في أكثر حالة سجال إعلامي بجاحة، تبادلت وسائل إعلام خليجية ادعاءات وتخرصات مضحكة حول الجذور التاريخية لجزيرة سقطرى اليمنية، بصورة تبدو مضحكة أكثر من كونها وقحة.. فعلى الرغم من أن مجرد الحديث في مثل هذه المواضيع يعد مضيعة للوقت بالنسبة للوعي الوطني والتاريخي اليمني والعالمي الذي يعي حقيقة أن كل دول الخليج هي محض نتوءات قشرية لليمن الكبير، إلا أن كل ذلك لا يمنعنا من تسليط الضوء حول الهوان الذي أفضى بمثل تلك الدول إلى سوق الزيف بهذا الكم من البجاحة والتجرؤ على مهد التاريخ الإنساني ككل، الذي ما كان ليبدأ بعيداً عن التاريخ اليمني..
الإمارات.. قفاز بريطانيا الذي لا يخجل
حين يكون الحديث عن الإمارات يمكننا جميعاً التحدث عن كل شيء، بدءاً بالأبراج العاجية وانتهاءً بملاهي الليل وأسواق البورصة، لكن -قطعاً- ليس بمقدور أحد الجمع بين التاريخ والإمارات تحت عنوان واحد، ويكون الحديث واقعياً؛ فالإمارات طفرة زجاجية على الصحراء القاحلة، وبمقدور دراهمها أن تخلق أشياء عجيبة إلى حد ما، ولكن ليس الى الحد الذي يدفع الباحث والمؤرخ الإماراتي جمعة الجنيبي إلى زعم (أن أصول الأسر السقطرية يعود للإمارات، وأن العلاقات بين الإماراتيين والسقطريين علاقات قديمة بسبب المصاهرة والنسب، وبأن الكثير من الأسر الإماراتية هاجرت الى سقطرى قديماً).. لا نعلم أي قديم هذا الذي بمقدوره نفي أن الإمارات لم تكن على خارطة العالم الى قبل 50 عاماً.
فالأمر هنا لا يتعلق بالدراهم وحدها، فالدراهم والأموال والأحلام لا تطمر الحقائق، سيما التاريخية منها، فكيف بحقيقة تاريخية بحجم جزيرة سقطرى التي كان يكفي أن تحمل هذا الاسم اليمني الحميري المهري، لتنجو من هذا الزيف المضحك, الذي لم تحمل ملامح قائله أياً من ملامح الدعابة، بل الحمق، كيف لا وهو لا ينبس إلا بمقدار ما تتيح له المشيئة البريطانية التي يغلف مزاعمه السخيفة بمطامعها الاستعمارية الكبرى بالمنطقة!
وكان الباحث الإماراتي جمعة الجنیبي قال خلال مداخلة مع إذاعة یمنیة تبث من الإمارات، إن الأسر السقطریة نسبها إماراتي، وزعم أن العلاقات بین الإماراتیین والسقطریین لها تاریخ قدیم بسبب المصاهرة والنسب، والكثیر من العائلات الإماراتیة هاجرت لسقطرى مثل المزاریع والجنیبي وحمران والمناصیر والعوامر.
والغريب أن الأمر لم يقتصر على الباحث أعلاه، ولكن تفاقم الأمر ليصيب إعلاميين آخرين، فقد طالعتنا في مطلع الأسبوع المنصرم على قناة (سكاي نيوز) الإماراتية إحدى الحالات المرضية المشابهة، والتي تنطعت بالمطالبة بإجراء استفتاء شعبي لتقرير مصير الهوية السقطرية، ولكن ليس بين الفقاعة المسماة إمارات واليمن، لا، ولكن بينها وبين دولة عُمان الشقيقة..

عمان.. مغازلة غير مقبولة
سلطنة عمان -القفاز البريطاني البديل- يبدو أنها تأثرت هي الأخرى بمتلازمة فقر التاريخ الحاد الذي يصيب الخليج بين فينة والأخرى، وهرعت من خلال إذاعة محلية شارك فیها عضو مجلس الدولة العماني الدكتور إسماعیل الأغبري، الذي أكد أن وجود بلاده في سقطرى (قدیم)، وأوضح خلال مداخلته مع الإذاعة أن (العمانیین في سقطرى متواجدون منذ ما قبل القرن السادس الهجري)، مشیراً إلى أن من (یقرأ التاریخ یجد التواصل العماني مع سقطرى منذ ذلك الوقت)، ولفت إلى أن وجود العمانیین تعزز في سقطرى إبان حكم الوالي العماني الجولندا بن مسعود، الذي (حررها)، مشدداً على أنه لا یمكن الجدال بشأن الجذور الضاربة للقبائل العمانیة في سقطرى، إلا أنه عاد مغازلاً للقول: (عمان والیمن كانتا دولتین أصیلتین في الجزیرة العربیة، وما عداهما یعد محدثاً). 


