يعد الشيخ الإمام عبدالهادي السودي من أبرز أعلام الصوفية في اليمن، بالإضافة الى أنه من أسرة علم وصلاح وفضل وتقى، شهرته كعالم وأديب ملأت الآفاق. وهو أحد العارفين، وسيرته العطرة منهل عذب للمشتغلين والمهتمين بتراث الصوفية. لا يُعرف بالضبط تاريخ مولده، وإن كان مما لا يرتاب فيه الباحثُ أن الشيخ ولد بعد منتصف القرن التاسع بقليل، ولكن بعض الباحثين يجعلون مولد الشيخ بين 860 و870هـ، أي في أواخر القرن التاسع الهجري، مقارنة ببعض الحوادث التاريخية التي وردت في حياته.
له العديد من المؤلفات، منها: (ديوان شعر) سماه (بلبل الأفراح وراحة الأرواح)، وفي شعره جودة وطلاوة، وأكثره على طريقة أهل التصوف، وأورد صاحب النور السافر طائفة كبيرة منه، والسودي نسبة إلى قرية (سودة مشضب) على ثلاث مراحل من صنعاء، ونسبه يرجع إلى بني شمر، وهم من أولاد كندة.
وتعتبر قبة مسجد الشيخ عبدالهادي السودي من أكبر القباب في اليمن، وتاريخها يعود إلى حقبة الدولة الطاهرية، ولونها الأبيض يأسر البصائر، وهي أحد أجمل المعالم الدينية في تعز القديمة من عصر الخلافة العثمانية.


للعارف بالله عبدالهادي السودي
أهلاً وسهلاً بكم يا جيرة الحللِ
ومرحباً بحداة العيس والكللِ
كنا نؤمل أن نحيا بقربكُمُ
فالآن والله هذا منتهى الأملِ
لو أن روحي في كفي وجدت بها
على البشير بكم يا مرهم العللِ
ما إن وفيت ببعضٍ من حقوقكمُ
وكنت من عدم الإنصاف في خجلِ
لا أوحش الله ممن لست أذكرهمْ
إِلا وصرت كمثل الشارب الثَّمِلِ
يا سادةً صيروني في محبتهمْ
أهيم وجداً ولا أصغي إِلى العذلِ
أسأل الريح عنهم كلما عبرتْ
وأسأل الركب هل مروا على الإبلِ
أستودع الله أحباباً علقت بهمْ
وصرت أهواهمُ في الأعصر الأولِ
محبة قد سرت في كل جارحةٍ
مني فما لي عنهم قط من بدلِ
أود لو زارني في النوم طيفهمُ
لأستريح من الأوصاب والوجلِ
فهم حياتي وهم سمعي وهم بصري
وهم مرادي من قبل انقضا أجلي
لا فارقت مسمعي أخبارهم أبداً
فالقلب من نأيهم في غاية الشغلِ
كم ليلة بت من شوقي ومن ولهي
أشاغل القلب بالغزلان والغزلِ
فقال ويحك كم هذا تعللني
دعني فحبهمُ حظي من العملِ
هيهات أين فراغي من محبتهمْ
لا عشت إن حدثتني النفس بالمَيلِ
هم حمّلوني غراماً كاد أيسره
يفني حياتي فقد بت الهوى حيلي
قلبي كليمٌ بموسى البين واتلفي
إن كان جرح فؤادي غير مندملِ
لقد لقيت الذي لم يلقه أحدٌ
قبلي سوى أهل صفين أو الجملِ
وهذه نفثاتٌ لست أظهرها
شكوى من الحبِّ بل من غاية الجذلِ
فهمُ أحبايَ إن جاروا وإن عدلوا
هذا مُفَصّل ما قدَّمتُ من جملِ
وقد رضيت هوى الأحباب لي قسماً
وحكمهم هو محبوبي عليّ ولي
هم أهل بدرٍ فلا يخشون من حرجٍ
دمي مباحٌ لهم في السهل والجبلِ
آهٍ على نظرةٍ منهم أُسرُّ بها
أجلو بها صدأ الأجفان والمقلِ
لو قيل لي وهجير الصيف في وهجٍ
وطي أحشايَ كم فيها من الشعلِ
أهم أحبّ إليك اليوم تشهدهمْ
أم شربةٌ من زلال الماء كالعسلِ
لقلت مشهدهم أهوى ولو تلفت
روحي أسىً وجوىً يا ليت ذلك لي
وهكذا الحب إن صحَّت قواعدهُ
ليس التكحل في العينين كالكَحلِ
ما حلَّ قلبي سوى الأحباب من قدمٍ
حاشايَ من ضجرٍ حاشايَ من مللِ
كم ذا أنادي ودمع العين منسكبٌ
على الخدود كمثل العارض الهطلِ
يا أهل ودِّي كم أرجو وصالَكُمُ
صِلوا فقد خُلِقَ الإنسانُ من عجلِ