شكلت المواقف الدولية المنحازة إلى تحالف العدوان على اليمن عاملا قوياً للسعودية دفعها إلى تصعيد مجازرها بحق اليمنيين باستمرار على مدى عامين ونصف، واتخذته منهجاً لها لتحقيق غايتها من العدوان، بعد أن فشلت بكل إمكانياتها في تحقيق تقدم على أبطال الجيش واللجان الشعبية في مختلف الجبهات، وكل ما قامت به من أعمال وحشية لا تمت للإنسانية بصلة كانت بتواطؤ كبير من منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي المعنيين بحماية حقوق الإنسان، كون هاتين المؤسستين لم تظهرا أي ردود أفعال على الانتهاكات السعودية الصارخة رغم إثبات بعض المنظمات الدولية ضلوعها في تلك الانتهاكات.

واتسمت مواقف المنظمة والمجلس في الفترة الماضية تجاه العدوان على اليمن، بالخداع والتزوير, بوقوفها إلى جانب الجلاد وإعانته للنيل من الضحية. 
ففي سبتمبر 2015 عيّنت سفير السعودية لديها في جنيف على رأس لجنة الخبراء المستقلين في مجلسها الخاص بحقوق الإنسان، متجاهلة الانتقادات الواسعة التي وجهتها عدد من المنظمات والشبكات الحقوقية الدولية إليها. كما تجاهلت الدعوات التي رفعتها بعض تلك المنظمات كهيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ضد السعودية لإدخالها في القائمة السوداء, استناداً إلى نتائج تحقيقاتها في المجازر المرتكبة في اليمن، والتي أثبتت ضلوعها فيها.
حيث طالبت المنظمتان في دعويين رفعتاهما للأمم المتحدة، العام الماضي، بطرد السعودية من مجلس حقوق الإنسان التابع لها، بسبب ما ترتكبه من انتهاكات جسيمة لقوانين المجلس في اليمن. 
غير أن مملكة بني سعود اعترضت على تلك الدعاوى, وهددت الأمم المتحدة بقطع تمويلها لعدد كبير من برامجها, ما جعلها تخضع لهيمنة النفط والإملاء الأمريكي، وتراجعت عن اتخاذ خطوات تنفيذ ذلك الطلب, وقامت بإخراجها من القائمة السوداء التي دخلتها بعد ثبوت قيامها بقتل أطفال اليمن.
ليس هذا فحسب، بل تجاهلت الأمم المتحدة طلبات تقدمت بها عدة دول ومنظمات تطالبها بتشكيل لجنة تحقيق دولية في الجرائم المرتكبة في اليمن, غير أن النفط السعودي كان لها بالمرصاد وقطع طريقها كما فعل مع المشروع الهولندي الذي قدم لمجلس حقوق الإنسان. وإعلان مفوضيتها السامية لحقوق الإنسان العام الماضي تقديم الدعم الفني والمادي للجنة التي شكلتها حكومة عملاء الرياض للتحقيق في المجازر التي تقوم ذاتها بارتكابها.
وشهد العام الجاري أحداثاً استفزازية جديدة تمثلت في انتخاب السعودية في عضوية لجنة حقوق المرأة بالأمم المتحدة تزامناً مع دخول عدوانها على اليمن عامه الثالث، بالإضافة إلى فوزها مؤخراً بولاية ثالثة في مجلس حقوق الإنسان نتيجة النجاح الذي حققته في هذا المجال بقتل وجرح 32 ألف مدني من أبناء الشعب اليمني خلال 700 يوم.
وبيّن تقرير نشرته وزارة حقوق الإنسان نهاية الشهر الماضي، استشهاد 10 آلاف و373 مواطناً جراء القصف المباشر لتحالف العدوان، فيما بلغ عدد الذين توفوا جراء العدوان والحصار 247 ألف مواطن بسبب انعدام الأدوية وانتشار الأوبئة وسوء التغذية وأمراض الفشل الكلوي.
ولكن يبدو أن السعودية ستتوجه إلى خفض مستوى الجرائم والمجازر التي يرتكبها طيرانها بحق اليمنيين منذ بداية عدوانها في 26 مارس 2015, بسبب ظهور بعض التحركات الدولية الجادة لتشكيل لجنة تحقيق دولية تبحث في الجرائم المرتكبة في اليمن, بعد المجزرتين الأخيرتين اللتين اعترف تحالف العدوان بارتكاب إحداهما.
فقد أكد القائم بأعمال الممثل المقيم لمنظمة العمل الدولية علي دهاق، في مؤتمر صحفي حول المجزرة التي ارتكبها طيران العدوان بحق المواطنين في منطقة فج عطان في 25 أغسطس الماضي، وقبلها استهداف العمال بأرحب، أن هذه الجرائم تأتي ضمن سلسلة انتهاكات القانون الدولي والإنساني. مشيراً إلى مساعي الأمم المتحدة لتشكيل لجنة دولية محايدة للتحقيق في انتهاكات تحالف العدوان بحق المدنيين في اليمن.
الاستنكار الواسع الذي لاقته جريمتا العدوان الأخيرتان بحق مدنيين في كل من فج عطان وفندق بمديرية أرحب، أغسطس الماضي, وكذلك تناول عدة وسائل إعلامية دولية لهذه الجريمة وإسنادها لطيران العدوان, دفع 56 منظمة غير حكومية محلية ودولية على رأسها هيومن رايتس ووتش، إلى توجيه رسالة للأمم المتحدة تطلب منها فتح تحقيق مستقل في الانتهاكات التي يرتكبها أطراف النزاع في اليمن، حسب تعبيرها.
