عاش الشعب اليمني عقوداً طويلة من القهر والظلم والإذلال والتهميش، في ظل سطوة قوى النفوذ والإقطاع التي استحوذت على قوته وحريته ومقدراته، وتحت مسميات عدة وأنظمة مختلفة، حتى أشرقت ثورة الـ21 من أيلول التي كسرت صنم الجبروت، وقطعت الحبل السري الواصل بين قوى الإقطاع والنفوذ وبين أنوف القوادين والعملاء وأتباعهم. 
لأكثر من 5 عقود متوالية ظلت قوى النفوذ والإقطاع التي نفذت تحت جلباب ثورة 26 سبتمبر، وقفزت فوق عناوين عريضة مزيفة باسم الجمهورية والثورة والاستقلال، تهيمن على ثروات البلد، وتتحكم في القرار السياسي والاقتصادي دون حتى صفة أو منصب حكومي.
من هي هذه القوى؟ ولصالح من كانت تعمل؟ وكيف أصبح وكلاؤها لبرهة من الزمن أكبر رؤوس الأموال في البلد؟ 
حقائق كثيرة تكشفها صحيفة (لا) للقارئ والمتابع اليمني من خلال إزاحة الستار عن محطات تاريخية غيبتها قوى النفوذ من جدران التاريخ، إلا أنها لم تستطع أن تمحوها من أذهان الناس الذين عاشوا مرارة القهر والجوع والتعذيب منذ سنوات طويلة.
كشف الحقائق 
قبل أن نسرد التاريخ الأسود الذي نسجته خيوط قوى الإقطاع والنفوذ في جسد البلد الطاهر، يجب العودة إلى التاريخ.
أتاحت ثورة الـ26 من سبتمبر 1962 أمام قوى الرجعية والاستعمار الغربية الفرصة لتمرير مشاريعها الإجرامية التي عجزت عن تحقيقها في ظل حكم الإمام يحيى حميد الدين ونجله أحمد، فجندت عملاءها ووكلاءها من خلال تشكيل سلطة عسكرية قبلية دينية خفية ركبت موجة الثورة، واستولت على هتافات الجماهير في الاتجاه الآخر، وجيرت الثورة لخدمة مصالحها.
وعلى غرار منهج سير الرأسمالية الغربية (من يملك المال يملك السلطة)، سعت قوى الاستعمار عبر وكلائها المتربصين باسم الثورة والجمهورية، للهيمنة على سيادة الوطن وسلب اليمن قراره السياسي، ودعم أدواتها للاستحواذ على ثروات البلد والتحكم بالاقتصاد الوطني بجميع فروعه ومصادره. 
شكلت قوى الرجعية والاستعمار منظومة إقطاع كبيرة من شيوخ قبليين وعسكريين ورجال دين، استنسخت منظومة الإقطاع لتمثل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، كان على رأسها زعيم قبيلة حاشد عبدالله بن حسين الأحمر وأولاده وعلي محسن الأحمر وأسماء أخرى أصبحت في ما بعد اليد الأولى والطولى المسيطرة على الاقتصاد في اليمن على مدى 5 عقود، وحتى قيام ثورة 21 أيلول 2014. 
بعيداً عن سرد التاريخ والأحداث التي سبقت وأعقبت ثورة 26 سبتمبر، فإن الحقائق تؤكد أن لعبة قذرة مررتها القوى الغربية عن طريق وكلائها من قوى الظل التي ركبت عنان الثورة وغيرت مسارها نحو الطريق الذي نسجته الاستخبارات الأمريكية والأوروبية.

مزايدات الإخوان 
لم يكن وكلاء الغرب من الإخوان المسلمين ممن يسمون أنفسهم اليوم جمهوريين، على صلة بالجمهورية، ولم تكن مملكة بني سعود في صراع مع الإمام أحمد حميد الدين بسبب شكل نظام الحكم، إنما بسبب سياسة النظام الرافض للهيمنة الأمريكية الغربية، هذا الموقف الصارم تجاه استقلال البلد ومنع النافذين كان السبب الرئيسي في دعم قوى الغرب للثورة وتمرير مشاريعها عبر وكلاء جدد باسم الجمهورية.
وإذا ما نظرنا إلى واقع الحال فإن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن وقفت خلال ستينيات القرن الماضي مع التدخلات السعودية، حيث قاتلت في الصف الملكي، وكان الشيخ الأحمر يتلقى دعماً مالياً من بني سعود، وقد اعترف لاحقاً بتلقيه دعماً مالياً من السعودية يقدر بمليون دولار شهرياً.
كذا الحال بالنسبة للجنرال المرتزق علي محسن الأحمر، الذي أكد بنفسه حسب تصريحه لـ(عكاظ)، أنه وقف 7 سنوات مع الملكية، ضد الجمهوريين، وكذلك وقف اليدومي الأب والابن، موقفاً مناوئاً للثورة، وفي الجبهة نفسها كان الزنداني وبقية الجماعة يقومون بالإرجاف السياسي وبث الإشاعات والدعاية السياسية ضد الجمهورية، وتوظيف الإسلام ضدها، حتى إن يحيى الفسيل أحد قادة الإخوان الجهاديين كان يصلي بالناس ذات مرة فتذكر أن في جيبه ريال جمهوري فأعاد الصلاة مرة أخرى.

