لم تكن البندقية وحدها ترافق المقاتل اليمني العظيم وهو يتوغل داخل مواقع العدو الأمريكي السعودي في كل جبهات القتال، بل كان لصوت منشدي الزوامل دور كبير في انتصار البندقية.
إذ حققت الزوامل الشعبية خلال الأعوام الثلاثة الماضية انتشاراً واسعاً تصدرت معها الساحة الفنية اليمنية، قاهرة كل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، في ظل عدوان همجي غاشم، وهو ما أثار شغف جمهور الزامل العريض الذي يتساءل دائماً عن سر هذا النجاح الباهر، وتحديداً إنتاج كل هذا الكم الهائل من الزوامل بفترة قصيرة. . صحيفة (لا) بدورها تسلط الضوء على كواليس الزامل اليمني، وتلبي شغف الجمهور في معرفة آلية إنتاج وتوزيع الزامل، وكيف استطاع أن يتصدر المشهد الفني بسرعة فائقة؟
نشأة الزامل
تكاد الكتب تخلو تماماً من إشارة لتاريخ نشوء الزامل الشعبي، إلا أن ظهوره في اليمن بحسب المؤرخين قديم جداً، ويعود إلى ما قبل الإسلام، وليس بوسع أحد تحديده بزمن معلوم، حيث إن الفنون والألوان الأدبية تبدأ بحالات فردية أحادية يميزها عصرها على أنها تقليعة ما تلبث أن تجد أرضها في الواقع الاجتماعي، من خلال التجربة والتكرار والتعدد التي تبلور قالبها العام، فتأخذ بالتوسع والانتشار، وهذا ما أوصل الزامل الشعبي لتصدر المشهد الفني خلال السنوات الأخيرة. 
وبما أن الزامل يجسد فكرة واضحة ومتكاملة موضوعياً في أقل عدد من الأبيات والمقاطع الشعرية، فإن ذلك أوجب على الشعراء صياغته بأسلوب شعري بليغ جداً، وفيه من الصور الشعرية والتشبيهات والاستعارات ومختلف الأساليب البلاغية، ما يكفل لهم إيصال الموضوع أو الفكرة بأقل عدد ممكن من المفردات، ولعل هذه الخاصية أحد أسباب انتشار الزامل بهذه السرعة الفائقة. 

آلية تسجيل الزوامل 
تتم طريقة توزيع الزوامل بشكل تقليدي، فنظراً للظروف الصعبة التي يمر بها البلد، فإن توزيع الزامل يتم بطريقة عادية، وليس هناك من مكان محدد لتوزيعه، وما من طرق متطورة لتسجيل الزامل نظراً لعدم وجود شركات إنتاج خاصة به، لذلك تختلف طرق وأماكن التسجيل من منشد إلى آخر.. هناك بعض المنشدين ينتمون لفرق إنشاد خاصة هي التي تتكفل بتسجيل وتوزيع الزوامل، وتدفع تكاليف ذلك، كما أنها تدفع مبالغ زهيدة لمنشديها مقابل كل عمل. 
أما البعض الآخر الذين ليس لهم ارتباط بأية فرقة أو مؤسسة فنية، فيقومون بتلحين الزوامل بأنفسهم، ومن ثم يقومون بتقديم العمل لأية مؤسسة أخرى للمونتاج، وذلك بدون مقابل.
طه الشرقبي، أحد منشدي الزامل، ويعمل في فرقة الرسالة الإنشادية، يروي تفاصيل إنتاج الزامل في حديثه لصحيفة (لا)، قائلاً: ببساطة يجتمع الشاعر والمنشد والملحن في مقيل واحد، وخلال المقيل يقرأ الشاعر كلمات الزامل فيقوم المنشد بتلحينه وتسجيله عبر آلات تسجيل عادية، ومن ثم يتم إرساله إلى أية قناة أو شركة إنتاج للمونتاج والتوزيع دون مقابل. 

حياة بسيطة 
وبالرغم من النجاح الكبير الذي حققه منشدو الزامل، خصوصاً في مواجهة العدوان الأمريكي، إلا أن هؤلاء يعيشون حياة بسيطة تكاد تكون أبسط من حياة أي مواطن عادي، فمعظمهم لا يتقاضون مبالغ مالية مقابل أعمالهم.
كما أن منشدي الزوامل لا يتقاضون راتباً معيناً من أية جهة، ولا يحصلون على أي عائد مادي مباشر من أعمالهم، لسبب بسيط، وهو أنه لا يتم توزيع الزوامل بعقود رسمية، بل يتم تنزليها على مواقع الإنترنت مباشرة بعد تسجيلها بساعات.

