تفعيل ورقة القاعدة والحرب على الإرهاب هي آخر الأوراق المستنفدة في جعبة العدو الأمريكي المترهل الذي أصيب بخيبة أمل من نتائج تحالف العدوان السعودي على اليمن، والذي عجز بكل الوسائل عن تحقيق أي نصر عسكري أمام أبطال الجيش واللجان منذ أكثر من عامين، وسط صمود أسطوري يجسده شعب جبار أثبت شجاعته عن جدارة.
ولأن العدو الأمريكي السعودي لم يعد يملك أي خيارات ممكنة لتمرير مشاريعه الفتاكة على أرض المواجهة، فها هو يرمي خساراته المتراكمة في الشارع الجنوبي المكتظ بالنفايات الغربية، واللعب على إدارة التناقضات القائمة التي تجسدها أدواته المتناحرة.. لقد كشفت العملية الأمريكية الإماراتية المشتركة في محافظة شبوة الكثير من الحقائق والمستجدات التي تشير إلى أن المحافظات الجنوبية على موعد مع صفيح ساخن في ظل سعي الأمريكيين إلى تمرير مؤامرة خبيثة لتمزيق الجنوب وأبنائه. 
صحيفة (لا) تسلط الضوء على مستجدات العملية وأهدافها غير المعلنة، وتضعها أمام قرائها. 
السيطرة على حقول النفط والغاز 
منتصف الشهر الماضي، أعلن تحالف العدوان الأمريكي السعودي عن عودة نشاط تنظيم القاعدة في محافظة شبوة، بعد غياب دام عاماً كاملاً، بعملية انتحارية استهدفت نقطة عسكرية لمرتزقة العدوان في المحافظة.
في الحقيقة لم تكن العملية إلا غمزة من الغمزات التي تتبادلها الجماعات الإرهابية مع قيادتها الدولية لتنفيذ خطة ما، فلم يمر على العملية 20 يوماً حتى أعلنت قوات الاحتلال الأمريكي الإماراتي عن قيامها بعملية عسكرية مشتركة ضد تنظيم القاعدة في محافظة شبوة (الأسبوع الماضي).. العملية العسكرية المشتركة التي مكنت العدو الأمريكي من دفع قواته إلى الأراضي اليمنية وبقائها في تطور غير مسبوق، لم تكن في حقيقة الأمر إلا إشارة واضحة لبدء مرحلة جديدة لمؤامرة أمريكية قذرة تمهد للتدخل الأمريكي في اليمن بصورة مباشرة.
محللون سياسيون أكدوا أن الهدف الرئيسي من العملية هو وضع تحالف العدوان يده على حقول النفط والغاز في محافظة شبوة، والسيطرة على أهم الموانئ النفطية (ميناء بلحاف)، ولم تكن هذه التحليلات محض توقعات، وإنما وقائع، ووفقاً لمعلومات سربها إعلاميون موالون للعدوان، فإن القوات الأمريكية والإماراتية المحتلة قامت، الخميس الماضي، بطرد عناصر تابعة للمرتزقة كانت تسيطر على حقول النفط والغاز، وأحلت عناصرها بدلاً عنها، في حين تحدثت نفس المصادر عن وصول قوة عسكرية أمريكية إضافية بعد 24 ساعة من العملية إلى مطار شركة بترومسيلة القطاع رقم 10 في سيئون بمحافظة حضرموت، مشيرة إلى أن القوة العسكرية كانت ترافق خبراء ومهندسي نفط أمريكيين.

