ما إن يطل شهر رمضان حتى تدخل القنوات في ماراثون تسابق لعرض المسلسلات العربية، التي يقف المشاهد أمامها محتاراً عاجزاً عن إجراء مفاضلة بين الغث والسمين، والمسلسلات تتراكض حوله مثل الأرانب دون أن يستطيع الإمساك بأحدها، وبمجرد أن يطير الشهر تتبخر معه كل أعمال الدراما.
 زكاة الدراما
التركيز على إنتاج المسلسلات الدرامية لرمضان جعلها تبدو مثل الزكاة تحضر في رمضان وتغيب بقية العام، والتصاق الدراما بشهر رمضان لا يجعلها عملاً تعبدياً، بقدر ما يدل على عجز الدراما العربية عن جذب اهتمام المشاهد، والركون على أوقات السهر الرمضانية لتمضية الوقت مع تلك المسلسلات بدلاً من الملل.

المشاهد في الأرض والقصة في السماء
ويرى بعض النقاد أن عجز الدراما العربية، وخصوصاً المصرية منها، عن إيجاد مفعول قوي الأثر بين الجمهور، يرجع إلى عدم احترام تلك الدراما لعقول المشاهدين، وابتعادها عن ملامسة هموم وقضايا الشعوب العربية، فبينما نجد المواطن العربي قد تجاوز مربعات التسلية العبثية، وأصبح مسكوناً بهواجس مؤرقة عن تردي الحالة المعيشية على مختلف المستويات اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، وسط حروب تشن من قبل قطب الهيمنة الأمريكية وأتباعه على مختلف الجبهات، تظهر تارة على شكل هجمات عسكرية كما هو حاصل في اليمن وسوريا والعراق وليبيا والبحرين وفلسطين ولبنان، وتظهر في أشكال أخرى عبر الحرب الثقافية والاقتصادية.
إلا أن معظم الإنتاج الدرامي في الدول العربية يصر على البقاء داخل دائرة التكرار لمواضيع خارج هموم الشعوب العربية، عبر النفخ في قضايا هامشية، وفرضها على المشاهد.

هيفاء وغادة في خدمة الصائمين
الدراما المصرية أجهدت نفسها هذا العام بإنتاج 43 مسلسلاً، بينها مسلسلان عن العلاقات الجنسية المشبوهة؛ الأول بعنوان (الحرباية) بطولة هيفاء وهبي، والذي تقوم خلاله هيفاء بتقديم قصة امرأة لعوب متعددة العلاقات مع الرجال.
والمسلسل الثاني بعنوان (أرض جو) بطولة غادة عبدالرازق، والذي تقوم فيه غادة بدور مضيفة طيران كثيرة العلاقات مع الرجال.
ومن جديد طبعاً سنجد حجة الجرأة والمكاشفة ومعالجة المسكوت عنه، شماعة لترويج وعرض تلك الأعمال.

عفاريت الزعيم
الزعيم عادل إمام، بعد أن شغل الشاشات في العامين الماضيين بمسلسلات البطولة الخرقاء عن العداء لإسرائيل، فقط لأنه شخص ثري كانت أمواله في إسرائيل وتعرض لعملية احتيال، فقرر الانتقام بـ(فرقة ناجي عطا الله)، فكان له ما أراد عندما تسلل لإسرائيل وسرق البنك، وعاد منتصراً، دون أن يسأل نفسه ماذا تفعل أموال ثري عربي في بنوك إسرائيل؟ وعما إذا كان على الجمهور أن يتفاعل مع ثري قام بنك صهيوني بمصادرة أمواله؟ وهل اقتصر العداء بين العرب والكيان الصهيوني على أموال أحد من العرب، ونترك قضية الأرض والدم؟ وطبعاً لن تجد توجهات التطبيع أفضل من نجم الشاشات عادل إمام لفرض فكرة (إسرائيل) على الواقع العربي والتعايش معها.
وبعد مسلسل (فرقة ناجي عطا الله) التطبيعي مع الكيان الصهيوني، استجلب عادل إمام الحوار بين الأديان موضوعاً لمسلسل (مأمون وشركاه).
الزعيم سيطل هذا العام بدراما غارقة في الرفاه من خلال مسلسل (عفاريت عدلي علام) الذي يحكي قصة رجل سبعيني يعمل بدار الكتب، يثير جدلاً من خلال مقالات ينشرها في إحدى الصحف تحت اسم مستعار، يقع في حب إحدى الجنيات التي يستحضرها عندما يقرأ كتاباً غريباً وقع بين يديه عن الشعوذة، وتصاب حياته بمفارقات نتيجة لحب العفريتة.
ولا يتوقع النقاد أن العمل سيفاجئ المشاهدين بأي جديد غير السطحي المألوف، بعد أن أصبح عادل إمام في السنوات الأخيرة أكبر من النصوص والمخرجين، ولا يكترث بتقديم أعمال تتسم بالرقي والجدية في قالب ساخر كما كان في الماضي، لكن مع فارق أن أجره يسجل ارتفاعاً مستمراً، حيث حظي بأجر قدره 45 مليون جنيه مصري عن مسلسله الأخير (عفاريت عدلي علام).

