في اليوم الذي تلى عطلة احتفالهم بعيد العمال، انتظرت حسناء اليمن بفارغ صبرها قدوم من عهدت إليهم الاعتناء بجمالها, كي يقوموا بإزالة ما ظهر في غيابهم من أوساخ (نفايات) على بشرتها الناعمة, قبل أن يستيقظ عشاقها ويروها في هذا المظهر.. تأخر الوقت ولم يأتِ مختصو التجميل، وبدأت العاصمة تشعر بالحرج لاستمرار تلك النفايات بالظهور في كامل شوارعها, ولم تعلم أن أولئك المختصين أعلنوا إضرابهم عن العمل بسبب عدم قيام الجهات المالية بصرف استحقاقاتهم للشهر الثاني على التوالي, وأن غيابهم عنها سيستمر لـ8 أيام كاد فيها ذلك الوباء المتفشي في أرجائها أن يخفي جمالها الآسر, في وقت من المفترض أن يزيد هطول الأمطار من رونقه، لتتباهى به هذه الحسناء. . فهناك من أصر على تشويه صورة العاصمة بتكدس القمامة في شوارعها، وإلحاق الضرر الناتج عن ذلك بمواطنيها, وفعل ذلك - بحسب معلومات - بعض موظفي مشروع النظافة, بتأخير صرف مرتباتهم رغم توفرها في خزانة البنك المركزي, ما دفعهم إلى إعلان إضرابهم عن العمل كرد فعل لما قام به وزير مالية الإنقاذ.
شوارع العاصمة تتحول إلى مكب نفايات
لم يلتفت معظم سكان العاصمة صنعاء لغياب أهم فئة في مجتمعهم, إلا عندما كبرت أكوام القمامة التي لم ينتبهوا لبداية تراكمها في شوارعهم منذ أيام بسبب إضراب أفراد تلك الفئة, ولولا انزعاجهم من الروائح الكريهة المنبعثة عنها لما تساءلوا عن سبب غياب عمال النظافة.
وبعد أن علم جميع من في العاصمة أن عاملي النظافة أضربوا بسبب عدم استلامهم مرتباتهم, بدأ المواطنون يثيرون ضجة حول غمر النفايات شوارعهم الرئيسية والفرعية، محملين حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي مسؤولية ذلك, وما ترتب عليه من آثار سلبية أضرت بصحة البعض منهم.
حيث يرى كثيرون أن تحول عاصمتهم إلى مكب للنفايات، له علاقة بانتشار وباء الكوليرا في أوساطهم، خصوصاً وأنه مرتبط بالتلوث, مستدلين في ذلك بالحالات الكثيرة التي أصيبت بهذا المرض في الأسبوع الماضي، وسجلتها عدد من المستشفيات.
ونظراً لكون النفايات المنزلية غنية بالمواد العضوية، فإن هذا يسهم في تكاثر أنواع من البكتيريا، خاصة الضارة منها، مما يسبب ظهور عدة أمراض خطيرة تؤثر على صحة الأشخاص المعرضين لهذه النفايات, ومن المرجح أن الكوليرا من بينها.
وصل السخط الشعبي تجاه هذه الظاهرة إلى مسؤولي الحكومة, ودلت الأخبار المتداولة في المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، على اكتفائهم بتراشق الاتهامات في ما بينهم, دون إدراكهم لما سيؤول إليه استمرار تكدس القمامة في الشوارع من أضرار خطيرة على الصحة والبيئة.
وتداولت وسائل الإعلام وعدد من السياسيين والصحافيين في صفحاتهم أخباراً تتهم وزير المالية وأمين العاصمة, كل بحسب المكون السياسي المنتمي إليه, وبين هذين الاتهامين ضاعت حقيقة المتسبب بالمشكلة، وصار الجميع يتهمون الشخصين، مع أخذهم في الاعتبار الانتماء السياسي لكليهما.