إزاحة الإخوان 
إلى جانب سعي الأمريكيين لاستنزاف ثروات اليمن والسيطرة على أهم مواقعها الحيوية والاستراتيجية، فإن التحرك الإماراتي الأمريكي المشترك في المحافظات الجنوبية يحمل دلالات كثيرة، ويعكس تباينات الوضع المنقسم لقوى العدوان وأدواتها، إذ بدت العملية الأخيرة في شبوة ضمن سلسلة عمليات تقوم بها الإمارات ضد حزب الإصلاح (جنوبي اليمن)، ووفقاً لبيان قوات الاحتلال الإماراتي، تركزت العملية الأمريكية الإماراتية في شبوة على طرد القاعدة من مدن عزان وعتق والعقلة وجبان والحوطة، وهي المدن التي تشهد تواجداً قوياً لحزب الإصلاح المصنف بقائمة الإرهاب الإماراتية باعتباره فرعاً لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي، بالإضافة إلى إنهاء سيطرة حزب الإصلاح على حقول النفط والغاز في المحافظة، وقد أكدت معلومات مسربة قبل الهجوم، أن المرتزق الإخواني علي محسن الأحمر، اتصل برئيس هيئة الأركان التابع للفار هادي، اللواء المرتزق محمد علي المقدشي، المتواجد في مأرب، وعقد الأخير اجتماعات مع عدة قيادات للتباحث في إمكانية مواجهة ما يسمى قوات النخبة الشبوانية التابعة للإمارات، متهمين إياها بالسعي للسيطرة على النفط.
وإذا ما نظرنا للصراع القائم بين قوى الاحتلال وأدواتها المختلفة، فإن التوجه الإماراتي لإزاحة حزب الإصلاح من المشهد الجنوبي، حسب آراء الكثير من المحللين، يأتي ضمن سعي الإمارات لفرض مشروع الأقلمة باعتبار حزب الإصلاح ينتمي لشمال اليمن، مشيرين إلى أن تحالف العدوان لا يسعى لمحاربة الإصلاح في المناطق التي يسيطر عليها شمالي اليمن كمأرب، في حين يشير آخرون إلى أنه لا وجود لخلافات حقيقية بين تحالف العدوان وحزب الإصلاح جنوبي اليمن، وإنما تبادل أدوار داخل المشروع التمزيقي ذاته. 

تشكيلات مسلحة 
العملية الأمريكية الإماراتية الأخيرة في شبوة تم الدفع خلالها بقوات جديدة تسمى النخبة الشبوانية، عملت على تدريبها الإمارات، على غرار النخبة الحضرمية التي أعلنت عقب إعلان إقليم حضرموت قبل أشهر.. إنشاء تحالف العدوان تشكيلات عسكرية منفصلة في مختلف محافظات جنوبي اليمن، يثير جملة من النقاط المهمة التي توضح شكل المشهد الجنوبي بعد عامين من العدوان.
حيث يفسر محللون ومراقبون محليون ودوليون أن إنشاء العدو لهذه التشكيلات والمليشيات المسلحة المنفصلة ينسف أولاً الشرعية المزعومة، في حين يكشف مشروع العدوان التمزيقي الذي يمرره لتمزيق وحدة الجنوب وتحويله إلى دويلات صغيرة هشة يسهل التحكم بها. وعلاوة على ذلك يؤكد مراقبون آخرون أن تلك التشكيلات المسلحة كالمجلس الانتقالي والنخبة الشبوانية والنخبة الحضرمية والحزام الأمني، والكثير من المسميات والجماعات المسلحة التي نسمع عنها اليوم في حضرموت وشبوة وعدن، كلها مجرد أغطية ديكورية تقف وراءها قوى الاستعمار الخليجية الأمريكية، ولا تمارس أي دور أمني أو عسكري لحماية الجنوبيين وممتلكاتهم، فمثلاً إذا ما نظرنا للنخبة الحضرمية التي أعلنت مسؤوليتها عن حماية أبناء حضرموت، سنجد أنها لا تفعل شيئاً، وليس لها أي دور أمني، لأن من يسيطر اليوم على حضرموت هي القاعدة.. وإذا ما افترضنا صدق الرواية التي تقول بأن التخبة الحضرمية لها دور فاعل، فإن من المهم أن نتساءل على غرار الكثير من الناشطين الجنوبيين عن انطلاق قوات النخبة الحضرمية من حضرموت لتحرير شبوة من عناصر تنظيم القاعدة، بينما تقع محافظة حضرموت تحت قبضة التنظيم الإرهابي نفسه. 

