التحيتا.. جوع وحصار
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / عمر الزريقي

العوز وسوء التغذية الحاد يفتكان بعشرات الأطفال
التحيتا.. جوع وحصار
أن تشاهد طفلاً في الـ12 من عمره، عاجزاً عن المشي وغير قادر على الوقوف بسبب نحالة وضعف جسده، فهذا شيء محزن ومأساوي جداً. والأكثر من ذلك حينما تعرف أن جسده توقف عن النمو، وتحول الى جسد آخر في شكله ولونه، ومختلف عن بقية أجساد الأطفال الذين نشاهدهم يومياً في محيطنا المعتاد. جسد نحيل أكثر من النحالة التي نعرفها. ضئيل متقزم يتكون من عظم نحيل وجمجمة صغيرة يغطيها شعر غير كثيف وناعم. لقد توقف جسد هذا الطفل عن النمو بهذه البنية التي تبدو في الصورة. وتعتبر حالته واحدة من عشرات الحالات التي تعاني من سوء التغذية الحاد، وجميعها في مديرية التحيتا محافظة الحديدة. أطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة وعلى وجوههم ابتسامة بريئة يعرضونها عند مشاهدتهم الغرباء، أو عندما يشعرون أن شخصاً سيقدم لهم مساعدة طال انتظارها.
علق الدكتور جمال عبدالمغني، في صفحته على إحدى الصور التي التقطها خلال زيارته لمديرية التحيتا، بقوله: شاهدوا هذه الصورة، هي لطفل وأمه من مديرية التحيتا. صورة تملؤها الأم بالحسرة على وضع ابنها المأساوي الذي يعاني من سوء تغذية حاد، وإن أم الطفل تتمنى لو تستطيع أخذ مرض ابنها بدلاً عنه، ولكن جسمها النحيل والهزيل لا يكاد يتحمل شيئاً من معاناة طفلها المريض. في مديرية التحيتا ينتشر الجوع والمرض، ولم يقتصر على صغار السن فقط، بل امتد ليستهدف حتى كبارها.
الدكتور جمال عبد المغني، رئيس حملة (أنقذوا تهامة)، قال إن مديرية التحيتا تعيش وضعاً إنسانياً كارثياً منذ سنوات، وأنها تنذر بمجاعة مؤلمة ستأكل الأخضر واليابس بسبب الوضع الصحي والجوع، ووضعهم الاقتصادي المخيف.
وأشار إلى أن الوضع في هذه المديرية تعدى كل المؤشرات الخطيرة، وأنه مأساوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. منوهاً بقوله إن سكان مديرية التحيتا يعيشون متأخرين عن زمننا بـ100 سنة على أقل تقدير, وسرد جمال معاناتهم الكثيرة التي بدأها بانعدام مياه الشرب، حيث قال إن خزان المياه عندهم هو عبارة عن (ترمس) سعة 20 لتراً, وإن مصدر المياه عندهم هو عبارة عن بئر قذرة ممتلئة بالحشرات، وإن درجة حرارته عالية جداً. مستغرباً من ذلك بقوله إننا لا نستطيع نحن شربه، فكيف يشربون مثل هذا الماء الملوث.

