الســــقـــوط فــي هــاوية ثقــب أســـــود
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / عصام العامري
(المقاومة) البوابة الرئيسة إلى داعش وحلقات التحفيظ ومساجد الإصلاح بنوك ترفد الدورة الدموية للإرهاب
بعض المغرر بهم نجوا وكثيرون أعدموا بتهمة الردة والعشرات مخفيون قسرياً
بشَّـــرت الوهابيــة والريـالات السعوديــة شبـــاب الجنــوب وتعــز بالصعـــــــود إلـى الجنــة
الســــقـــوط فــي هــاوية ثقــب أســـــود
(إما الشريعة أو الشهادة) إنه شعارٌ وقانونٌ أيديولوجي، لجماعةٍ ترفض الحياة مقابل الخلود في جناتٍ نعيم ليطوف عليهم ولدانٌ مخلدون كما يصف لسان حالهم.. ففي هذه الجماعة شبانٌ رمى بهم القدر في أحضانها ليجدوا أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر (إما داعش أو الموت)، بعد أن تم تحشيدهم والتغرير بهم لمحاربة وطنهم وتمزيق النسيج المجتمعي، معتقدين ذلك دفاعاً عن الدين والدولة.
فأصبحوا سماً ناقعاً نفثته دول العدوان في صدر اليمن، حاملين فوق رؤوسهم الرايات السوداء، منشدين الموت في سبيل العدوان لا الحَيَاة.
لتأتي بعد ذلك صحوتهم ورفضهم للانصياع خلف جماعة لا تعرف من الحق سوى الموت، فخُيروا بالبقاء أو القتل.
الولاء لداعش
في خضم الأحداث التي شهدتها البلاد من اضطرابات أمنية وسياسية واسعة مع التوتر المتصاعد، أعلن تنظيم (أنصار الشريعة ـ القاعدة)، في فبراير 2015م، عن قيام ولاية (عدن أبين)، متعهدين بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لتصبح عدن مرتعاً واسعاً لهذه الجماعة التي استطاعت تجنيد شبابها لمواجهة الجيش الوطني واللجان الشعبية، زاعمين بأنهم يقاتلون المجوس الروافض أعداء الدين، حد قولهم.
فبعد الحرب التي شنتها مملكة العدوان على اليمن، استطاعت هذه الجماعة خلال شهري أكتوبر ونوفمبر من العام 2015م، استقطاب 2245 شخصاً من أبناء مدينة عدن، بدعم وتمويل من الإمارات والسعودية، واستخدمت هذه الجماعة طرقاً وأساليب عدة لأدلجة الشباب وضمهم إلى صفوفها، تارةً استقطاباً عن طريق حلقات التحفيظ في المساجد التابعة لحزب الإصلاح وتعليمهم الجهاد في سبيل نصرة الإسلام ليتوفر فيهم الميول الديني والطائفي لهذه الجماعات، وأخرى باستغلال الأبعاد المناطقية، والحالة الاقتصادية المتدنية.
هكذا يتم استغلال حاجة الشباب وتعبئتهم بما يتواءم مع عقائد هذه الجماعة وتحركاتها، ليتحول الشباب من طاقة بناءة الى أدوات ليس لهم من أمرهم شيء، فمن أراد منهم مغادرة الجماعة والعودة للحياة الطبيعية، يلقى السيف في انتظار عنقه، والانسحاب منها يعد ردة، وعقوبته القتل، كما حصل مع كثير من الشباب الذين تم الزج بهم من قبل قوات المرتزقة إلى صفوف داعش، فمنهم من استطاع الفرار خارج البلاد، ومنهم من أجبر على مواصلة حياته كداعشي، ومنهم من قُطع رأسه عن جسده جزاءً بما سولت له نفسه طلب في العيش بعيداً عنهم.
ولا يقتصر هذا الأمر على عدن فقط، فنظيرتها تعز ليست ببعيد، وجماعة (حماة العقيدة) هي الشقيقة الصغرى لـ(أنصار الشريعة) صنيعة مدارس الوهابية.
بين نعيم الجنة المزعوم ومقصلة الردة
بعد أن تلطخت يده بدماء ضحاياه، يقول عمار )اسم مستعار)) ٢٨ عاماً)، إنه أفاق من كابوس جثم عليه لمدة عام ونصف، بعد أن انضم لأحد فصائل ما تسمى المقاومة في عدن، بأمر من قيادات عسكرية موالية للفار هادي.