استهداف عُمان وإيران 
لا تذهب قوات الغزو الإماراتية الأمريكية بعملياتها العسكرية في حضرموت وشبوة بعيداً عن أطماعها بتسخير الجغرافيا للالتفاف على سلطنة عُمان.
فعلاوة على سيطرة قوات الغزو الإماراتية على موانئ حضرموت وشبوة، تجتهد أبوظبي في ضرب الخاصرة العُمانية في محافظة المهرة، حيث تسعى لاستقطاب الشخصيات الاجتماعية والوجوه القبلية والسياسية النافذة في المهرة، مساعٍ يرافقها اشتغال ممنهج تحت اللافتة الإنسانية عينها المرفوعة في عدن وحضرموت وغيرهما:
فالهلال الأحمر الإماراتي يتولى مهمة استهداف العامة من خلال (الإعاشات) والمساعدات العينية والمادية، كما يتم استدراج الشبان المهريين إلى معسكر أقامته قوات الغزو الإماراتية في مدينة الغيضة، حيث يخضع المجنّدون لتدريبات، يُعتقد أن الهدف من وراء المعسكر التوطئة لتشكيل ذراع عسكرية مشابهة لـ(الحزام الأمني) في عدن و(النخبة الحضرمية) في حضرموت، و(النخبة الشبوانية) في شبوة، والتي تدين جميعها بالولاء للإمارات.
تأتي تلك التحركات الإماراتية بغطاء أمريكي في المحافظات الجنوبية، حسب تحليلات المراقبين، استكمالاً لمساعي الأمريكيين لتوسيع مساحة نفوذهم في الخليج العربي، بما يمكنهم من إقامة قواعد عسكرية قريبة من إيران وفرض حصار جغرافي بحري يمتد من خليج عدن وبحر العرب وصولاً إلى مضيق هرمز.
هذه التحركات الإماراتية تجاه عُمان أثارت حفيظة هذه الأخيرة التي يبدو أنها كانت قد استشعرت الخطر القائم مبكراً، حيث قامت قبل أشهر بتنفيذ أكثر من مناورة بحرية مع إيران، بالإضافة إلى تعزيز قواتها على حدود المهرة، وعقد لقاءات مع زعماء قبليين مهريين، ولعل منح السلطان قابوس الجنسية العمانية للقيادي الجنوبي حيدر أبو بكر العطاس وأسرته، الشهر الماضي، إشارة واضحة لتحرك عماني لمواجهة تطورات المشهد الجنوبي. 

نظرية المؤامرة 
لا تصح مقاربة التطورات الأخيرة في المحافظات الجنوبية بمعزل عن التغيرات الطارئة في المنطقة، إذ إن هزيمة المشروع الأمريكي في العراق وسوريا تجعل العدو الأمريكي يعطي أولوية لتوسيع نفوذه جنوبي اليمن، ولا تبدو العملية الأمريكية الإماراتية الأخيرة في شبوة إلا خطوة في ذات المؤامرة، حيث يرجح الكثير من الباحثين والمحللين أن العدوان السعودي لم يستطع عسكرياً أن يوفر بشكل مباشر أي تقدم استراتيجي يتيح للأمريكيين تحقيق أطماعهم في السيطرة على الجغرافيا اليمنية والمنافذ الدولية المشرفة عليها، مشيرين إلى أن فشل العدوان بإقامة محافظة ساحلية جديدة تقتطع جغرافيتها من المخا وأجزاء من محافظة لحج، نظراً لصمود الجيش واللجان، يعد ضربة موجعة للأمريكيين أتت نتائجها عكسياً داخل الساحة الجنوبية، إذ يبدو صراع النقائض في الساحة الجنوبية شكلاً من أشكال المراوغة التي يديرها تحالف العدوان لتفخيخ الشارع الجنوبي بالصراعات الدينية والمناطقية، وتوسيع حاجز الفرقة بين المكونات والحركات السياسية الجنوبية.
إن خلق وضع سياسي منقسم داخل المجتمع الجنوبي يعزز من زيادة حالة الفوضى الأمنية التي توفر بيئة خصبة لانتشار الجماعات الإرهابية، البوابة التي تتخذها إدارة البيت الأبيض كذريعة للتدخل في اليمن، ولعل العمليات الانتحارية المتسارعة لتنظيم القاعدة في شبوة وحضرموت وأبين، خلال الأسبوع الماضي، والتي خلفت عشرات القتلى والجرحى من مرتزقة ما يسمى الحزام الأمني، دليل واضح على دخول الجنوب في مرحلة جديدة من الصراع القائم، في وقت يبدو فيه أن قرار إعلان خلافة إسلامية في المحافظات الجنوبية على غرار داعش في العراق وسوريا، قد اتخذ في دهاليز البيت الأبيض. 

