ضمن عدوانه الذي لا يستخدم فيه غارات طيرانه وقذائف مدافعه, يشن التحالف الأمريكي السعودي حرباً وحشية على العملة المحلية في سلسلته الاقتصادية التي بدأت بفرض حصار شامل على البلد ومصادرة إيراداته، ثم نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن المحتلة، وانتهاءً بإصدار قرار التعويم الحر لسعر العملة.. وقد تهاوى سعر العملة المحلية في الآونة الأخيرة بشكل كبير أمام الدولار الأمريكي، حيث وصل إلى 410 ريالات مقابل الدولار الواحد, وهذا ليس وليد اللحظة، وإنما نتاج عدة خطوات لخصت مؤامرة اقتصادية خطيرة أدارتها دول العدوان، ونفذها مرتزقتها في حكومة فنادق الرياض، بالتعاون مع حيتان متوحشة تابعة لهم تعمل في السوق المحلية، وأسباب أخرى توصلت إليها الصحيفة تقرؤونها في الآتي.
نقطة الضعف اقتصادية
وليست عسكرية 
يرى بعض خبراء الاقتصاد أن إدراك العدو أن نقطة ضعف اليمن ليست عسكرية بل اقتصادية, هو ما دفعه للقيام بمحاولات لتحقيق انتصار في الجبهة الاقتصادية بعد فشله عسكرياً، ولكن مساعيه باءت بالفشل. والسبب في ذلك بحسب محللين تحدثوا لـ(لا)، يعود لعدم وجود اقتصاد منظم لليمن، وإنما اقتصاد هش يعتمد على إيرادات غير منتظمة. 
وأشارت مصادر خاصة إلى أنه كان هناك ترتيبات كبيرة قبل العدوان لإنهاك الريال وضرب قيمته الشرائية حتى يصبح دون جدوى، وتبين ذلك صبيحة 26 مارس 2015 حينما شهدت السوق المحلية موجة شراء كبيرة للدولار، إلا أن مركزي صنعاء تنبه لذلك، واتخذ إجراءاته التي أفشلت المخطط.. الخبير الاقتصادي رشيد الحداد يقول للصحيفة إن البنك المركزي بصنعاء اتخذ حينها إجراءات رقابية ومالية كثيرة حالت دون فقدان الريال كل قيمته الشرائية، ولم يفقد سوى 17% منذ بداية العدوان وحتى قرار نقل البنك, بينما فقد 83% منها منذ أواخر سبتمبر العام الماضي إلى اليوم، ما يؤكد أن هناك تعمداً من قبل تحالف العدوان ومرتزقته لإيصال البلد إلى حالة انهيار شامل، وهذا ما استبعده رشيد حالياً.

تجربة اللجنة الثورية متميزة
صاحب إعلان العدوان على اليمن في مارس 2015م، فرض حصار شامل عليه، وتمكين التنظيمات الإرهابية من إيراداته المنهوبة لصالح خزينة استمرار الحرب عليه, ما جعله يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة للغاية تدهورت معها كافة أوضاعه، إلا أن العملة المحلية صمدت أمام العملات الأخرى، على عكس ما توقعه وأراده العدو الذي شن حرب العملة، ومنها خفض سعر العملة، وفرض تعرفات جمركية عالية كما حدث بالضبط.
غير أن الخطوات التي اتخذتها اللجنة الثورية إبان إدارتها مؤسسات الدولة، حالت دون ذلك, فالتقنين المالي والحذر والحيطة والتعامل بحزم مع البنوك ومحلات الصرافة والفرق الجوالة وتجار كبار في السوق السوداء للعملة بعد محاولتهم سحب العملة المحلية من السوق خدمة لأجندة العدوان, جعلت الريال اليمني في حصن حصين محافظاً على سعر صرفه أمام العملات الأخرى، أبرزها الدولار عند 218 بداية ثم 250 ريالاً للدولار الواحد. 
ولكن بعد تمخض المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ للاتفاق السياسي الذي جمع القوى الوطنية المناهضة للعدوان، وتولي كليهما إدارة الدولة, صعّد تحالف العدوان حربه الاقتصادية، وقرر مرتزقته في الرياض وبتواطؤ دولي نقل البنك المركزي إلى عدن، ما فاقم الأزمة كثيراً، وتسبب بانقطاع مرتبات الموظفين، وآخر إجراء من قبل العدوان ومرتزقته قرار التعويم الذي يبدو أهم سبب في انخفاض سعر العملة.

