مجلة “لو نوفل اوبسرفاتور” الفرنسية:

يصارع الشعب اليمني الموت من الجوع ومن وباء الكوليرا وسط عدم مبالاة شبه عامة من قبل المجتمع الدولي. لكن في أي لحظة وتحت أي ظرف، هل ما يزال من الممكن تأسيس إرادة دولية قوية بما فيه الكفاية لوضع حد لحرب انتهكت جميع “القواعد” ونشأت على خلفية صراعات قديمة منذ زهاء عامين ونصف؟

من المفترض تطبيق مثل هذه الإرادة القوية منذ وقت طويل في اليمن، بيد أن هذا البلد يعاني من التفكك و الاضمحلال جراء النظرة السلبية التي يحظى بها من قبل بقية العالم، وبسبب الضربات المضاعفة للحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية وحلفائها، ناهيك عن الحرب الأهلية التي تحصد أرواح ضحاياها دوماً وفي المقام الأول من بين السكان المدنيين. على اثر ذلك، تم تشكيل تحالف واسع النطاق ضم 57 منظمة غير حكومية دولية بهدف مطالبة الأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي مستقل حول الانتهاكات التي تمارس بحق هذا البلد من قبل جميع الأطراف المتنازعة.

كان لثورات “الربيع العربي” في العام 2011 والتي طمحت إلى هدف واحد وهو “الحرية” نتائج مختلفة من بلد لآخر، ففي تونس ومصر سرعان ما تم اسقاط اثنين من الأنظمة الاستبدادية بعد اجتيازها للعديد من العقبات، غير أن بعض البلدان الأخرى انحرفت عن مسار هدفها مما أدى إلى انخراطها تماماً في حروب ذات طبيعة مختلفة وعدة أطراف متنازعة مثل : ليبيا، سوريا، واليمن…

 

اللعب وراء الكواليس

تم توظيف الصراع على السلطة في اليمن -والذي اعقبة ثورة حقيقة- كذريعة لخوض حرب شنتها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015، حيث أرادت الرياض اثبات قوتها أمام ايران التي تعتبر متهمة بوقوفها وراء الحوثيين -أحد العناصر الرئيسة الفاعلة في الأزمة اليمنية- وقد قررت الرياض الرد على استيلاء الحوثيين المتحالفين مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على العاصمة صنعاء ومن ثم على مدينة عدن عاصمة الجنوب.

بالنسبة للأمير الشاب محمد بن سلمان الذي تم تعيينه وزيراً للدفاع رغم افتقاره للخبرة، فإن خوضه  للحرب على اليمن كان من وراءه هدفين في نفس الوقت: الأول إظهار “القوة السنية” تجاه ما تتصوره الرياض على انه تأكيد للنفوذ الإيراني في بعض دول العالم العربي (لبنان، سوريا، العراق واليمن)، والثاني في اثبات قوته الشخصية للعب خلف كواليس المملكة الوهابية. من الجدير الإشارة إلى أنه في يونيو الماضي، تم تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد في المملكة العربية السعودية مما اثار نوع من الانقلاب في أوساط الأسرة الحاكمة جراء تغيير ترتيب الخلافة لصالحة.

تكمن المشكلة في أن هذه الحرب التي يتم شنها بصورة رئيسية من قبل الجيش المسلح التابع للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ضد بلدٍ يعتبر من اكثر البلدان فقراً في العالم، لم تمضي في مسارها المتوقع. إذ أن عملية “عاصفة الحزم” لم تقتصر على عدم تحقيقها لأي نجاحات حاسمة، بل أنها أيضاً تسببت في عواقب انسانية وخيمة حيال 28 مليون يمني.

لم تنحصر معاناة هذا البلد فقط على تراجعه للوراء لعقود من الزمن على اثر تدمير المدن والبنية التحتية جراء القصف العشوائي الواسع ، وانما صوحبت هذه الحرب بالمجاعة وتفشي الأوبئة على نطاق واسع، ذلك أن هناك 6 مليون شخص مهددون بالموت جوعاً بحسب المنظمات غير الحكومية، وتبذل المنظمات الإنسانية قصار جهدها لمواجهة مثل هذه المجاعات والأوبئة.

وإذا عدنا للوراء قليلاً، وبحسب ما كشفته مجلة “ليبراسيون” مؤخراً، فإن ظهور وباء الكوليرا بصورة واسعة هذا الصيف في اليمن ، أعطى لليمن سجلات محزنة مقارنة بأكبر وباء كوليرا تم تسجيله منذ العام 1949، العام الذي تم فيه انشاء مجموعات البيانات.

وبالإضافة إلى أن نصف المرافق الصحية في البلد إما انها باتت مغلقة أو مدمرة جراء القصف الذي كان متعمداً في معظم الأحيان بحسب افادة منظمة أطباء بلا حدود العام الماضي، فإن هذا البلد أيضاً يعاني من عقبات في توصيل المواد الإغاثية بالمعنى المجازي والحقيقي على حد سواء.

