوم، لتصل في 2003 إلى أكثر من مليون دقيقة يومياً. وزارة الاتصالات لم تكشف هذه الظاهرة إلا في 2010 عندما تم القبض على شبكة تهريب وتمرير المكالمات الدولية في أحد أحياء العاصمة صنعاء. الشبكة اعترفت ووفقاً للمضبوطات باستخدامها (12 جهاز سوتشات وراوترات) الموجودة في السوق اليمني بدون أدنى رقابة، وتستخدم أجهزة مثل call roter وVOIP وVSAT وlink... وأجهزة أخرى متوفرة في السوق اليمني، في عمليات تمرير وتهريب المكالمات الدولية.
وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات قدمت في يونيو الماضي عرضاً متكاملاً إلى مجلس الوزراء، يوضح حجم الخسائر التي لحقت بقطاع الاتصالات في اليمن بسبب تمرير المكالمات الدولية. وبين التقرير أن عدد الدقائق المهربة بلغ 466 مليون دقيقة بقيمة 44 مليون دولار خلال العام 2016، و383 مليون دقيقة بقيمة 42 مليون دولار خلال النصف الأول من العام 2017.
مجلس الوزراء وافق على لائحة مقدمة من الوزارة تحدد العقوبات والمخالفات والغرامات الخاصة بقطاع الاتصالات، ومنها تمرير المكالمات المهربة.
الجدير بالذكر أنه لا توجد مواد في قانون العقوبات تنص على الجرائم الإلكترونية، ومنها تمرير وتهريب المكالمات الدولية.
صعوبات تواجه (تيليمن)
شركة الاتصالات (تيليمن) عجزت عن القضاء على هذه الظاهرة والحد منها، خصوصاً بعد دخول شركات الهاتف النقال في مجال الاتصالات الدولية، واعتماد أغلب مهربي المكالمات على تمرير مكالماتهم من خلال الهاتف النقال، عوضاً عن صعوبة احتواء السيرفرات والبروتوكولات لارتباطها بالإنترنت.
وكانت شركة (فرانس تيليكوم) الفرنسية المشغل الدولي للاتصالات الدولية، قد فشلت في تطوير ورفع إيرادات شركة (تيليمن) بعد التعاقد معها في العام 2004 وحتى العام 2010، بسبب نمو ظاهرة تمرير المكالمات الدولية، وعدم وجود ضبط قانوني للمخالفين حينها.
الجدير بالذكر أن وزارة الاتصالات أعلنت في ديسمبر الماضي القبض على 90 شخصاً متهماً بتهريب المكالمات الدولية، ليصبح عدد العصابات المتهمة بتهريب المكالمات والتي تم القبض عليها، 6 عصابات.
المصدر محمد الحسني / لا ميديا