سعى تحالف العدوان الأمريكي السعودي لتدمير ونهب كل ثروات الوطن ومصادر دخله القومي كي لا يستفيد منها اليمانيون مستقبلاً ، وظهر هدفه هذا جلياً منذ أيامه الأولى، حيث كانت مقدرات البلد على رأس قائمة أهداف طيرانه، حيث تم قصف الوزارات والمعسكرات والمنشآت الخدمية، وكذلك منشآت النفط والغاز والموانئ البحرية والمطارات، ما أخرج معظمها عن الخدمة. والحرب الإعلامية التي شنتها وتشنها وسائل إعلام تحالف العدوان عقب انهزام جحافله ومرتزقته في معركة المخا، والخسارة الفادحة التي لحقت برمحه الذهبي على محافظة الحديدة ومينائها، كشفت نواياه القذرة في تدميرهما كونهما شريان الحياة الوحيد الذي يمد الشعب اليمني بالغذاء والوقود اللازم لاستمرار الحياة، خصوصاً وأن قصفهم لأرصفته وآلاته العملاقة نجح في تعطيل عمله لفترة حرمه فيها من استقبال السفن بما تحمله من مواد غذائية وأدوية.
ولكن ذلك القصف لم يكبح جماح موظفي مؤسسة موانئ البحر الأحمر الشرفاء الذين أعادوا له الحياة، وتمكنوا من تشغيله ولو في الحدود الدنيا، رغم الخسائر التي لحقت به، والمخاطر التي يواجهونها لقيامهم بهذا. ما وجه صفعة للمعتدين الذين لجأوا بعدها للبحث عن وسائل تمكنهم من تحقيق هدفهم, ورأوا أن السبيل إلى ذلك هو احتلال عروس البحر الأحمر، وبالتالي السيطرة على مينائها العملاق، ومن ثم قتله كما فعلوا بشقيقيه في محافظتي عدن وحضرموت المحتلتين.
ولتسليط الضوء على معاناة الميناء من العدوان والحصار, توجهت صحيفة (لا) إلى مدينة الحديدة لتوثق بالقلم والعدسة واقع الميناء ونشاطه في الفترة الراهنة.

صرح عملاق
يتوسط ميناء الحديدة الساحل الغربي للجمهورية اليمنية على البحر الأحمر, تحديداً على خطي عرض وطول 14.50 درجة شمالاً, و42.56 درجة شرقاً. ويملك الميناء 10 أرصفة يبلغ طولها الإجمالي 1711 متراً, لتفريغ حمولات السفن الوافدة إليه من شتى بلدان العالم, منها رصيفان مخصصان لتفريغ ناقلات المشتقات النفطية.
وهذا الصرح العملاق الذي أنشئ في ستينيات القرن الماضي، وجرى تطويره على مراحل عدة، يعمل فيه أكثر من 3 آلاف موظف. كما أن 70% من إجمالي حجم البضائع المستوردة التي كانت تدخل الجمهورية اليمنية عن طريق البحر قبل العدوان، كانت تأتي من ميناء الحديدة، وذلك لعدة أسباب نتناولها لاحقاً في هذا الحيز.
وبعد قيام العدوان واحتلاله المحافظات الجنوبية وموانئها, وكذلك فرضه الحصار على مطارات ومنافذ المحافظات التي لم تطأها أقدام قواته ومرتزقتها لقتل أبنائها وإخضاعهم بطريقة أخرى غير صواريخ طيرانه, أضحى ميناء الحديدة هو المتنفس الوحيد الذي تحاول القوى الوطنية إنعاشه رغم الإجراءات التعسفية التي يقوم بها ممثلو قرن الشيطان بحق السفن القادمة إليه لعرقلة سير عمله, وقرصنتهم في المياه الدولية المتاخمة لمياهنا الإقليمية، وبإشراف أممي.

