منذ بدء العدوان الإمبريالي على اليمن، كانت المسيرة التي خاضها وفي المقابل كذلك القوات اليمنية، ليست على خط واحد مستقيم، بل شهد العام تحولات وانتقالات في موازين القوى الاستراتيجية والسياسية، انكسارات وانعطافات وتراجعات وتقدمات على الجانبين، وأخذت شكلاً متعرجاً معقداً، في خضم عام من التحولات العميقة والتغيرات الجيوسياسية التي نسفت جميع التوازنات السابقة ما قبل العدوان وبدأت فعلياً بالتساقط باشتعال الثورة الشعبية الجديدة في 21 أيلول المجيد.. كله نتناوله في هذا شق من عام العدوان في جانبه الاستراتيجي والعسكري.
يمكن تقسيم المعركة العدوانية طيلة عام إلى عدة فصول:
الفصل الأول: 
طور الدفاع السلبي
 اليمني ويشمل أشهر مارس أبريل مايو يونيو 2015م
في ليل الـ26 من مارس المنصرم، تلقت القوى الوطنية الضربات الحربية، وامتصتها بصبر وعناد، وأفشلت هدف العدوان ومخططاته المراهنة على تحقيق ضربات ماحقة بالقوات اليمنية بشكل خاطف من خلال الجو.
وبراً كان العدوان يحشد قواته الرئيسية ومعداته الحربية الهائلة والفارهة في الأراضي السعودية، استعداداً للشروع بالتوجه نحو العاصمة اليمنية صنعاء، مركز ثقل القوة ومركز الحرب.

إدارة الحرب والعدوان والصراع المسلح
استراتيجية العدو وخطته العامة
قامت استراتيجية العدوان الحربية على مجموعة من الاعتبارات الاستراتيجية والافتراضات الممكنة، وأهمها:
ـ تبني واعتماد نظرية الحرب الخاطفة القائمة على مباغتة الخصم قبل أن يفيق من غيبوبته الأمنية.
ـ اعتماد العدوان على جبهتين داخلية وأخرى خارجية تتركز عليها معظم القوات، بنفس الأهمية وحسب ظروف المعركة يمكن تقديم إحداهما على الأخرى. 

الموقف على الأرض.. 
المفاجأة والصدمة
في ساعة الصفر حسب الخطة المصممة بعناية ودقة وعلى معلومات استخباراتية دقيقة، اعتمدت إمكانات الغرب كله وقدراته الجوية والجاسوسية، اعتقدت أنها قد أصابت جميع الأهداف المرصودة، لكنها فوجئت أنها كانت على خطأ في معلوماتها السابقة عن الجيش اليمني الذي كان قد تمكن من الإفلات من المؤامرة السعودية الصهيونية، وغير كل بنيته السابقة، وقام بتموضعات جديدة آمنة سرية، فلم تصب هجمات العدوان من بنيته سوى ما هو ثانوي، بينما تمكن بالمقابل من لجم الهجوم السعودي البري المدرع، وتحويله للدفاع.. بعد أن فشلت الضربة الجوية في تحقيق أهدافها بأي مقدار، وبقاء القوات اليمنية البرية سليمة، ومواصلتها المقاومة بصلابة واستماتة، قد أرعبت العدو، وتراجع عن مشروعه الهجومي الكبير، لأن قوة الجيش اليمني الكبير العدد الذي يقارب 600 ألف جندي محترف مدرب بامتياز، تجعله سيد الأرض، فيما تحتاج المملكة الصغيرة إلى مليون جندي متفوق الأعداد كي تهاجم الأراضي اليمنية الواقعة بين عسير وصعدة، وتجتاح الخط الدفاعي الأول، وهي لا تستطيع ذلك مهما فعلت. لذا انكسرت إرادة العدوان من اللحظة الأولى، وانتقلت السعودية إلى خطة دفاعية استراتيجية من الاعتماد على الجيش السعودي المهزوم الى استراتيجية الاعتماد على المرتزقة المحليين والأجانب.

تغير الاستراتيجية العدوانية
جرى تغير الاستراتيجية العدوانية وهدفها وأسلوبها، وأهم جوانب التغير كانت تشمل الآتي:
- الاعتماد على المرتزقة في الاشتباكات بدلاً عن الجنود لعجزهم الواضح.
- التحول من الهجوم الى الدفاع الاستراتيجي ومواصلة الضربات الجوية والحصارات الشاملة لعل الحصار يضعف مخازن الجيش اليمني ويجبره على التسليم من أثر الجوع ونقص الذخائر والتموين.
- توسيع جبهات الداخل في كل مكان دون توقف لتحقيق هدفين أساسين هما: الأول إشغال الجيش اليمني بالحرب الاستنزافية الطويلة المجهدة المستمرة حتى تنفد القدرات المادية، والثاني عدم السماح له بالوقت والمجال والفرصة ليشن هجومه الكبير على الحدود السعودية وتحرير الأقاليم المحتلة.
- ممارسة حرب إبادة ضد المدنيين، وتوسيع الضرب العشوائي لإرهاب الشعب اليمني لإجباره على التخلي عن دعم الجيش اليمني، وردعه عن التقدم.
- احتلال المناطق الجنوبية والشرقية البعيدة عن السيطرة، واستدراجه إليها لإيقاعه في فخاخ الأساطيل الأمريكية والناتوية وطيرانها في المناطق المكشوفة الساحلية والصحراوية.
- استخدام العصابات الإرهابية المدربة جيداً وتمويلها لاستخدامها في المواجهات وتوطينها في الأماكن التي تحتلها بدافع إشعال حماستها.
- استغلال وإثارة النزعات الانفصالية والفئوية والمذهبية، وإعطاء الحرب أبعاداً طائفية وشوفينية. 