استياء الشارع 
التدخل الأمريكي المباشر والتحركات الإماراتية للسيطرة على حقول النفط والغاز في المحافظات الجنوبية، ورغم الإذعان الواضح من قبل الفصائل الجنوبية المتناحرة لهذا التدخل، إلا أنها أثارت سخط بعض الأصوات داخل الشارع الجنوبي الذي يبدو أنه بدأ يستشعر خطر وجوده في ظل سيطرة دول الاحتلال على جميع المواقع، وتمدد نشاط تنظيم القاعدة في معظم المدن والقرى الجنوبية.
الكثير من الناشطين السياسيين من أبناء الجنوب أعربوا عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب العملية الأمريكية الإماراتية في شبوة، عن استيائهم الشديد من الوضع الراهن الذي تعيشه المحافظات الجنوبية في ظل توسع الجماعات الإرهابية المسلحة التي تمارس بحقهم أبشع الجرائم الإنسانية على حساب الدولة والأمن والحياة، مشيرين إلى أن المكونات السياسية الجنوبية أثبتت فشلها في إدارة الدولة، وعلى رأسها الفار هادي.
أصوات كثيرة بدأت تصرخ في شارع مكتظ بالعملاء والخونة والقتلة والمجرمين، إلا أن القيادات الجنوبية لازالت تغط في نوم عميق تحت وطأة العدوان.

حائط الجيش واللجان 
سيطرة قوات الجيش واللجان الشعبية على أهم النقاط الاستراتيجية الحاكمة داخل المحافظات الجنوبية من جبال كهبوب مروراً بمريس إلى عسيلان وبيحان في محافظة شبوة، تضع مشاريع العدوان التمزيقية في محك الفشل الدائم.
فعلاوة على أهمية الصمود الأسطوري لأبطال الجيش واللجان في جبهات الساحل الغربي لإفشال مشروع الانفصال ومشروع الأقاليم، فإن تواجد قوات الجيش واللجان في أهم النقاط الاستراتيجية داخل المحافظات الجنوبية، حسب آراء المراقبين، يشكل سداً منيعاً أمام محاولات دول العدوان لتقسيم الجنوب اليمني إلى أقاليم ودويلات صغيرة.

طريق الخلاص 
إذا ما دققنا جيداً في التطورات المتسارعة داخل المشهد الجنوبي المتآكل، فإن المؤشرات تنبئ بأن مستقبلاً أسود ينتظر أبناء الجنوب، حتى وإن كانت هناك أصوات حرة بدأت تعي جيداً مؤامرات العدوان بحق الجنوب وأبنائه، فإن مقاومة الاحتلال الأمريكي الإماراتي السعودي، والتشبيك مع القوى الوطنية بصنعاء، هو الطريق الوحيد للخلاص من الهيمنة الدولية، والقضاء على شبح الجماعات الإرهابية التي تلتهم جغرافية الجنوب شيئاً فشيئاً.