وزارة المالية وأمانة العاصمة في دائرة الاتهام
كثرت في الآونة الأخيرة الأحاديث المنتقدة أداء وزير المالية في حكومة الإنقاذ الوطني صالح شعبان, وأنه لا يؤدي مهامه المنوطة به بالشكل الصحيح، في الوقت الذي لم يستلم فيه معظم الموظفين رواتبهم للشهر الـ8، بسبب الحرب الاقتصادية التي شنها تحالف العدوان على اليمن.. وهذا التقصير في العمل غير مقبول عند الموظفين, والمواطنين على حد سواء, لأنهم أملوا في حكومة الإنقاذ خيراً, بأنها ستعمل على معالجة مشاكلهم التي نتجت عن العدوان، ومن بينها الاقتصادية, والتي بدورها أدت إلى مشاكل عديدة، آخرها تكدس القمامة في شوارع صنعاء.
رفض الوزير صالح شعبان الالتقاء بنا للحديث حول هذه المشكلة, كي يعلم الشارع اليمني المتسبب الحقيقي فيها، كما رفض التصريح لعدد من وسائل الإعلام المحلية حول هذه المشكلة، حسب ما أدلى به مسؤولو أمن وزارته, والذين يشكون تصرفاته التي وصفوها بالعوجاء, منها إيقاف صرف مستحقات تغذيتهم الشهرية المعروفة منذ عهد الراحل إبراهيم الحمدي, حيث قالوا إنه لم يوقفها قبله أحد، كون قيمتها لا تتجاوز 5 آلاف ريال شهرياً لكل فرد حراسة, مؤكدين حاجتهم الماسة إليها في ظل أزمة الرواتب.
ومع أننا لم نلتقِ بالوزير، إلا أن مدير مكتبه أبلغنا عبر سماعة هاتف علاقات الوزارة, أن الوزير اجتمع، الاثنين الماضي، مع أمين العاصمة ومدير مشروع النظافة وعدد من المسؤولين، لمعالجة مشكلة تكدس القمامة, نتج عن الاجتماع إرسال مالية الإنقاذ تعزيزات إلى البنك المركزي, ليتم صرف الرواتب في اليوم التالي ليوم اجتماعهم.
لم يتحدث مدير المكتب بغير هذا الكلام, كما لم يجب على سؤال يستفسر عن صحة وقوف (المالية) وراء تكدس أكوام القمامة في شوارع العاصمة، وهو امتناع يؤكد أن لها علاقة وطيدة بهذا الأمر.
من جانب آخر، يرى البعض أن أمين العاصمة لم يكن أميناً بالشكل المطلوب, وإلا لما اتخذت النفايات من شوارعها مسكناً لها طوال 10 أيام, فهو من ضمن المتهمين الذين وردت أسماؤهم في قائمة حديث المواطنين, كونه المسؤول الأول عن العاصمة صنعاء.
غير أن بعض الموظفين في مكتبه التقينا بهم، الثلاثاء الماضي، تحدثوا عن أن أمانة العاصمة لا علاقة لها بتكدس القمامة في الشوارع, كونها ليست المسؤولة عن صرف مرتبات عمال النظافة. وعلاوة على ذلك، يبذل أمين جمعان جهوداً كبيرة لحل مشكلة إضراب موظفي مشروع النظافة, الذين سبق أن لوحوا بالإضراب بداية العام الجاري، بسبب تأخر مرتبات شهري يناير وفبراير، ما دفع جمعان إلى التصرف لدفعها تفادياً للنتائج الكارثية لمثل هذا الإضراب.

عمال النظافة يتهمون شعبان ويبرئون جمعان
وجه الموظفون في مشروع النظافة أصابع الاتهام إلى وزارة المالية والبنك المركزي بوقوفهما وراء عدم استلامهم مرتباتهم، ما جعلهم يضربون عن العمل, ويقول مدير إدارة خدمات المشروع الأستاذ عمار مطهر، إن وزير المالية يتحمل مسؤولية تكدس أكوام القمامة في شوارع العاصمة, لأن ما دفع العمال للإضراب هو المماطلة في دفع مستحقاتهم.
