يطلُّ الصباح من عيني الفجر البهي، فتبدأ سيمفونية الحياة عزفها بأصوات العصافير وتفتّح الزنابق وتمايل الأغصان، وسط همسات الحقول الحانية، المثقلة بعطاء الخالق.. بينما (سلوى) تبدأ صباحها بذرف دموعها الحرّى، فتبكي كائناتُ الصباح من حولها، لأنها تخرج مرغمةً تحت لسعات (سوط) أمها إن لم تُنفذْ ما تُؤمر به..!
(سلوى) ليس ما يبكيها خروجها في الصباح الباكر، بل ما تلاقيه من صلف ومعاملة لاإنسانية من بعض (ربات) البيوت، فالبعض منهن ترمي لها بكسرة (الخبز) بتأفف من حالها الرث، وبعضهن الآخر تُسمعها ألفاظاً تجرحُ مشاعرها، وفي معظم الأوقات تعودُ إلى بيتها خاليةَ الوفاض..!
أُسرةُ (سلوى) ليست من الأسر التي تعاني الفقر المدقع أو العوز والحاجة، فالأب في عز شبابه، ويستطيع أن يعمل ليوفر احتياجات أسرته، كما أن لديه أرضاً بوراً إذا زرعها بإمكانها أن تُطعمَ أصحاب القرية فرداً فرداً، ولكنه ممن عقدوا علاقة وطيدة مع (الكسل) ونوم النهار، والاعتماد على ما تأتي به (سلوى) وإخوانها الصغار..
الأم بعز شبابها، وتستطيع أن تصنع (الخبز) لأطفالها في مطبخها، وبإمكانها تجنيب طفلتها الإهانات التي تتلقاها يومياً..
جارات أم (سلوى) راقبنها عن بُعد وهي تُخرج أكياس القمح إلى محل (النفايات) بعد أن امتلأت بـ(السوس)..!
إذن، المشكلة ليست في الفقر أو الحاجة, ولكن في النفس البشرية التي تعوّدت أن تعلّق آمالها بالوهم وشماعة الاتكالية على الآخرين، حتى وإن أدى ذلك إلى إراقة ماء الوجه..!
تظلُّ (سلوى) هي من يدفع ثمن استهتار (أبوين) فرطا في الأمانة التي ائتمنا بالحفاظ عليها، وتوفير الحياة الكريمة لها.
(سلوى) التي بدأت تنضجُ فيها (الأنثى)، وأصبحت في بداية الصبا، باتت تخشى ذئاب البشر، حينما تخرج في الصباح الباكر وهي تطرقُ الأبواب من أجل كسرة خبز، وتتوجسُ خيفةً لخطواتها التي تسبقها دموعها الحرّى..!
سلوى تلك الزهرة الجميلة والطفلة البريئة والزنبقة البيضاء التي دخلت المرحلة المتوسطة وما تزال بأحوال البؤس والإجبار على فعل ما تكره..!
ما أتعس الإنسان عندما يشعرُ يوماً ما أنه في مكان خطأ وغير مقتنع بتصرفه.. وضعه القدر حيث يُثقله الألم، ويضيقُ أمامه الأفق الملبد بالسواد والمعتم حد لا رؤية..
وما أتعس سلوى وهي تبدأ صباحها بالبحث عن كسرة خبز، فتنسى أنها طفلة لها حقوقها الإنسانية التي سُلبت منها على حين غفلة من اللاإنسانية، ومن أبوين باعا طفولتها بكسرة خبز.