لم يكن يعلم حينها أن ذلك الفصيل أحد مكونات تنظيم داعش، فكل العناصر كانوا يرتدون زياً عسكرياً كالعادة، إلا أن اللحية الكثة كانت مميزة لأفرادها، فبعد مضي بضعة أيام انخرط عمار مع الأفراد بصداقة حميمة، ليبدأ تجاوبه مع الأفكار والأقوال التي ظل يسمعها من زملائه. يقول عمار: بعد فترة وجيزة أصبحتُ أمتلك لحية كثة أسوة بزملائي، وبدأتُ بحفظ الأحاديث والأقوال التي أسمعها منهم، حتى أصبحت أشعر بشيء في نفسي يحثني على القتال غيرة على ديني الذي استباحه الشيعة، فهم العدو الأكبر لسنة نبيّنا، وباعتبارهم كفاراً يجب قتالهم، وبعد أن تأدلجت أكثر معهم اصطحبني 3 من الأفراد إلى مديرية المعلا، وأدخلوني إلى مسجد يعرف باسم (مسجد الصومال)، وهو أحد المساجد التابعة لحزب الإصلاح، فزاد الشك والحيرة في نفسي من أمرهم، إلى أن اقترب مني أحدهم ليهمس لي مباركاً ومهنئاً على نيلي الثقة وحب الله لي أن جعلني أحد المجاهدين في سبيله.
وأضاف عمار: لم أستطع أن أرفض أو حتى أوافق، فقد كان الصمت يخيم عليَّ، ولم أكن وحدي حينها، فقد كان هناك شخصان متربعان في إحدى زوايا الجامع، علمت ذلك عندما قال أبو إبراهيم تعال لتتعرف على إخوتك فهم مثلك ما زالوا حديثي العهد في الجماعة، وبعد ذلك بدأنا نأخذ المحاضرات لتعلم الشريعة وإقامة حدود الله بين الناس في فترات متقطعة بين فواصل مواجهتنا مع (قوى الشمال)، على حد تعبيره.
ويكمل عمار حديثه: استمر بنا الحال في تزايد مستمر لإعداد المجاهدين في المربع الذي يقوده الأمير أبو إبراهيم، حتى وصل العدد إلى 230 مجاهداً، أغلبهم من أبناء الضالع وأبين، وأثناء الحرب وقع الكثير من الأسرى بين أيدينا، لم أكن مسؤولاً عن الأسرى، فمن المقرر تسليمهم للقيادة، لكني صعقت بتوجه 5 مجاهدين نحو الأسرى، وبأيديهم السكاكين لقطع أعناقهم، كان ذلك المشهد مؤلماً جداً، وأحدث تأثيراً في نفسي حتى بدأ الخوف والقلق يتسلل إلى داخلي.
بعد أن أحس عمار بخطورة هذه الجماعة التي استطاعت أن تجنده والكثير من أبناء الجنوب، اتخذ قراراً كاد أن يوصله الى حتفه المحتوم، فبعد أن أبلغ أمير الفصيل أنه ينوي تسليم سلاحه وترك ساحة القتال، ليأتيه الرد بتحذير من مغبة ما قد يقدم عليه لما تحمل هذه الجماعة من معتقد أن من يتركهم مرتدٌّ عن الدين، حينها علم عمار أنه بورطة قد تنهي حياته، وليس بوسعه شيء حتى تأتيه الفرصة السانحة بالهرب، ولعلمه بحجم المنطقة التي تسيطر عليها الجماعة، فلا مكان سيؤويه سوى الهروب إلى خارج البلاد، واستمر معهم حتى أتته الفرصة، بعد أن خرج مع مجموعة عددها 10 مجاهدين، في دورة استكشاف، فتسلل منهم لينجو بنفسه إلى قاربٍ يقله إلى جيبوتي، ومن هناك انتقل إلى إحدى دول الخليج، بمساعدة من أحد أقاربه، للعمل وممارسة حياته الطبيعية.
لم يقتصر الأمر على عمار وحده الذي حالفه الحظ بالهرب، فهناك الكثير من الشباب الذين تم إدراجهم في صفوف داعش بأوامر عسكرية تابعة لقوى العدوان، بعد أن تم تجنيدهم في صفوف المرتزقة.
العدوان أم داعش
قصة إدريس (اسم مستعار) العشريني ليست كسابقه، فهو لم يكن يؤمن بهذه الجماعات وبأفكارها، إلا أنه عاطلٌ عن العمل، ويعاني من الفقر وسوء المعيشة، فكان طلب التجنيد في صفوف المرتزقة من أجل المال، هو الدافع الأول.
لم يكن يعلم حينها ما هي الأسباب ولا الدوافع التي ستجعل منه قاتلاً بلا رحمة.