ردود الفعل الرسمية والمحلية
في الجانب الرسمي الوطني تنبهت القيادة الوطنية مبكراً لمثل تلك المشاريع، أولاً من خلال موقفها العام المقاوم لكل أشكال الاستعمار الصهيوأمريكي بقفازاته الخليجية القذرة؛ وثانياً من خلال موقفها مما يجري في مناطق الجنوب اليمني مؤخراً، بما في ذلك جزيرة سقطري، حيث عينت القيادة السياسية في الآونة الأخيرة محافظين جدداً لتلك المحافظات، بما فيها سقطرى، كإشارة واضحة لملامح القادم المقاوم والمتمسك بسيادة البلاد كاملة، وهو الموقف الذي لا يشبه بأي شكل حالة الخنوع والاستلاب الذي تظهره سلطة الفنادق ومرتزقة البلاط أو ما تسمي الشرعية..
وعلى الصعيد الشعبي فقد أثارت تلك المزاعم حفيظة شريحة واسعة من اليمنيين، سيما وهم يعيشون حرباً ضارية في سبيل وحدة الأرض والهوية، حيث وصف نشطاء تلك التصریحات الإماراتیة بأنها (اعتداء على الهویة الیمنیة وتزویر للتاریخ). وقال ناشط یمني: (القبائل الإماراتیة التي ذكرها الجنیبي قدمت إلى الیمن قبل 3 أعوام، مع مشاركة الإماراتیین في الحرب وسیطرتهم على الجنوب).
ونشطت الإمارات خلال الآونة الأخیرة في سقطرى والمهرة شرقي الیمن، والتي تقع بمحاذاة سلطنة عمان، الأمر الذي أثار العدید من المخاوف لدى مسقط تجاه النوایا الإماراتیة. وكشفت مصادر عن قیام أبوظبي بتجنید نحو ألفي شاب من المهرة و500 ألف جندي من سقطرى، الأمر الذي أثار توجسات لدى عمان التي كشفت قبل أعوام عن خلیة تجسسیة لأبوظبي على أراضیها.
وكان موقع (إنتلیجنس أون لاین) الفرنسي ذكر أن الإمارات حولت جزیرة سقطرى إلى منطقة عسكریة، وكثفت الجهود في الفترة الأخیرة لبسط نفوذها علیها بالكامل، وسیطرت على كل الموانئ والمطارات، وبدأت في تسییر رحلات جویة دون موافقة ما يسمى الحكومة الشرعیة الیمنیة. وأوضح الموقع أن الإمارات بدأت في بناء قاعدة عسكریة ضخمة مشابهة لقاعدة أمریكیة في جزیرة سان دییغو وسط المحیط الهادي، والتي أفرغت واشنطن منها سكانها بالقوة في ستینیات القرن الماضي.

ختاماً..
سكان سقطرى يتميزون في عمومهم بعدم التنافر العرقي، أي أن هرطقات تقاسمهم لن تجدي نفعاً مهما بلغت سطوة العقال الخليجي، إذ تشير الدراسات إلى أنهم ينحدرون من سكان الحميريين واليمنيين النازحين من المهرة وأفريقيا، وبالرغم من أنها تعاقبت على هذه الجزيرة موجات من البرتغاليين والرومان من قبلهم بهدف احتلالها، فضلاً عن الإنجليز الذين جاؤوا مؤخراً عام 1956م، إلا أن ذلك لم يشكل في حد ذاته تبلور مجموعات سكانية مميزة ولها طابعها الخاص بها. وهذا يشير إشارة واضحة إلى أن جزيرة سقطرى تشكل في عموم سكانها أصولاً يمنية خالصة، الأمر الذي يمنح هذا الإقليم عنصر قوة جيويولجكية يضاف لبقية العناصر السالفة الذكر.
تعود أصول سكان جزیرة سقطرى إلى مهرة بن حیدان، كما جاء في كتاب لسان العرب للهمداني، وقبائل حميرية، وهناك بعض العشائر یعود أصلها إلى حضرموت. وكانت جزیرة سقطرى عاصمة للسلطنة المهریة إلى عام 1967، حیث سقطت بید أفراد من الجبهة القومیة للتحریر القادمة من الیمن، وضُمت إلى الیمن الجنوبي، ثم إلى الجمهوریة الیمنیة.