أضرار جسيمة تلحق بالميناء نتيجة العدوان والحصار
لحقت بميناء الحديدة التجاري أضرار كبيرة وجسيمة بفعل غارات طيران العدوان الأمريكي السعودي, حيث نال الميناء نصيب وافر من همجية هذه الغارات على المحافظة, فقد دمر مخازنه وبعض أرصفته, وأيضاً كريناته الخاصة بنقل الحاويات من ظهر السفن إلى ساحة الميناء، وذلك بالاستهداف المباشر لغرف التحكم الخاصة بها والواقعة في أعلاها، مما أخرجها تماماً عن الخدمة.
ومع أن الموظفين في مؤسسة موانئ البحر الأحمر يبذلون أقصى جهدهم لضمان استمرار عمل الميناء, إلا أنهم يواجهون صعوبات كبيرة وكثيرة في القيام بعملهم، ومنها شحة الإمكانيات، إضافة إلى أن الحصار الذي يفرضه تحالف العدوان على الوطن والميناء أدى إلى خفض عدد السفن الواصلة إلى الميناء بنسبة تجاوزت 50% على ما كانت عليه قبل العدوان والحصار. وتظهر معلومات حصلت عليها أسبوعية (لا) من إدارة الميناء، ذلك الانخفاض منذ بداية العدوان على مرحلتين، ففي سنة 2015 وصل إجمالي عدد العائمات خلالها من سفن وناقلات وسنابيك إلى 874 ، أما في 2016 فقد انخفض الى 523، بينما كان في 2014 عددها 1364.
ويبلغ إجمالي أضرار الميناء أكثر من 300 مليون دولار، والرقم يستمر بالارتفاع مع استمرار العدوان والحصار، هذا ما تحدث به نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية المهندس يحيى شرف الدين، في لقاء مع الصحيفة، الأسبوع الماضي، في المركز الرئيسي للمؤسسة داخل الميناء، والذي أشار إلى مضايقة أسطول العدوان المتواجد في المياه الدولية المحاذية لمياه اليمن الإقليمية للسفن التجارية المحملة بالمواد الغذائية والنفطية، ومنعها من الرسو على أرصفة الميناء وتفريغ حمولتها رغم أن لديها تصاريح من الأمم المتحدة، وأن أمراً كهذا يؤثر كثيراً على عمل الميناء, والهدف من ذلك هو تعطيله لضمان عدم منافسته للموانئ التي تديرها مؤسسة دبي.
ومن الأضرار الناتجة عن الحصار، وتهدد الميناء بالتوقف عن العمل هي (عدم قدرة مؤسسة الموانئ على شراء وإدخال قطع الغيار اللازمة لإصلاح بعض الآلات العملاقة المشغلة له, والتي يتم استيرادها من الخارج، فقد أصدرت دولة الإمارات شريكة السعودية في العدوان قراراً يمنع عبور أية حاويات إلى اليمن من موانئها, والأمم المتحدة لديها علم بذلك)، بحسب ما قاله المهندس شرف الدين.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى قبل دخول تحالف العدوان مدينة عدن، سنجد أن دعاوى غزوها كانت تحريرها ممن تسميهم الانقلابيين، وإعادة الحياة لمينائها الذي تعطل بسببهم, فبعد أن دخل المحتلون المدينة تعمدوا تدميرها وتسليمها وثرواتها للإرهابيين. حتى إن الإمارات شريكة العدوان أوقفت عمل الميناء مع أنه تحت إدارة مؤسسة موانئ دبي التابعة لها, ولم تجعله يعمل مثل ميناء جيبوتي الذي تديره هو الآخر.

عمال الميناء يجوعون
ومرتزقة العدوان يشبعون
عين تحالف عدوان الشر مرتزقة من جيوش مختلفة الجنسيات، على رأسهم مصريون وإثيوبيون وأجانب، وشكل منهم أسطولاً بحرياً كلفه بمراقبة وتفتيش السفن المحملة بالبضائع الواردة إلى الجمهورية اليمنية عبر ميناء الحديدة.