نقل الحرب إلى حدود العدو 
الجيش والأنصار يكسرون الاستراتيجية العدوانية 
تحمل الجيش اليمني والأنصار والقبائل اليمنية طيلة 45 يوماً دون رد على الهجوم، ثم لينتقل مستخدماً تكتيكات ممزوجة بين الحرب العصابية والنظامية لشن ضربات موجعة بالعدوان في حدوده وداخل عمقه، وألفيت المواقع السعودية تتساقط واحدة تلو الأخرى كأوراق الخريف. وفي منتصف مايو 15م كانت القوات اليمنية انتقلت لطور أعلى من الرد، وراحت هجماتها تتصاعد وتتسع رقعتها داخل عمق العدو. وهنا بدأت الدعوات للحوار والمفاوضات التي انعقدت لاحقاً في منتصف يونيو، أمام ما تخلق في الميدان بسواعد وأقدام قواتنا، وخلافاً لكل الحسابات، وهرباً بالوقت، ومسارعة بإعادة ترتيب الصفوف والخطط، ودون جدوى.

خطة خرق عدن
خلال أشهر ثلاثة قامت الولايات المتحدة عبر قيادة أسطولها البحري في الخليج اليمني، بتصميم خطة إعادة احتلال عدن والجنوب، وقد تم تدريب القوات في معسكرات داخل المملكة، وفي قواعد على الساحل الأفريقي وإريتريا، والأساطيل الغربية في الخليج اليمني، وتم حشد عشرات الآلاف من المرتزقة والإرهابيين وقوات إماراتية وسعودية وسودانية وسنغالية...، وحدثت إنزالات بحرية على أطراف البريقة ولحج البعيدة تجاه الغرب الساحلي على المندب وبمقربة من الأساطيل الأجنبية، وتم حشد الأسلحة الحديثة بما فيها المدرعات الأمريكية، وشرعت بعدها بعمليات قصف سجادية على عدن والمطار والمناطق التي تم الإنزال فيها بمشاركة أمريكية مباشرة، بحسب اعترافات الصحافة الأمريكية نفسها.
كانت الخطة محكمة لتطويق الجيش في الجنوب وضربه جواً وبحراً، وبعد معارك طاحنة استمرت أسابيع في ظل غطاء جوي كثيف للعدوان، اضطر الجيش اليمني واللجان الشعبية للتراجع التكتيكي والإفلات من الشبكة الفتاكة التي أعدت ضده، منتقلاً إلى المناطق الجبلية القريبة، وإعادة التموضع هناك. وعند تلك المواقع العنيدة ثبت أقدامه بصلابة وبأس شديدين، فيما العدو الذي ركبه الغرور من التقدم الذي حققه في عدن، راح يستعد لمواصلة التقدم شمالاً على تعز والبيضاء وشبوة وبيحان، لكنه ما برح أن انسحقت زحوفاته الضخمة، خاصة على عقبة ثرة التي تحولت لمقبرة للمدرعات الأمريكية.

الفصل الثاني:
 يوليو وأغسطس وسبتمبر 
زحوفات متكسرة
شهد هذا الفصل تحولاً نوعياً في مسار الرد اليمني العسكري على العدوان الإمبريالي، وفي الوقت الذي كان العدوان يعلن فيه عن تدمير 95% من المنظومة الصاروخية اليمنية، بدأ اليمن المعركة الصاروخية الفعلية كاشفاً عن سلاح استراتيجي يهدد العمق السعودي، وبدأ استخدامه مع اقتراب الخطر من العاصمة، لا سيما جبهة مأرب.
في الجهة المقابلة، وبعد فشل (جنيف 1)، واصل العدو حشد الكثير من قوات المرتزقة التي بلغت أكثر من 50 ألف مرتزق على الأرض في عدن وحدها، وآلاف الآليات الحربية المدرعة والدبابات والعربات والمدافع، وأسراب حديثة من الطائرات ومروحيات الأباتشي، وأسلحة متنوعة إلى حد التخمة.. وكان اللافت منذ دخول عدن أن العدوان بدأ تحشيد القوى الإرهابية بالآلاف، وتنظيمها في معسكرات رسمية تحت إشرافه، وهي ما راهن ويراهن عليها في حسم المعارك، خاصة في المناطق الشمالية والوسطى عبر لودر ومكيراس وثرة وكرش والشريجة. وقد شن العدو أكثر من 100 زحف وهجوم مدعوم بالطائرات الحربية على كل محور منها، وتعرضت كلها للانكسارات أمام صمود قواتنا اليمنية.