بعد أن استطعنا خلال التحقيق إرسال أحد أقربائه للحديث معه، يقول إدريس: لم أكن أرغب في شيء سوى المال الذي حُرمت منه، فشعوري بالفشل والبطالة سيئ، ويجعلني بلا قيمة بين الناس، وعندما فاتحني أحد أبناء الحي الذي أقطن فيه حول رغبتي في التسجيل للقتال، سألته فوراً كم الراتب، فقال 2000 ريال سعودي، هرعت إليه مطالباً بتسجيل اسمي برأس القائمة، وبعد مرور 8 أشهر من التحاقي في الجماعة قتل صديقي أمامي، لأنه قرر ترك الجماعة والرجوع إلى أهله دون عودة، فقتلوه بتهمة الردة والخيانة، وقال: أما أنا فلم أعد أستطيع المواصلة معهم حتى استطعت الفرار إلى جيبوتي بعد إصابتي بطلقٍ ناري في قدمي اليسرى، وأضاف أن كثيرين حاولوا الهروب من هذه الجماعة، منهم من نجا، ومنهم من قتل، ومنهم من واصل معهم رغماً عنه.
وأشار إدريس في حديثه إلى القوة التي تمتلكها الجماعة من ترسانة أسلحة مهولة بعد أن تم تسليمها قاعدة العند، بالإضافة إلى الأسلحة التي قُدمت لهم من أمريكا بتمويل سعودي.
حلقات التحفيظ سكاكين الموت
سيناريو التهديد الذي طال الكثير من أبناء عدن بعد أن أقحمتهم دول العدوان في مستنقع التطرف والإرهاب لمصالح سياسية حقيرة، لم ينتهِ حتى اللحظة، فهناك الكثير من القصص عن شباب جلبتهم حلقات التحفيظ من المساجد إلى مقرات حزب الإصلاح لينتهوا في أحضان داعش.
أحد المراقبين -فضل عدم نشر اسمه- أفاد أن معظم الشباب المستقطبين إلى صفوف داعش باليمن عن طريق حلقات التحفيظ التابعة لحزب الإصلاح، تم إدراجهم في جماعات تقودها شخصيات متشددة تتلقى دعمها بشكل مباشر من السعودية، التي تسعى لتنفيذ مخطط مخيف وسيناريو جديد بعد فشلها الذريع في اليمن.
وأضاف أن الشباب ليس لديهم دراية أو علم بالمخطط الذي يحاك، وأن من يتولى قيادتهم وتسليم مخصصات الدعم لهم شخصيات أمنية تتلقى أوامرها من بارجة بحرية تابعة لدولة الإمارات، وبمشاركة سعودية.
وفي أحداث الحرب التي طالت عدن جعل الشباب يفرون إلى داعش كونها من ستوفر لهم السلاح والقوة، بيد أن العنف الممارس في هذه الجماعة لم يكن مقبولاً من جانب الشباب الذين ما زالوا حديثي العهد، مما جعلهم يفرون، وهروبهم ليس من مصلحة داعش أو حتى دول العدوان لما يحملون من معلومات سرية تخص هذه الجماعة وسياساتها، وهذا ما يجعل التهديد الذي قد يصل الى القتل في ما إذا وقع أحدهم في يد الجماعة، يزداد نسبياً.
وقد وصل عدد المجاهدين الذين تم إخفاؤهم قسراً إلى ٣٠ مجاهداً سبق أن جندوا في صفوف المقاومة.
وأشار المصدر إلى أن هناك بلاغات من أهالي عدن لرجال الأمن تفيد باختفاء أبنائهم ورسائل نصية تتوعد أُسر وأهالي الشباب الذين فروا بالقتل إذا ما سلموا أنفسهم لداعش.
دعشنة عدن طعمٌ دولي
لم يكتفِ العدوان ولا مرتزقة هادي بزج أبناء عدن للموت، بل يريدون إدخالهم والبلاد في مستنقع داعش والجماعات الإرهابية، لتبقى عدن حاضنة لهم، ونزيف الدم الذي وصل لكل منزل، مسلسلاً لا تنتهي حلقاته ولا أجزاؤه.
ومع ما يمكن أن تقدمه تلك الأحداث من مؤشرات نظرية قد تقربنا أكثر إلى تقرير مجموعة حقائق، ظلت تطلق بين الحين والآخر كشكوك أو افتراضات، إلا أنه يتوجب علينا مهنياً التوقف أولاً عند السؤال الجوهري: إذا كانت الظروف الخاصة في سوريا فرضت ظهور داعش، فما الذي يدعو إلى ظهوره في اليمن؟
ويزيد من أهمية طرح مثل هذا التساؤل، أن دول العدوان التي أرادت انتشار داعش في عدن وتعز وصولاً إلى باب المندب والمخا، ليصبح خطرهم يهدد الملاحة الدولية، والتي في ضوئها يجلب التحالف الدولي ويشركه في العدوان على اليمن، فيكون الضحية أبناء تلك المناطق التي انصاعت لهذا المخطط دون علمها بذلك.
تأثير داعش على مناطق نفوذه لم يستثنِ أطفالاً ولا نساءً ولا شيوخاً، وقد أصبحت الضحية منهم وفيهم، فيما يقف مرتزقة الرياض والفار هادي مستمتعين بعجلة الأحداث والمبالغ التي ستجنى من دماء اليمنيين.
المصدر صحيفة لا / عصام العامري