الدراما السورية حاضرة
رغم مضي 6 أعوام من الهجوم على سوريا، وتخلي شركات الإنتاج الخليجية عن الاستثمار في إنتاج الدراما داخل سوريا، وفرض المقاطعة على كل ما يمت لسوريا بصلة من قبل أتباع الولايات المتحدة، إلا أن الدراما السورية تبقى الأكثر قوة وحضوراً، حيث تقدم لشهر رمضان 14 مسلسلاً، واحد من هذه المسلسلات فقط هو ما تم تصويره خارج سوريا.

(باب الحارة) مفتوح في رمضان
أبرز أعمال الدراما السورية لشهر رمضان يتمثل بمسلسل (باب الحارة) الذي نال أكبر نسبة متابعة بين المسلسلات العربية خلال الأعوام الـ6 الماضية.
(باب الحارة) في نسخته الـ9 يحمل بين جنباته الكثير من المفاجآت عن احتضان أبو عصام لطفل لقيط، لا تمر قضيته بسلام، بالإضافة إلى الكثير من الأحداث المشوقة في الحارة التي لاتزال تحتفظ بالنخوة الشامية وشهامة أبناء الشام.

بقعة ضوء
مسلسل (بقعة ضوء) في نسخته الـ13، هو الآخر يعود بحلة جديدة من إخراج فادي سليم، والذي يناقش باسكتشات ساخرة عدداً من القضايا الاجتماعية، ويشارك فيه نخبة من أفضل النجوم السوريين واللبنانيين.

تاريخ ثورات وخيال
وإلى جانب المسلسلات العريقة، قدمت الدراما السورية مجموعة من الأعمال الدرامية التي تتوزع بين الأعمال التاريخية مثل الجزء الـ4 من مسلسل (طوق البنات) الذي يسلط الضوء على ثورة الجزائر وبعض الأحداث التي شهدتها مصر في خمسينيات القرن الماضي، إضافة إلى مسلسلات كوميدية واجتماعية ومسلسلات (فانتازيا) خيالية.

خارج سجن اللحظة
ويلاحظ أن الدراما السورية لم تحاول الاقتراب من واقع المعاناة التي تعايشها سوريا نتيجة الحرب الإرهابية، والتي يبررها البعض بالقول إن إنتاج الدراما في سوريا يعد صناعة تعمل وفق متطلبات العرض وجذب الجمهور خارج سوريا من أجل الربح، ولا يمكن العودة بها إلى مربع الشأن الداخلي.
بينما يعتقد البعض أن الواقع المؤلم الذي عايشته سوريا سيكون مصدراً لإلهام المبدعين من الكتاب والمخرجين عندما يتسنى لهم الوقت لتقديم شيء من ذلك الواقع في قوالب فنية تتسم بالرقي، تحوِّل قضايا السوريين في ظل حرب الإرهاب من شأن محلي إلى شأن إنساني عام.