حرب (جوجل)
من المعروف أن معظم قنوات (يوتيوب) تحصل على عائدات مادية من الإعلانات التجارية، وذلك بحسب عدد الزوار لكل قناة، فكلما كان عدد الزائرين أكثر كان العائد المالي أكثر.
إلا أن قنوات المنشدين اليمنيين، وخصوصاً منشدي الزوامل، لا تتلقى أي عروض إعلانية، وعند سؤالنا عن السبب أجاب أحد العاملين في تلك القنوات: إن المنشدين لا يهتمون بذلك، كما أن شركة (جوجل) بالرغم من وصول متابعي هذه القنوات إلى مئات الآلاف، إلا أنها لم تقدم عروضاً إعلانية كما تفعل مع بقية القنوات.
وبعيداً عن حديث الأخير، لا يبدو ذلك أمراً مفاجئاً، فالحرب التي تقودها قوى الرجعية والاستعمار على الشعب اليمني، ليست عسكرية وحسب، بل على كافة المستويات.  

حقوق ضائعة
من المعروف أن المنشد عيسى الليث ينشر زوامله على قناته الشخصية في (تيليجرام)، بعد أن يتم تسجيلها، وهي بذلك قابلة للتحميل المجاني لمن أراد، وبالتالي لا يحصل على أي مقابل، كما أن وزارة الثقافة لا تشتري حقوق النشر، ويتم عرض الزوامل في القنوات والإذاعات دون مقابل. 
أبو محمد، يعمل في وزارة الثقافة، أكد في حديثه لصحيفة (لا) أن الوزارة لا تدعم منشدي الزوامل، كما أنها لا تقوم حتى بدعم الجبهة الثقافية للتصدي للعدوان.. وهو ما أكده أحد منشدي فرقة الرسالة الذي قال إن وزارة الثقافة لا تقدم أي دعم مالي أو معنوي لمنشدي الزوامل. 

واجب الوزارة 
بغض النظر عن الرسالة الوطنية التي يؤديها منشدو الزوامل في سبيل الدفاع عن الوطن، إلا أن تصدر الزامل المشهد الفني وانتشاره بهذه الكثافة محلياً وخارجياً، كما يرى الكثير من المتابعين، يفرض على وزراة الثقافة أن تراعي حقوق النشر، وتنظم عملية توزيع الزوامل وعرضها في السوق لفترة معينة، قبل أن يتم عرضها في القنوات والإذاعات، بحيث لا يتم توزيعها بهذه الطريقة، حتى يمكن الاستفادة من عائدات الزوامل لدعم الجبهات ومواجهة العدوان، في الوقت الذي لا يوجد أي مانع أمام حصول المنشد على جزء من تلك العائدات، على الأقل حتى يكون قادراً على المزيد من العطاء، خصوصاً وأن ظروف البعض منهم سيئة.

لا مقارنة 
رغم أن بعض المنشدين يعملون على إحياء حفلات الأعراس أو المناسبات الدينية وغيرها، إلا أن المبالغ التي يحصلون عليها قليلة جداً مقارنة بالأموال الطائلة التي يكسبها الفنانون من حفلات الأعراس، حيث يحصل البعض منهم مبالغ تصل إلى مليون ريال مقابل إحياء حفلة عرس لا تزيد مدتها عن ساعتين. 

هلع الزامل 
بطبيعة الحال فإن موجة انتشار الزامل الشعبي اليمني تسببت في هلع وذعر شديدين داخل أوساط جنود العدو السعودي، فبحسب معلومات حصرية مؤكدة، وأثناء مشاورات الكويت في أبريل العام الماضي، فإن السعودية وضعت في شروطها خلال المفاوضات إيقاف الزوامل أثناء فترة الهدنة التي أعلنت في ذلك الوقت. 
بين هذا وذاك، يؤكد منشدو الزوامل أنهم لا ينتظرون مقابلاً أو عائداً مادياً سوى النصر على العدو، فالمنشد الشهيد لطف القحوم لم يكتفِ بصوته لمواجهة العدو، بل حمل بندقيته وراح يقاتل العدو في مختلف جبهات القتال، حتى نال الشهادة.