وأضاف مطهر أن أمين العاصمة لا علاقة له بهذا الأمر, فمشروع النظافة يورد إيراداته إلى البنك المركزي الذي يشاطر شعبان المسؤولية, وينتظر أوامر الأخير لصرف المرتبات, ولهذا فإن أمانة العاصمة لا علاقة لها في ما يحدث. منوهاً إلى أن جمعان صرف رواتب موظفي المشروع لشهري يناير وفبراير بضمانة عقود شركاته.
وأكد عمار أن إدارة مشروع النظافة ملتزمة بتوريد إيراداتها شهرياً إلى الخزانة العامة تنفيذاً للقرار الوزاري المتعلق بهذا الأمر, بينما لا تلتزم وزارة المالية بصرف استحقاقات عمال النظافة وبقية الموظفين في المشروع، التي لا تتجاوز جميعها 120 مليون ريال، مع أن المشروع هو من وفرها بإيراداته. مشيراً إلى أنه لو لم تكن ميزانية رواتب العمال متوفرة لعملوا بلا راتب خدمة للوطن, ولكن تأكدهم من توفرها وتعمد المعنيين عدم صرفها، فرض عليهم أخذ حقهم بطريقتهم.
25 ألف ريال راتب عبدالكريم عبده (40 عاماً)، سائق إحدى شاحنات النظافة، الذي يتحدث لـ(لا) عن أن راتبه هذا لا يكفي لدفع إيجار البيت الذي يسكن فيه مع أولاده، ويحتاج لـ10 آلاف ريال إضافية لإيفاء المبلغ, ويعاني صعوبات كثيرة حتى يوفر احتياجات منزله من أكل وشرب وثياب ودواء.
ويضيف عبدالكريم أن وزير المالية قطع راتبه وبقية زملائه لشهرين مع بساطة المبلغ الذي يستحي من ذكره, ولم يكتفِ بخفض الإضافي الذي كانوا يستلمونه من 12 ألف ريال إلى 8 آلاف ريال.
ويعاني عمال النظافة مما يواجهونه من نظرة متخلفة من بعض المواطنين, الذين يوجهون الإهانات لهم ويحتقرونهم أثناء قيامهم بواجبهم في تنظيف شوارع وأحياء العاصمة صنعاء, التي لم تستطع بقية فئات المجتمع تحمل غياب أولئك العمال ومكانسهم عن عاصمتهم لعدة أيام, وهذا يشير إلى مدى أهمية هذه الفئة العاملة التي فاقت أهمية كراسي حكومة الإنقاذ والجالسين عليها.

مكانس عمال النظافة تكسب
استغرقت مكانس عمال نظافة العاصمة صنعاء 8 أيام فقط من تاريخ بدء إضرابها في الثاني من الشهر الجاري, لتحسم الصراع الذي خاضته خلال هذه الفترة مع من أخروا صرف مرتبات موظفي مشروع النظافة لصالحها.
فأكوام القمامة تكدست في شوارع العاصمة بشكل كبير في فترة الإضراب, حتى إن وزير المالية المتهم من قبل عمال النظافة بأنه وراء تأخر استلامهم استحقاقاتهم, عجز عن رفع النفايات المكدسة أمام مبنى وزارته في حي الصافية, منتظراً قدوم أولئك العمال ومكانسهم لإزالة القذارة التي سببتها تصرفاته.
وبعد أن لاحظ المسؤول والمواطن كارثة إضراب من يسمونهم (البلدية), أدركوا مدى أهميتهم للحفاظ على نظافتهم ونظافة مدنهم، فقررت وزارة المالية إرسال موافقتها على صرف مرتبات العاملين فيها إلى البنك المركزي, وبدأوا باستلامها من الثلاثاء الماضي.
وحرصاً على عدم تكرر هذا الأمر, يرى المواطنون أنه يتوجب على المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ إدراك مخاطر حدوث مشاكل من هذا النوع، التي يكون تأثيرها كارثياً على المجتمع برمته, وتجهيز خطوات من شأنها منع مسببات هذه المشكلة من الظهور.