ويقوم هذا الأسطول، حسب معلومات أعطتها مصادر مسؤولة في مؤسسة موانئ البحر الأحمر للصحيفة, بتنفيذ أعمال قرصنة في المياه الإقليمية اليمنية المحاذية للمياه الدولية، بحق السفن القادمة إلى ميناء الحديدة, وهو ما انعكس سلباً على الميناء، حيث أحجمت العديد من السفن عن التوجه نحو الميناء حتى يتم وضع حد لتلك الأعمال. وأكد المسؤول عن متابعة حركة السفن ورسوها وتفريغ حمولاتها في ميناء الحديدة التجاري، قيام مرتزقة العدوان من الأسطول البحري المحتل للمياه الدولية اليمنية، بالاعتداء على طواقم عدة سفن وإشهار السلاح عليهم, كما أخذوا مالاً بالقوة من بعضها.
ويضيف المسؤول نفسه الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن أسطول العدوان ومرتزقته يفرض آليات خاصة به تنظم دخول وخروج البواخر القادمة إلى الميناء, وتلك الآليات ليست محددة، ولكنها مزاجية وتخالف القوانين والأعراف الدولية، وتُعد تجاوزاً لقرار مجلس الأمن 2216. مشيراً إلى أن من ضمن تلك الأعمال المزاجية منع السفن التي سمحوا لها بالمرور مسبقاً فور وصولها إلى الغاطس، من دخول الميناء, وأمرها بالعودة منه، وهذا أمر مستحيل في الملاحة البحرية، لأن العمق والمساحة اللذين تملكهما الباخرة في هذه الحالة، لا يكفيان لعمل استدارة كاملة، ما يهددها بكارثة، كما حدث مع سفينة (إم إس سي جاك إكسبرس) قبل فترة.
إن كل هذه الأعمال الهمجية وغيرها التي يقوم بها المعتدون، تهدف لإلحاق ضرر اقتصادي بميناء الحديدة بطريقة غير مباشرة, كون السفن الواصلة إليه تقل يوماً بعد يوم، بسبب تلك الممارسات، وقد تنعدم في حال استمر هذا الأمر, وبالتالي سيتوقف عمل ميناء عروس الساحل الغربي كما يهدف إليه تحالف العدوان، خصوصاً، وأنهم عجزوا عن احتلال المدينة والسيطرة على حاضن أرصفة بحرها التجارية.
العدد القليل للسفن الواصلة إلى الميناء والمستمر في الانخفاض، أثر كثيراً على الحالة المعيشية لعمال الميناء، والبالغ عددهم 3300 عامل، كل واحد فيهم يعيل أسرة, الأمر الذي يهدد بحدوث كارثة إنسانية لآلاف الأسر في الحديدة, لأن مصدر دخلهم الوحيد هو من تلك البضائع التي تدخل الميناء قادمة من شتى أنحاء العالم.
وفي حال سمحت قوات الاحتلال البحرية ومرتزقتها لسفينة ما بدخول الميناء، فإنها تفرض عليها دفع 40 دولاراً مقابل كل طن تحمله على متنها, فعلى سبيل المثال لو أن هناك سفينة متوسط حمولتها 60 ألف طن، المبلغ الذي يحصل عليه هؤلاء من أعمال القرصنة ضد السفن الداخلة إلى ميناء الحديدة. وكل هذا بتواطؤ المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة.

الأمم المتحدة تسهم في محاولات إغلاق الميناء
مع كل يوم يمضي لاستمرار العالم في حربه ضد اليمن وشعبها، والتي أوكلها لمملكة قرن الشيطان, تكبر مؤخرة الأمم المتحدة نتيجة النعمة التي نالتها من مال النفط السعودي القذر، وتظهر حقيقة تورطها وضلوعها في ما يحدث في اليمن بشكل أوضح. فغضها الطرف عن أعمال القرصنة التي يقوم بها تحالف العدو ومرتزقته في مياهنا الدولية رغم وجودها بجانبهم, وكذلك عدم تحركها لوقف مخططات تحالف العدوان الساعية لإيقاف ميناء الحديدة، وتضييق الخناق على أبناء الشعب وتجويعهم، يكشف تواطؤها معهم في كل ما يقومون به من أعمال مناقضة لكل الأعراف والمواثيق الإنسانية الدولية.