بيوت النخيل بلا أدوات منزلية
أما البيوت التي يسكن فيها أبناء المديرية، فقد وصفها الدكتور جمال بأنها مبنية من سعف النخيل، وداخلها لا يوجد شيء، وأغلبيتهم لا يملكون فرشاً ينامون عليها، لدرجة أنهم ينامون فوق الرمال الحارة في جو حار لا يستطيع الكائن البشري تحمله. وأضاف أن أبناء المديرية يعتبرون أن أغنى إنسان هو الذي يملك عشة مكونة من أعواد النخيل، ومغطاة بستائر تمنع أشعة الشمس من الوصول الى وسط العشة، وداخلها فراش واحد ينام عليه كافة أفراد الأسرة.
وقد وصف المطبخ الذي تستخدمه أغلب الأسر في المديرية بأنه عبارة عن قدر من الفخار فقط. لا يعرفون شيئاً اسمه غاز ولا أدوات منزلية. ويعتمدون على جلب الأحطاب من الأشجار وإشعالها ثم يطبخون على نارها. كما أنهم لا يعرفون الكهرباء بالمطلق.
يعيش أبناء مديرية التحيتا في بقعة جغرافية تابعة لمحافظة الحديدة غرب اليمن، لكن لا يعرف هذا المكان إلا القليل منا، ولا أحد كان يعرف معاناتهم وجراحهم المنسية منذ سنوات، كما الحال عندهم أيضاً لا يعرفون مستشفيات ولا أدوات للطباخة ومواد أساسية للعيش ولا كماليات كتلك المواد التي تكتظ بها مطابخ بعض الأسر الغنية في المدن. وضع لا يقدر أي موطن آخر على العيش في المكان الذي يعيش فيه أبناء مديرية التحيتا ولو ليوم واحد.
وعن الجانب الطبي تطرق الدكتور جمال قائلاً إن الجانب الطبي والصحي كارثي للغاية، وإن سكان المديرية كبارهم وصغارهم أجسامهم نحيلة هزيلة لا يملكون غذاءً كافياً، يعيشون في فقر قاتل.
الموت جوعاً
الدكتور جمال سرد للصحيفة قصة محزنة سمعها خلال زيارته لإحدى القرى التابعة للمديرية من شاب قال إنه حدثه وهو يبكي عندما سرد قصة جدته، التي قال إنها ماتت من الجوع قبل شهرين. وشرح له تفاصيل معاناة جدته وهي تموت أمام عيني هذا الشاب، من شدة الجوع. وأضاف جمال بقوله إنه أول مرة يسمع أن فقراء يموتون بسبب الجوع، وأكد أن هذا حصل بالفعل في مديرية التحيتا، بسبب أنهم لا يملكون شيئاً، ولا يستطيعون عمل شيء، لهذا يموتون جوعاً.. أما عن حالة الأطفال في المديرية فقال الدكتور جمال إن جميع الأطفال يعانون من سوء تغذية بشكل كبير، لا يمكن أن نتصور ذلك. وجميع أجسام أطفال المديرية نحيلة، وعند مشاهدتهم يسيطر عليك الألم والحزن. الى جانب هذه المأساة أشار الى أن سكان المديرية لا يملكون مركزاً صحياً، فعندما يمرض أحد يتعفن وهو فوق فراشه حتى الموت. . وأوضح أنه التقى بإحدى الحالات، وهي حالة لامرأة تعرضت الى كسر في الحوض، وهي الآن طريحة الفراش منذ أكثر من 6 شهور، قال جمال إنها لا تقوى على عمل شيء، جسمها نحيل، وقد بدأت تعاني من تقرحات فراشية نتيجة عدم قدرتها على الحركة، مع العلم أنها كانت هي القابلة الوحيدة في القرية التي تقوم بتوليد الأمهات. وقال: عندما دخلنا عليها وهي طريحة الفراش، بكت بحرقة شديدة، شرحت لنا عجزها وألمها، وأنه لم يلتفت أحد لمعاناتها.

دعوة لمساعدة أبناء مديرية التحيتا
دعا ناشطون ودكاترة في حملة (أنقذوا تهامة) لمساعدة أبناء مديرية التحيتا لأنهم بحاجة الى المساعدة الطبية العاجلة لجميع الحالات المرضية في المديرية، حيث يوجد 33 حالة جرب وأمراض جلدية معدية, 30 حالة فشل كلوي, 4 حالات قلب, وحالة كسر في الحوض.
وطالب منظمو الحملة بأن يتم تقديم مساعدات إغاثية عاجلة لأهالي المديرية، وبالذات للأطفال ما دون سن الخامسة، الذين يعانون من سوء تغذية حاد. كما دعوا فاعلي الخير القادرين والتجار والجهات المسؤولة إلى مساعدة أهالي مديرية التحيتا، حيث إنهم يفتقرون الى أبسط مقومات الحياة، ولا يأكلون إلا دقيقاً مع ماء ملوث والشاي. وتوفير مصدر مياه صالح للشرب، وهم بحاجة أيضاً الى أسطوانات غاز وأوانٍ منزلية يطبخون عليها، لأنهم لا يطبخون إلا على قدر من الفخار يشعلون عليه حطب الأشجار.
وطالبوا في حملتهم تجار الأدوية ومستلزمات الأطفال في العاصمة والمحافظات الأخرى، بأن يقدموا المساعدات لأطفال التحيتا الذين يعانون من مرض سوء التغذية الحاد، ويحتاجون مكملات غذائية من عمر 6 شهور حتى عمر 8 سنوات، بكل أنواعها (حليب مجفف، سيريلاك، رز مجفف، مغذيات، مضادات حيوية، ومضادات طفيلية).
وطالبت حملة (أنقذوا تهامة) مكتب اليونيسف في صنعاء بأن يقوم بعمل تنسيق مشترك بينه وبين مكتب اليونيسف التابع له في محافظة الحديدة، لتقييم حالات سوء التغذية التي يعيشها أطفال مديرية التحيتا كخطوة أولية، بالإضافة الى تشكيل فريق طبي متكامل في صنعاء والحديدة للتواصل والرصد وتقييم الحالات ومعرفة ما إذا كان بالإمكان معالجتها في مستشفيات الحديدة أو تحويلها الى صنعاء، ومعرفة احتياجات الأسر التي يعاني أبناؤها من مرض سوء التغذية.
المصدر صحيفة لا / عمر الزريقي