(بخورنا البارود... وجباهكم قنصها عيدي...). هذا هو لسان حالهم من على الأسرّةِ البيضاء بالمستشفى العسكري... هؤلاء هم الوطن الذي تختصره الجغرافيا اليمنية من محافظات اليمن المتنوعة، فجميعهم في الجبهاتِ هدفهم واحد، وقضيتهم واحدة، هما الدفاع عن وطن تكالبت عليه كل دول الشر بقيادة العدوان الأمريكي السعودي... حدقات عيونهم هي أصدق من آلاف الكلمات التي تخجل أمام تضحياتهم القوية، أولئك الذين قدموا من أسرِ الكادحين ليستردوا كرامة وطن.. وهنا أبت صحيفة (لا) إلا أن تشاركهم الذكرى الثالثة لثورة 21 أيلول، فعبروا عنها بحبٍّ واعتزاز... وما لفت انتباهنا أثناء تواجدنا معهم أنهم ينتظرون أن يتماثلوا للشفاء ليعودوا إلى الجبهات... أولئك من رخص بأفئدتهم كل غالٍ من أجل الوطن وحريته...
ثورة وحّدت المستضعفين
من عمقِ جراحه الغائرة، وحديث ملؤه الثقة بنصر الله له ولزملائه المجاهدين في جبهات الشرف والبطولة، بدأ حديثه لـ(لا) عبدالله محمد اللكومي الذي جُرح في صحراء (ميدي) الأبية... الصحراء التي تلتهم الطغاة في رمالها الساخنة واحداً تلو الآخر... وأثناء مواجهة مع الجنجويد السوداني جُرح فخذه الأيمن... يقول: رغم جرحي أشعر بالفخر والاعتزاز ونحن نواجه هوامير الفساد والطغيان... ويضيف عن ثورة 21 أيلول: هي ثورة عظيمة في وجوه الفاسدين، ثورة وحّدت المستضعفين، والمتضرر الوحيد منها هم قوى العمالة والارتزاق، الذين باعوا الوطن، وجعلوه تحت الوصاية الخارجية.. وختم كلماته التي تقطر فخراً واعتزازاً: ثورة 21 سبتمبر سطعت بالحق المبين، وشعر من خلالها المستضعفون بالإنصاف.

صححت الكثير من الأخطاء
الجبهات وحّدت جميع أبناء اليمن الواحد، لا فرق بين ابن شماله أو جنوبه، جميعهم يحملون قضية الدفاع عن شرف وكرامة وطن يواجه عدواناً كونياً شرساً... ذلك ما أكده الجريح هيثم عبده حسن علوان، من أبناء محافظة لحج، الذي جُرح في جبهةِ (كرش) بطلقة في الحوض، أثناء زحف قام به الأبطال... وعن مناسبة الاحتفاء بالذكرى الثالثة لثورة 21 أيلول قال: إنها ثورة صححت الكثير من الأخطاء، وعرّفت الناس من هم أعداء اليمن الحقيقيون، يضيف هيثم: أشعرُ من خلال هذه المناسبة باعتزازٍ أنني أدافع عن وطني الحر الأبي... وختم برسائل بمناسبة ثورة 21 سبتمبر، وجه أولاها إلى قوى العدوان: مهما جُرحنا سنظل ندافع عن شرفِ وطننا، ولن نخضع مهما كلفنا الثمن.
الرسالة الثانية وجهها هيثم إلى الشعب اليمني قال فيها: سنظل صامدين حتى آخر قطرةٍ من دمائنا.. وأدعو الإخوة الذين مازالوا في بيوتهم بأن يتوجهوا إلى الجبهات للدفاعِ عن الوطن وتحريره من قوى الطغيان. وآخر رسائله وجهها إلى رفاقه المقاتلين في الجبهات قائلاً: اصمدوا، وسيكون الله معكم، ونحن سنتعافى ونعود معكم جنباً إلى جنب.