 

عدم مبالاة عامة

نددت مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها بالمجاعة التي تتربص ب 60% من اليمنيين والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال تعليلها بأنها كارثة طبيعية، بل وعلى العكس من ذلك تعتبر المجاعة فعلاً متعمداً تقوم به الأطراف المتنازعة من خلال ما يسمى ب “تجريم الاقتصاد”، ناهيك عن حالة اللامبالاة بل وفي بعض الأحيان التعامل بسهولة من قبل المجتمع الدولي، “بما في ذلك الأعضاء الرئيسيين في مجلس الأمن الدولي (الأمم المتحدة) مثل الولايات المتحدة الأمريكيةو المملكة المتحدة وفرنسا”.

وعبر موقع كواي دو اورساي، نحن نسعى ولكن دون جدوى إلى تحديد موقف واضح لفرنسا فيما يتعلق بهذا الصراع، إذ أن باريس كانت من الداعمين لخوض المملكة العربية السعودية الحرب على اليمن في مارس 2015، وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قام بوضع بعض المسافات مع المملكة العربية السعودية من خلال رفضه “للاختيار” بين السنة والشيعة وذلك في خطابه الرئيسي للسياسة الخارجية الذي القاه يوم الثلاثاء 29 أغسطس المنصرم ، إلا أنه على الرغم من ذلك امتنع عن ذكر اليمن.

والأسوأ من ذلك هو موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قام بعمل زيارة للرياض-أول رحلة دولية له كرئيس- في مايو الماضي، حيث ركز في هذه الزيارة على ايران ليدخل البهجة على محاوريه. فضلاً عن ذلك، يعتبر ترامب جزءاً من الفوضى التي تخيم على اليمن لا سيما عندما أجاز أول عملية عسكرية للقوات الخاصة التابعة لولايته والتي باءت بالفشل وذلك بعد 10 أيام فقط من دخوله البيت الأبيض، وقد اعقبت هذه العملية عشرات العمليات والغارات الجوية.

من الواضح أن هذه السلبية الدبلوماسية التي يتم اتخاذها خوفاً من الاستياء الذي قد يحل ب “عميل” مهم، أو أنها حساب استراتيجي ثلاثي النطاق ضد ايران، سيكون لها اثراً في استمرارية هذه الحرب الخبيثة ذات الأهداف المطمورة تحت الرمال، والتي على غرار ذلك باتت اليوم أرضاً خصبة بل وحقل تجارب للجماعات الجهادية مثل تنظيم القاعدة.

 

في صمت

لم يحظى هذا الصراع بالاهتمام الذي يستحقه، ذلك أن صعوبات مسرح الحرب هذا وضعت أمام تواجد الصحفيين عقبات عدة كما أن أي توغل اعلامي قد يكون محفوفاً بالمخاطر. وبهذا الشأن علينا التنويه للضجة الإعلامية التي قام بها زملائنا في صحيفة “لوموند” الصحفي جان فيليب ريمي والمصور اوليفيي لابان موتي هذا الصيف حيث ألقوا الضوء على الرعب الإنساني اليمني قبل أن يتم اطفائه لأمد بعيد.

إن المدى الذي وصلت إليه انتهاكات قواعد الحرب الأساسية مثل تجنيد الأطفال، استهداف المرافق الصحية وأيضاً قصف المناطق السكنية يعتبر مبرراً كافياً على الأقل لفتح تحقيق محايد للأمم المتحدة وهو الأمر الذي طالبت به المنظمات غير الحكومية ومن ضمنها هيومن رايتس ووتش، منظمة العفو الدولية، أطباء العالم والشبكة العربية للمعلومات حول حقوق الإنسان (انهري) التي تتخذ من القاهرة مقراً لها:

“ينبغي أن يكون التحقيق قادراً على تحديد الوقائع والظروف فضلاً عن جمع وحفظ الأدلة والايضاحات للمسئولية عن الانتهاكات التي من الممكن الاستدلال عنها من خلال القانون الدولي لحقوق الانسان وعبر انتهاكات القانون الدولي الانساني وذلك من أجل وضع نهاية للإفلات من العقاب وضمان المساءلة”.

تنفيذ مثل هذا النوع من الطلبات سيكون شرفاً للدبلوماسية الأوروبية كما فعل ايمانويل ماكرون الذي أعرب في خطابه عن السياسة الخارجية عن ثناءه على حقوق الإنسان التي قال عنها بأنها “ليست فقط قيماً غربية وإنما هي مبادئ عالمية، معايير قانونية يتم اعتمادها بحرية تامة من قبل جميع البلدان في العالم وعلينا توضيحها، الدفاع عنها وتحسينها باستمرار”.

مضى وقت طويل على وجود رئيس دولة يقوم بطرح حقوق الانسان بهذه الطريقة فقد أصبحت تفتقر نسبياً للدبلوماسية خلال السنوات الأخيرة، بيد أنه لمواجهة السخرية المهيمنة على العلاقات الدولية في بداية القرن الحادي والعشرين، أصبحت الكلمات اقل وزناً وهو ما يدفع اليمنيين ثمن معرفته غالياً… في صمت.

 

ترجمة: شاميه الحيدري