يوماً بعد يوم يظهر الجنوب تابعاً وذيلاً بمؤخرة الإمارات والسعودية، وتبرز هذه القضية بقوة من جديد فوق الطاولة بعد أن غمرتها بالآونة الأخيرة مياه التحالفات الجديدة التي ينسجها تحالف العدوان (السعودية والإمارات) مع مرتزقتها من مؤتمريي الخارج والإصلاح وفصائل الجنوب المختلفة.. ففي صورة تنم عن مدى قبح العمالة وقزامتها، خرجت أخبار بأن الفار هادي أبلغ القيادة السعودية مؤخراً رغبته في العودة إلى عدن، وأن الأخيرة أبلغته بأن الإمارات رفضت ذلك بحجة أن الوقت ليس مناسباً.. وبرز الخلاف بين شرعية فنادق الرياض والإمارات، المتحكمة بالوضع في عدن، إلى حد كبير، بالإضافة إلى كونه صورة للوضع غير المستقر في المحافظات الجنوبية.
استغل هادي سعي الإمارات لتعويض سقوط ورقة صالح بالتقارب مع حكومته ومع حزب الإصلاح بإصدار قرارات تضمنت الإطاحة بمن تبقى من وزراء ومحافظين ينتمون للمجلس الجنوبي الانتقالي الذي رد عبر قياداته بهجوم كبير على هادي من خلال الإعلان عن تأسيس (الجمعية الوطنية الجنوبية) الذي لا يعترف باليمن أو بالعميل هادي وشرعيته.
ويبرز الخلاف للسطح من خلال إطلاق أحمد عبيد بن دغر، رئيس الحكومة المعينة من قبل الرياض، الأربعاء الفائت، مؤشراً على جولة صراع جديدة مع المجلس الجنوبي وقوات الحزام الأمني التابعة له.. وخلال اجتماع حكومي عقب عودته إلى عدن، وصف بن دغر أن الاستقرار والأمن في عدن وكل المحافظات لا يمكن تحقيقه في ظل سلطات أمنية متعددة الولاء والتبعية المالية والقيادات والهياكل المتنافرة والمتناحرة أحياناً, في إشارة واضحة منه لقوات الحزام التابعة للمجلس الجنوبي الموالي للإمارات.. قبيل دخول فصائل الارتزاق في مرحلة تحالفات جديدة، استدعتها ضرورات رحيل صالح مع مؤامرته، جاءت قرارت هادي، الأخيرة، كتصفية نهائية لـ(المجلس الانتقالي) من شراكته في الحكومة والسلطة المحلية في المحافظات الجنوبية. وطالت التعيينات الداخلية، والنقل، والنفط، وهي حقائب وزارية سيادية.
وحملت الأسماء، التي أوكل هادي إليها المناصب السيادية، أشخاصاً معروفين برفضهم لسياسات الإمارات في الجنوب المحتل، وبمهاجمة مَن تسمّيهم (أدواتها) كـ(المجلس الانتقالي) و(الحزام الأمني).
أحيا الفار مؤخراً تحالف حضرموت (تحالف الجبايات). وبضوء أخضر سعودي، تعمّد العميل توجيه صفعة لأبوظبي، التي تبدو في أضعف حالاتها بعد فشل مشروع رهانها على صالح، في قلب المعادلة في صنعاء لصالح تحالف العدوان, وفي حال رجحت صوابية هذا الطرح، فإن الجنوب سيكون على موعد مع موجة صراع دموي، في حال أقدم وزير الداخلية الجديد على بدء مشروع تنسيق الوحدات الأمنية تحت قيادة وزارته. عندها، من المتوقع أن تعمد الإمارات إلى إفشال خطواته للحفاظ على ما تمتلكه من وحدات أمنية خاضعة لها. في موازاة ذلك، فإن أي مسعى لوزير النقل المعين من قبل العميل هادي، والتي تتعلق بالسيطرة على الموانئ والمطارات، ستواجهها الإمارات بقوة مماثلة أيضاً، لأن المساس بمصالحها في الجنوب يعد مساساً بأمنها القومي كما ترى.