التعويم أصاب الاقتصاد في مقتل 
حرر محافظ البنك المعين من قبل العميل هادي، منتصف أغسطس الماضي، سعر العملة بشكل كامل، وجعله بيد هوامير السوق يتلاعبون به من خلال آلية العرض والطلب، ولا تتدخل الحكومة أو البنك المركزي في ذلك، وهذا معنى (تعويم العملة), وكانت اليمن قبل هذا تتعامل مع السوق المصرفية بالتعويم الموجّه (المدار) وليس الحُر, والذي يسمح للبنك بالتدخل حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف.
ومع عدم وجود سيولة من النقد الأجنبي لدى بنك عدن، رغم أنه خاضع لسيطرة العدوان ومرتزقته، فإن إصدار قرار بتعويم سعر العملة يعني القضاء على الريال اليمني، كون حكومة الإنقاذ لا تملك إيرادات نقدية أجنبية بسبب سيطرة الأعداء على ثروات البلد, وبما أن منافذ اليمن تحت سيطرة الغزاة ومرتزقتهم، فإن تعويم سعر الصرف للدولار عند 371 ريالاً والسعودي عند 97 ريالاً يعني أن الجمارك على المواد سترتفع، وهو ما حصل, كونها لا تتعامل إلا بالدولار، وبالتالي ارتفاع المواد الغذائية وغيرها من الواردات إلى السوق المحلية.
إذن، فقرار تعويم سعر العملة، كما يرى اقتصاديون، سلّم رقبة الريال اليمني لحيتان السوق السوداء، والذين يتبعون العدوان، لهذا هبط سعره أمام الدولار مؤخراً إلى 410 ريالات، والسعودي إلى 110، وظل في اضطراب مستمر.

أسباب اضطراب سعر الصرف 
يتساءل معظم المواطنين عن أسباب هبوط سعر الصرف للعملة المحلية أمام بقية العملات, وحاولنا في ما سبق توضيح أحد الأسباب، وهو قرار التعويم الذي أصدرته حكومة فنادق الرياض، ولكن الاضطراب له أسباب أتت كتداعيات للقرار, أبرزها مخاوف التجار التي صنعها إعلام العدو، ونتج عنها ارتفاع الطلب على الدولار، خصوصاً من تجار المشتقات النفطية الذين يقول عنهم المحلل الاقتصادي رشيد الحداد إنهم استغلوا قرار التعويم لسحب العملة الصعبة من السوق تحت مبرر استيراد المواد البترولية. مضيفاً في حديثه للصحيفة أن أولئك التجار لا يستوردون المشتقات النفطية لليمن فحسب، بل للدول الأفريقية أيضاً.
كما أن استمرار العميل هادي وحكومته في طبع العملة أثّر كثيراً على سعر الريال، وجعله يهبط إلى مستويات مخيفة. 
وأكدت مصادر خاصة لـ(لا) أن حكومة فنادق الرياض قامت بشراء كميات كبيرة من العملة الصعبة عبر عملائها في السوق لتغطية نفقاتها في الخارج، بعد أن قلصت الرياض الدعم لها، وهذا ما دفعها إلى تعويم سعر الصرف وهبوط العملة، وأوكلت مهمة استكمال القضاء على الريال للسوق السوداء. 