ملاحم مكيراس - كرش 
سوف يسجل التاريخ العسكري لليمن مستقبلاً أن على هاتين العقبتين الشامختين تكسرت آلاف المعدات والدبابات والأسلحة والمقاتلين الغزاة. فيها تم صد وكسر جميع المرتزقة. لن يمروا أبداً.
إن ما ميز القتال على الجبهة الداخلية للمرتزقة حتى خرق عدن في أغسطس، هو أنها كانت تقاتل وحدها بأسلحتها المتوسطة والخفيفة، أما الآن فإن العدو قد دفع بقوات خليجية مباشرة، إلى جانبها وسلحها تسليحاً ثقيلاً، ومدها بالمدرعات والطائرات التي نقلها إلى المناطق الداخلية، والتي استخدمت المطارات الإقليمية وأقامت معسكرات جديدة لها.

التصدع العدواني على الحدود
طور العدو سياسته واستراتيجيته بعد التحولات الجديدة على المسرح العام في الجبهة الحدودية نجران وجيزان وعسير، وكان الدافع الرئيسي لفتح جبهة عدن هو أن يضعف ذلك اندفاع القوات اليمنية في المناطق اليمنية المحتلة سعودياً، إلا أن قواتنا واصلت تقدمها وتوغلها في عمق العدو، وواصلت تكسير دفاعاته، خاصة خط الدفاع الأول والثاني، وفي هذا الفصل، انتقلت القوات اليمنية من ضربات الكر والفر التي كانت عليها في الفصل الأول، إلى بدء التمركز في المناطق الحساسة. وخلال هذه المدة تمكنت القوات اليمنية من أن تجعل ضرباتها تصل ليس فقط لمواقع عسكرية وآليات وجند، بل تصل إلى البنية العسكرية السعودية.

إعادة احتلال مأرب
لقد أراد العدو أن يجعل من مأرب نقطة التفاف ووثوب إلى العاصمة، وحامية للوجود الاحتلالي في الجنوب عبر محور مأرب بيحان البيضاء مكيراس، وبدأت المعسكرات الجديدة تستقبل القوات السعودية والإماراتية والقطرية... وامتلأت المعسكرات بآلاف المرتزقة استعداداً للهجوم الجديد.

4-9-15م توشكا صحن الجن
كان العدو بيَّت التخطيط للهجوم الكبير الذي حضَّر له طويلاً، فيما كانت القوات اليمنية تتابع ما يتم التخطيط له حتى ليلة الهجوم، لتبادرهم قبل التحرك بصاروخ توشكا باليستي سوفييتي الصنع، إلى قلب المعسكر، وهم يغطون في نوم عميق داخل العربات المكيفة، لتأتي النتيجة بمقتل وجرح المئات، وتم تدمير العشرات من الآليات الحربية ومخازن الذخيرة والأسلحة.. كانت تلك صدمة كبرى دفعت الآلاف إلى الفرار سريعاً قبل أن تبدأ أية معركة، فقد كان التوشكا، كفيلاً بسحق المعنويات للعدو.. لقد تمكنت قوات الجيش واللجان في المعارك التالية واللاحقة للتوشكا، من حصار قوات كبيرة من المرتزقة داخل مأرب المدينة في المنطقة العسكرية الثالثة، بينما ظل العدو لأسابيع طويلة يجاهد فك الحصار عن مرتزقته دون جدوى..  وللصواريخ اليمنية التي أطلقتها القوات اليمنية، الفضل في أن يقضي العدو الأشهر الثلاثة التالية في انكسارت متواصلة.

استراتيجية احتلال المنطقة الوسطى.. خيار الحاجز الاستراتيجي 
هناك ثلاث ظواهر هامة جداً الآن بعد مرور الأشهر الستة من العدوان، تستحق الوقوف عندها.
الأولى أن العدو لم يقم بالهجوم الكبير الذي أعد له وبدأه من خرق عدن الكبير، من دافع الشعور بالضعف الاستراتيجي، وليس الشعور بالقوة، وخاصة بعد فشل الضربات الجوية المباغتة. والثانية هي انتقال القوات اليمنية من وضع الدفاع إلى الهجوم الاستراتيجي على الحدود السعودية، باحثاً عن العدو لمواجهته وحسم المعركة معه على الميدان الرئيسي، حيث تتجمع أكبر قواته، وتقف أمامها قواتنا وجهاً لوجه على أهبة الاستعداد للمعارك الفاصلة.
والظاهرة الثالثة تمثلت بالتراجع المؤقت عن الهدف القديم للعدوان الدخول إلى العاصمة، وانتقاله إلى هدف أدنى مباشر، وهو احتلال الجنوب، والانتقال إلى السيطرة على منطقة وسطى تحمي احتلاله للجنوب، تكون فاصلاً حاجزاً بينه وبين القوات اليمنية في الشمال، تمكنه من إعادة بناء قواته وتصديرها إلى الشمال، ومواصلة حصار العاصمة من الأقاليم البعيدة، والتوسع تدريجياً نحو المركز.