ويبدو موقف الإمارات من قرارات هادي الأخيرة، غامضاً، على الرغم من تعليقها على قرارات مماثلة اتخذها في أبريل الماضي، أزاح بموجبها عيدروس الزبيدي من منصب المحافظ، ووزير الدولة هاني بن بريك الذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع محمد بن زايد، وهما أبرز رجالاتها في الجنوب.
في المقابل تعتبر قيادات الانتقالي قرارات هادي، بمثابة ردة فعل غير مبررة، ورأت أن الجنوب دخل مرحلة جديدة وأخيرة من المواجهة, وبحسب معلومات خاصة بصحيفة (لا) تتأهب ألوية الحزام الأمني وقوات النخبة المدعومة من الإمارات للإطاحة بتنابلة هادي من المشهد السياسي، وتمكين الفريق الإماراتي من السيطرة على قصر المعاشيق ومؤسسات الدولة وألوية الجيش المدعومة من السعودية في المحافظات الجنوبية.
اليوم، يبدو أن مسارات هذا السيناريو، تمضي كما يريده المخرج تماماً، على الرغم من أن المعركة عبر فصائل داخلية، تنفّذ المشهد بجملة من الترتيبات التي يريد كل طرف من خلالها الدق وبقوة لكسر عظم الآخر، وهو ما تؤكده وقائع الأحداث المتسارعة في الميدان، التي تشير إلى أن الاحتلال الإماراتي يسعى إلى تعزيز مكانته الحالية في المحافظات الجنوبية للجمهورية اليمنية، والمتمثل بانتزاع التركة الوهمية للرجل المريض.

مصيدة العقارب
التغيير العكسي والمفاجئ في مسار المرحلة الثانية من معركة الساحل الغربي، الذي أعلنتها دولة الإمارات في السابع من ديسمبر باسم قواتها المسلحة، على الرغم من غياب أي عناصر إماراتية مشاركة في المعركة، استخدم الجيش واللجان الشعبية عنصر المفاجأة في المعركة، وشنوا هجمات نوعية عدة على مرتزقة الإمارات داخل المدينة وفي ضواحيها، وذلك بالتزامن مع الاعتماد على سياسة حرب الاستنزاف وقطع الإمدادات التي مثلت القشة التي قصمت ظهر بعران التحالف.
وبينت الخسائر البشرية والمادية لمرتزقة الإمارات منذ بدء معركة الخوخة مروراً بمعارك شمال يختل وجبهات موزع, مدى تكلفة الفاتورة الباهظة التي دفعها المعسكر الجنوبي الذي يعمل لصالح الإمارات.
كما تعيش نظيرتها الأخرى الموالية للسعودية وضعاً صعباً في جبهة القتال بمديريتي بيحان وعسيلان التابعتين لمحافظة شبوة، حيث تتعرض لهجمات متواصلة من قبل قوات الجيش واللجان الشعبية استنفدت منها الكثير من القيادات الهامة داخل المعسكر الموجه من قبل السعودية.
ونفس الأمر يظهر بقوة هو الآخر على مستوى الجبهات الأخرى الواقعة في نطاق جغرافية المحافظات الجنوبية, وبالذات جبهتي مريس وقعطبة بمحافظة الضالع, وجبهات كرش وكهبوب وطور الباحة في محافظة لحج, والنجاح الميداني الذي طفا على السطح منتصف الأسبوع الماضي، والمتمثل بالسيطرة الكاملة لأبطال الجيش واللجان الشعبية على سلسلة جبال القرن الواقع في شعب الأوسط بمنطقة الجوازعة في طور الباحة القريبة من محافظة عدن.
وبسيطرتها على جبل القرن فرضت قوات الجيش واللجان سيطرة نارية على كامل مناطق (شعب الأوسط)، كما أن تقدمها قبل ذلك وسيطرتها على جبل الركيزة يضعها على مقربة من قاعدة العند الاستراتيجية بمحافظة لحج، والتي تعد ثاني قاعدة عسكرية لأمريكا بعد قاعدة جزيرة سقطرى في اليمن.