ويستدل على وجود استجابة من منظمة الأمم المتحدة حديث جون فيشر، مدير مكتب (هيومن رايتس ووتش) في جنيف، والذي قال إنّ (الدعم الثابت لتحقيق دولي في انتهاكات اليمن أصبح الآن أقوى بكثير. وعلى الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان أن ترتقي إلى مستوى تفويضها ومراعاة هذه الدعوات، وإنشاء فريق يبدأ بإنهاء غياب المساءلة، الذي شكّل حتى الآن الوجه الأبرز لحرب اليمن).
وعلى غير المعتاد حمّل تقرير المفوضية العليا لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والذي نشره مكتب المنظمة الثلاثاء الماضي، على موقعه الإلكتروني، ما سماه التحالف، معظم خسائر المدنيين في اليمن, وقال المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، في التقرير، إنه (من الضروري إجراء تحقيق مستقل ودولي بشأن النزاع في اليمن). مضيفاً: (لقد دعوت مراراً وتكراراً المجتمع الدولي إلى اتخاذ مبادرة إجراء تحقيق مستقل ودولي بشأن المزاعم المتعلقة بانتهاكات خطيرة جدا لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في اليمن).
وبين ترحيب حكومة المكونات الوطنية بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة واعتراض السعودية وحكومة الفار هادي تشكيلها, اتضح جلياً من خلال قلق دول العدوان وعملائها من عمل تحقيق دولي في الجرائم والانتهاكات الحاصلة في اليمن، أن هناك تحركاً دولياً جاداً نوعاً ما لوضع حد للانتهاكات الصارخة التي يقوم بها كيان بني سعود في اليمن.
حيث رحّب مصدر مسؤول في خارجية الإنقاذ الوطني، الخميس الماضي، بما جاء في تقرير المفوضية العليا لحقوق الإنسان، معتبراً إياه تطوراً إيجابياً ونقطة بداية يمكن أن يبني عليها المجتمع الدولي تحركاً أكثر فاعلية وجدية يضع حداً للانتهاكات التي يرتكبها العدوان الأمريكي السعودي في جانب حقوق الإنسان في اليمن. مؤكداً استعداد حكومة الإنقاذ تزويد مكتب المفوضية السامية بالمعلومات الدقيقة والموثقة عن انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصاً بعد الفشل الذريع الذي منيت به المفوضية منذ اعتمادها على اللجنة التي شكلها الفار هادي.
وقال المصدر في تصريحاته: (كان الوضع بالنسبة لاعتماد المفوضية تقديم الدعم للجنة الفار هادي، أشبه بمن يدعم المجرم ليحقق في جرائمه، مما سمح لقوى العدوان والمرتزقة في ارتكاب جرائم وصلت بعضها إلى حد جرائم الإبادة الجماعية كما حدث في استهداف عزاء القاعة الكبرى، وفي أكثر من تجمع مدني).
وراودت السعودية وحكومة فنادق عاصمتها مخاوف من تشكيل هذه اللجنة، لذا اعترضت على المساعي الرامية الى ذلك، وتصر على بقاء اللجنة المشكلة من قبلها، ما يشير إلى أن الأمر بات جدياً للغاية. 
وقالت صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية في عددها الصادر الجمعة الماضية، إن 16 منظمة دولية عاملة في مجال حقوق الإنسان، أصدرت بياناً دعت فيه مجلس حقوق الإنسان إلى الاستمرار في دعم اللجنة التي شكلتها حكومة عملاء الرياض للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن, مشيرة إلى أن اللجنة تعمل بشفافية وحيادية عالية للتحقق من جميع ادعاءات الانتهاكات التي أضرت بالمواطن اليمني وحقوقه، خصوصاً حقوقه الأساسية، وذلك منذ بدء أعمالها عام 2015. 
وجاء في تقرير الصحيفة أن تلك المنظمات الـ16 أكدت دعمها للطلب الذي تقدمت به 75 منظمة حقوقية يمنية لمجلس حقوق الإنسان، لاستمرار تقديم الدعم للجنة المشكلة مسبقاً بدلاً من تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، مبررة ذلك بأن استمرار اللجنة الوطنية للتحقيق أفضل من تشكيل لجنة تحقيق دولية؛ إذ إن هناك محاذير كثيرة على اللجان الدولية وفشلها، لأنها لم تقدم شيئاً للمجتمع الدولي، ولم تخدم مبدأ العدالة الانتقالية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن المنظمات الـ16 الموقعة على البيان، هي منظمات تابعة للدول والجماعات المؤيدة للعدوان على اليمن.
لاشك أن هذه التحركات الدولية ستجعل السعودية وتحالفها في دائرة انتهاك حقوق الإنسان, لهذا من المتوقع أن يخفض هذا حدة الجرائم التي يرتكبها طيران العدوان بحق اليمنيين، حسب ما يرى مراقبون، لأن السعودية بذلت جهداً كبيراً في ما مضى لعرقلة تشكيل لجنة دولية مستقلة تحقق في الجرائم المرتكبة في اليمن.