ثورة أنهت الوصاية
الإعلامُ الحربي جبهة أخرى عكست شجاعة منقطعة النظير، وأظهر أبطاله معنى التضحية والفداء وهم يوثقون بعدساتهم من ميدانِ الحدث الملاحم البطولية التي أذهلت أعتى وأشر قوة يواجهونها... يوسف يحيى رسام، من أبناء محافظة حجة، واحد من نجومِ الإعلام الحربي، جُرح في ساقيه أثناء مواجهة مع المرتزقة في جبهةِ (نهم)... يقول عن ثورة 21 أيلول: سنحتفلُ بها، وسنحملها على أكتافنا، وسنصلُ بها إلى دارِ كل مجرم، وبإذن الله ستكون ديارهم خالية، كما هي ديار العملاء الفارين من صنعاء. يضيف: ثورة 21 سبتمبر انطلقت انطلاقة حقيقية، وأنهت الوصاية عن هذا الشعب الذي دائماً ما يتعرض للوصاية الخارجية، التي تم القضاء عليها في 21 سبتمبر.
 أضاف يوسف رسالته لثورة 21 سبتمبر، ولقراء صحيفة (لا) قائلاً: سنواصل ثورتنا وندافع عنها حتى آخر قطرة من دمائنا، وأطمئن قراء (لا) بأننا سننتصر، والعدو منهار، وفي كل الجبهاتِ مدحور، وما حدث في الحدود الشمالية انكسار ثلاثة جيوش أمام صمود أبطالنا من الجيش واللجان الشعبية.
وختم بأبياتٍ كتبها من ميدانِ المعركة قال فيها:
ثورة على الطغيانِ ثورة يا يمن
ثورة نواصلها ونتحدى الطغاة
الشعب ثوّر من قُراها والمدن
يصرخ بوجه الخليج ما يخشى عداه
ثورة على أبواقِ العمالة والفتن 
من ساند العدوان بانقطع يداه
يا العاصمة ثوري ونادي يا عدن
لا تخضعي للظلمِ وأذناب الغزاة
من رأس صيرة ولعوها لا تُبن
يبقى الوطن مرفوع من تحت الوصاة
مرفوض يا حُكم الوصاية في اليمن
سبتمبر التحرير نكّل بالغزاة

ندافع عن وطننا وشرفنا 
وللمخا حكايات صمودٍ أخرى، بدر عبده سالم، من أبناء محافظة تعز، جُرح وبُترت ساقه اليسرى في مواجهات بالمخا، قال: (ثورة 21 سبتمبر جاءت لتدافع عن أرضنا، وشرفنا)، ولأنه كان متعباً ولا يستطيع الحديث أكثر، فقد اكتفى بقوله: أدعو الله أن يثبّت زملائي المجاهدين في جبهاتِ البطولة والفداء.
وكان على السرير المجاور نبيل أحمد، من محافظة صعدة، الذي اختصر أيضاً بقوله: هبت ثورة 21 سبتمبر في وجوه العملاء والمستكبرين، وهي ثورة مباركة أخرجت الشعب من أزماتٍ وفساد، وأعادت إليه اعتباره، وحريته واستقلاله.

في جسدي 25 شظية
بطلٌ آخر من أبطال الجيش واللجان الشعبية... ليس هناك مساحة في جسده إلا وبها شظية... أضف لذلك أنه ليس جريحاً فقط، بل يده اليمنى وقدمه اليسرى مكسورتان، إضافة إلى 25 شظية تلقفها جسده المقاوم... ومع ذلك لا زالت روحه المعنوية والبطولية مرتفعة... بكر ناصر التوبة، من أبناء محافظة عمران، الذي جُرح في المخا، يقول عن ثورة 21 أيلول: إنها ثورة ضد الظلم، والفساد، والطغيان، سواءً الذين هم بالداخلِ أو بالخارج... وختم رسالته بالقول: معنوياتي أقوى مما سبق، ولن أضعف أو أستكين حتى ينصر الله الوطن.
   
آخر الأوراق
إذن.. تلك هي خارطة اليمن الجغرافية يمثلها أولئك الأبطال، أشجع الرجال، الحفاة إلا من وطنٍ يحملونه بين حناياهم، فقط يحتاجون إلى مزيدٍ من الاهتمام بهم من قِبل الجهات المعنية، ومعالجة جراحهم التي قالوا إنها لن تثنيهم عن العودةِ إلى جبهاتِ العزةِ والكرامة.