(صندقة) حميد 
العام 2013 قال المرتزق حميد الأحمر، في مقابلة مع قناة (فرانس 24) الفرنسية، إن الثروة التي يملكها كانت حصيلة اجتهاد شخصي بدايتها (صندقة صغيرة)!
قد يبدو جمع ثروة هائلة تقدر بمليارات الدولارات من صندقة صغيرة، حجة سخيفة لن يصدقها أحد.
لكن بعيداً عن السخافات لنلقِ نظرة سريعة على ممتلكات الأحمر، وقضايا الفساد والاحتكارات التي أوصلته ليملك كل هذه الثروة. 
توغلت قوى النفوذ والإقطاع في جميع مفاصل الدولة، واحتكرت موارد البلاد، وسيطرت على السوق المالي داخلياً وخارجياً.
مليارات الدولارات وراء صفقات عقود بيع النفط اليمني الخام والغاز التي تم توزيع عائداتها بين منظومة الإقطاع الواسعة. 
لغة الأرقام تكشف حقائق مهولة عن المبالغ المنهوبة من ثروات الشعب التي تقوم قوى النفوذ والإقطاع بسرقتها من قوت كل مواطن.
فعلاوة على استحواذ عائلة الأحمر على نسبة 18% من حصة الغاز اليمني، فإن شركة (أركاديا) ووكيلها حميد الأحمر حصلت على عقود احتكارية ضخمة لتسويق وبيع (النفط الخام اليمني). وهذه الشركة التي أسلفنا أن وكيلها حميد الأحمر، بلغ ما حصلت عليه في 2009م ملياراً وسبعمائة وخمسة وتسعين مليوناً وثلاثمائة وخمسين ألفاً ومائتين واثني عشر برميل نفط خام، حيث يحصل الأحمر على دولارين من كل برميل تخفيضاً عن السعر العالمي، تخصم قبل البيع من قبل الجانب اليمني، بحسب مذكرة سربها موقع (ويكيليكس) صادرة من السفير الأمريكي ستيفن سيش الذي قال إن شركة أركاديا احتكرت وحدها شراء النفط اليمني منذ 1994 وحتى 2009م، بأقل من سعر السوق العالمي بحوالي دولارين كانت تعطى للأحمر عبدالله بن حسين، ثم تحولت لابنه حميد منذ نقل ملكية التوكيل إليه رسمياً عام 1998م.

سرقة المال العام 
من السيطرة على عقود بيع النفط والسمسرة بالمورد الرئيسي للبلاد عبر شركات التسويق، وفرض (الأتاوات) على الشركات الاستثمارية في اليمن، تمكنت قوى الإقطاع من الحصول على أهم العقود لشركات الخدمات ذات الربحية الكاملة، كالاتصالات والخدمات النفطية وعقود احتكار تشغيل العمالة لدى الغير والشركات العقارية، في إطار سعي منظومة الإقطاع للسيطرة على المال العام واحتكار مختلف المشاريع والبرامج الاقتصادية لصالحها. 

دعم أمريكي 
يقول أحد قيادات الخارجية اليمنية سابقاً: (لقد كنت مسؤولاً عن المراسيم والاستضافة والتنسيق بالوزارة، وأدركت خطورة حميد الأحمر على البلد منذ أن التقى بمسؤول إدارة العلاقات الخارجية الأمريكية عام 1998م، أثناء زيارة الأخير اليمن للمشاركة بمهرجان احتفال بالذكرى الثامنة لتوقيع الوحدة، حيث حضرت لقاءً لعبد الله بن حسين الأحمر، وكان حميد حاضراً في اللقاء، في ذلك اليوم كانت الإدارة الأمريكية قد حصلت على مشروع عميل قادم عندما قدمه والده عبد الله بن حسين للإدارة الأمريكية تحت عنوان: هذا ولدي حميد منكم وإليكم، وهو طموح ومستعد للتعاون معكم وخدمتكم مستقبلاً، وما نرجوه منكم هو دعمه وتقديم التسهيلات من قبلكم أو من خلال علاقاتكم السياسية وارتباطاتكم بقيادات ورؤساء وملوك المنطقة ومسؤوليكم). 
وبعدها لم تمر سوى بضعة أعوام حتى تضاعفت ممتلكات حميد الأحمر والمشاريع والمناقصات الحكومية والتسهيلات المتجاوزة للتشريعات والقوانين واللوائح لعقود وتجارة الأحمر، وبرعاية ودعم أمريكي. 