ويأتي مجمل تفاصيل معركة التنكيل والاستنزاف ومن ثم الاستحواذ التي تخوضها وحدات الجيش واللجان الشعبية في وجه تحالف العدوان ومرتزقتهم، وسط مخاوف كبيرة من توسع أرقام الخسائر اليومية في كشوفات العدوان ومدى فداحة الخسائر البشرية لمرتزقتهم والذين امتلأت بجثثهم مستشفيات عدن، وهو ما دفع ببعض فصائل الحراك الجنوبي للدعوة إلى سحب المجندين المرتزقة من أبناء الجنوب الذين يقاتلون نيابة عن السعودية والإمارات في جبهات الساحل الغربي وميدي والبقع والجوف ومأرب، وكذلك في الحدود السعودية اليمنية, والتي حصدت منهم المئات خلال الأسابيع الأخيرة, واعتبار هذا الأمر من قبل بعض الفصائل الحراكية بأن الجنوبيين وقعوا ضحية مؤامرة للتحالف أدت لتدمير القدرات البشرية للجنوب من خلال الزج بالآلاف من أبناء الجنوب المحتل في تلك المعارك التي ينفذها التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن. 
وبشكل يومي, تشهد المعسكرات السعودية في جيزان فرار العشرات من المجندين الجنوبيين الذين يتم استجلابهم كمقاتلين مرتزقة عبر سماسرة ومعسكرات تنشط في المحافظات الجنوبية لصالح السعودية.
وينتمي الفارون لما يعرف باللواء الأول (مكافحة الإرهاب) في منطقة بيشة بمحافظة جيزان، والذي يعد نقطة انطلاق لجبهات ميدي والبقع.
وتكشف عمليات الزج السعودي بالآلاف من المرتزقة من أبناء المحافظات الجنوبية في الحدود الشمالية لليمن, ما وصل إليه الجنود السعوديون من عجز عن مواجهة العمليات البطولية لمجاهدي الجيش واللجان الشعبية في عمق أراضيهم بنجران وجيزان وعسير.

عدن ملجأ للمرتزقة والمتمصلحين
خلال الأيام الماضية، استقبلت عدن، عدداً من قيادات حزب (المؤتمر) ومقربين من صالح، هاربين من صنعاء, لتصبح المدينة ملجأ أو محوى لاستقبال الوجوه العابرة إلى أحضان العدوان.. لم تعد عدن تعرف ملامح وجهها الحقيقي بعد تدنيسه بأقدام العابرين من كولمبيين وبلاك ووتر وجنجويد السودان وملحقاتهم من اليمنيين.
في عدن تتنامى المعتقلات السرية لقوات الاحتلال الإماراتي، والتي تمتلئ بأعداد كبيرة من أبناء المحافظات الجنوبية المنتهكة كرامتهم عبر جلادين أجانب بينهم أمريكيون يرسمون على أجسادهم كل صنوف أعمال التعذيب.
منذ منتصف يوليو 2017, أصبحت عدن مركزاً رئيسياً لرؤوس حراب العدوان على كل اليمن، ووكراً وملعباً رئيسياً للجماعات الإرهابية كـ(داعش والقاعدة)، ومتنفساً خصباً للسلفية التكفيرية.
تنام المدينة على ديز بامب العصابات, وضيوف ترانزيت العدوان, ومنفذي الجبايات.
يشهد الثغر الحزين (عدن) الكثير من الأزمات، والتدهور في الخدمات الأساسية والأعمال الإرهابية والاغتيالات التي طالت العديد من أبنائها بتهمة الزندقة والزنقلة على موجهي الوهابية، بالإضافة إلى عمليات اغتيال رجال دين، والتي تندرج كلها ضمن التصفيات السياسية. 
ونشطت الأعمال الإرهابية خلال العام المنصرم في المدينة بشكل كبير جداً، في سابقة لم تسجلها عدن من قبل، ولم تقتصر الأعمال الإرهابية على الاغتيالات الفردية في المدينة، بل طالت كثيراً من المرافق الحكومية، أمنية وغير أمنية, كما انتشرت عمليات نهب الأراضي، وبلغ تردي الخدمات ذروته، إذ بلغ عدد ساعات الانطفاءات في خدمة التيار الكهربائي في فصل الصيف إلى 20 ساعة، إلى جانب انهيار في خدمة المياه، وأزمة وقود حادة، وانتشار الأوبئة القاتلة.