سوق سوداء مدججة 
بـ400 محل صرافة 
انتشرت في الآونة الأخيرة محلات الصرافة كالسرطان في جسد العاصمة، وحصلت صحيفة (لا) على إحصائية لها، حيث هناك 400 محل تجاري يعمل في الصرافة، بينما كانت قبل ذلك ٣٥ شركة صرافة و١٧ بنكاً.
وتحدثت المصادر بأن ٧٠% منها تمارس أعمال الصرافة بدون تراخيص، كما أن الجديد في الأمر هو ممارسة بعض التجار لهذه الأعمال، ما يدل على وجود مخطط قذر للعدوان يستهدف اليمن مالياً بعد أن عجز عن هزيمته عسكرياً, يساعده في ذلك وحوش مفترسة ملأت السوق.
إن هذا الانتشار المخيف لمحلات الصرافة يثير الشكوك حول ملكيتها, كونها أهم الوسائل المستخدمة في غسيل الأموال أو ما يسمى (تبييض الأموال)، والذي يعد جريمة اقتصادية تهدف إلى منح الأموال المحرّمة شرعية قانونية، وهو ما يتطلب تحركاً سريعاً من قبل المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ لتفادي الآثار المدمرة للاقتصاد الوطني.

اقتصاد الحرب هو الحل 
لم تعد السوق المصرفية تحت سيطرة حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي، خصوصاً بعد تواطؤ المجتمع الدولي مع مرتزقة الرياض في إصدار قرار مخالف لكافة القوانين والأعراف، اقتضى نقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن, بالإضافة إلى توقيف كافة مصادر الدخل الوطني لليمن من العملة الصعبة، باستثناء جزء من تحويلات المغتربين التي لا تتجاوز 3 مليارات دولار، وكذلك ما يأتي عبر المرتزقة الذين من المرجح أنهم يعملون لخدمة العدوان، خصوصاً مع ظاهرة انتشار محلات الصرافة.
غير أن هذا كله لا يسقط عن حكومة الإنقاذ والسياسي الأعلى واجبهما في اتخاد التدابير اللازمة للحد من وقوع الكارثة. فالحرب الاقتصادية التي يشنها تحالف العدوان الأمريكي السعودي على البلد بشعة، سيما أن له أيادي داخلية تساعده في تحقيق نصره الوهمي، عوضاً عن دعم العالم له، مع ذلك يجب عليهما أن يحذوا حذو اللجنة الثورية التي تعاملت مع الحرب الاقتصادية بحنكة ودهاء، واستطاعت الانتصار فيها طوال فترة إدارتها لمؤسسات الدولة.
لقد تمثلت الآلية التقليدية للتعامل مع ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية في قيام البنك المركزي بضخ ملايين الدولارات للسوق لعمل موازاة مع ما يملكه التجار, ولكن الموازنة حالياً منعدمة، وما يملكه المركزي من احتياط نقدي في الخارج يبلغ 600 مليون دولار، ورغم ضآلته إلا أن حكومة الإنقاذ وحكومة فنادق الرياض لا تستطيعان التصرف به بسبب الحظر عليه من قبل تحالف العدوان.
وفي هذه الحالة لا يوجد سبيل لخفض سعر صرف الدولار، بحسب آراء المحللين، غير قيام مركزي صنعاء بدوره الرقابي للحد من المضاربة, ويرى المحللون أن غيابه هذا يدل على أن بداخله من يعمل لصالح العدوان.
أما عما تستطيع حكومة الإنقاذ فعله فيقول رشيد الحداد إن عليها الاتجاه نحو اقتصاد الحرب من أجل إيقاف تدهور العملة, والمتمثل في تشديد الرقابة على البنوك والصرافين، وتحديد أولويات الاستيراد من خلال إعداد قائمة تتضمن أهم السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن كالغداء والدواء والوقود، حتى لا تجد نفسها غير قادرة على استيراد ذلك، وعجزها عن حماية الريال اليمني.