التهرب الضريبي 
استطاع المرتزق الأحمر الحصول على التوكيل لشركة طيران الإماراتية الذي من خلاله تمكن من الحصول على عائد ربحي يقترب من المليون دولار شهرياً من مبيعات هذه الشركة التي تسيِّر 26 رحلة في الشهر من وإلى صنعاء، غير الترانزيت للركاب اليمنيين إلى دول العالم. وبحكم أنه لا قدرة للقانون عليه لم يدفع الضرائب المقررة عليه، والتي يتم احتسابها وتضمينها في مبيعات الشركة منذ أن حصل على التوكيل وفتح مكتب الإماراتية في صنعاء. وكذلك الحال بالنسبة لوكالة طيران القطرية، التي يمتلكها، وشركة (سبأفون) التي يمتلكها، والتي بلغت نسبة الضرائب التي لم يتم دفعها 40 مليار ريال يمني.

سرقة عرق الشعب 
الأموال التي سرقتها قوى النفوذ من عرق الشعب ونهب ممتلكاته استثمرت في بلدان خارجية، ونقلت عبر شركات مختلفة، وعلى سبيل المثال وكالة شهيرة لشركة يهودية كان الأحمر وكيلاً لها في الشرق الأوسط، وقد استثمر فيها عدة مشاريع في دول عدة بالمنطقة، منها إسرائيل.

فساد لا يحصى 
ملفات الفساد كثيرة ولا تحصى، وإذا سمعت عن أية شركة نفطية أو اتصالات أو سياحية، تحت أي مسمى، فهي إما أحمرية أو زندانية، أما بالنسبة للفار علي محسن فإن شركة هدوان للخدمات النفطية مجرد قطرة من بحر، وكان الرجل يردد بقناعة تامة القول: هذا من فضل ربي!
وعلاوة على كل ما سبق، يمتلك علي محسن الأحمر وعبدالمجيد الزنداني ملايين الأمتار من الأراضي التي تم نهبها بالقوة، فقد أكد تقرير لوكالة ويكيليكس أن بيت الأحمر نهبت من الأراضي ما يساوي مساحة مدينة (الحديدة)، إضافة إلى قرابة (مائة وسبعين شركة تجارية تعمل في مختلف المجالات الاستثمارية) و(المدن السكنية) والمراقص والفنادق وغيرها من العقارات.

دعم الإرهاب 
لم يقتصر عمل قوى النفوذ على تجويع الشعب ونهب ثرواته، وإنما اغتياله عن طريق دعم الإرهاب والجماعات المتطرفة. 
يعتبر بنك سبأ الإسلامي الذي يملكه قيادات من حزب الإصلاح كأحد المصارف التي تستخدم لتمويل الجماعات الإرهابية، وأحد المصارف المتخصصة بودائع وأرصدة جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها، وكوسيط تمويل لمشاريع وأرصدة عائلة الأحمر، بعيداً عن رقابة الدولة وسياساتها المالية، بالإضافة إلى إيجاد خزينة خاصة له ولقيادات تابعة لتنظيم الإخوان وحسابات الودائع التجارية، وكذلك ليستخدم في إدارة الاعتمادات المستندية والمعاملات التجارية الدولية والمحلية الخاصة.

انتصار الثورة 
قطار كبير من قوى النفوذ التي كانت تستحوذ على مربعات واسعة في خارطة البلاد السياسية والاقتصادية، نسفتها ليلة الـ21 من أيلول؛ الإرادة الشعبية الوطنية التي لا تعرف الطريق إلى السفارات، ولم تتسخ بمصافحة وكلاء الموساد ومندوبي المارينز. 
وهم أنفسهم من يزعمون اليوم الدفاع عن الوطن والثورة والجمهورية من فنادق الرياض وملاهي إسطنبول وبارات وحش الرأسمالية المتعجرف.
وبين تلك الحقائق والوقائع فإن ثورة الـ21 من أيلول شكلت ضربة موجعة للعملاء، حيث اقتصت يد العمالة والوصاية، وفر الأوغاد بلا رجعة.