وبحسب معلومات حصلت عليها الصحيفة من إدارة موانئ البحر الأحمر, فإن منظمة الأمم المتحدة تعد أحد أركان العدوان ودعائمه الأساسية في فرض الحصار على اليمن وشعبه. حيث تتحدث المعلومات عن أن إدارة الموانئ طلبت من الأمم المتحدة تصريحاً بسحب لينش بحري يدعى (ميدي) من ميناء المخا إلى ميناء الحديدة الذي يحتاجه كثيراً ليساعد في إبقاء تشغيله حتى تدخل البضائع والاحتياجات الضرورية لاستمرار حياة الشعب, وسلمت الطلب لمساعد أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن ستيفن أوبراين، أثناء زيارته للميناء قبل فترة.
غير أن الإدارة تفاجأت بعد يومين من تقديم طلبها بنبأ استهداف طيران العدوان لذلك اللينش وتدميره كلياً، مع أنه ظل في مكانه منذ بداية العدوان ولم تطلهذ يد القصف, وهذا يدل على أن من طلبت منهم إعطاءها تصريحاً بنقله أعلموا دول العدوان عن أهمية اللينش لميناء الحديدة، ما دفعهم إلى تدميره كلياً, وبما أن هذه المنظمة الدولية راضية على ما يقوم به تحالف العدوان من حرب على الميناء, فإن بقية الدول والمنظمات وحتى رجال المال والأعمال لم يحركوا ساكناً لإنقاذه.

لا أحد يقف مع الميناء إلا أصحابه
لم تعلن إدارات موانئ دول العالم تضامنها مع ما يتعرض له ميناء الحديدة من أعمال همجية تهدف إلى تدميره كلياً, لأن قرن مملكة الشيطان اشترت مواقف العالم وكذلك وسائل الإعلام ببراميل نفطها القذر. ولهذا لن تكون عاجزة عن شراء مواقف الموانئ البحرية حول العالم بما يخدم مصالح حربها على اليمن.
ومع أن قنوات وصحفاً أجنبية تتردد إلى الميناء لعمل تقارير عن الأضرار التي لحقت به جراء العدوان والحصار, إلا أنها لا تحرك ساكناً، وبعضها لا ينقل ما يراه بكل وضوح، وهو ما دفع مسؤولي الميناء إلى التشكيك بكل أجنبي يأتي إليهم لعمل مواد صحفية, وآخر من قدم منهم والتقته صحيفة (لا) هي قناة بريطانية قال ممثلوها إن هدف زيارتهم هو توضيح ما يحدث في الحديدة ومينائها للعالم، وبيان وحشية تحالف العدوان.
حتى إن التجار ورجال الأعمال المتضررين من إيقاف الميناء لم يبذلوا أي جهد يذكر لإنقاذ الميناء أو للتخفيف من همجية تحالف العدوان بحق الميناء, والسبب في ذلك كما ذكر بعض مسؤولي ميناء الحديدة، هو أن أولئك التجار يذهبون وراء مصالحهم فقط، ولا يهمهم غيرها, وما دامت السعودية مستمرة في در الحليب، فمن المؤكد أن هذا الصنف من التجار الأنانيين والجشعين سيسعون لشربه أو حتى تذوقه، خصوصاً وأنه سيرفع من رؤوس أموالهم.
فالميناء ما زال قادراً على استقبال السفن المحملة بالبضائع والقادمة من كافة أنحاء العالم، بما تبقى لديه من إمكانات بسيطة وجهود موظفيه الشرفاء الجبارة التي يبذلونها في سبيل ذلك. فقد دخلت الأسبوع الماضي ناقلة حبوب غذائية وناقلة مشتقات نفطية بعد مضايقات وعراقيل فرضها المرتزقة في وسط الممر الدولي, الذي تحكموا به تماماً، ويحاولون التقدم باتجاه مياه اليمن الإقليمية، غير أن الدفاع الساحلي للجيش واللجان الشعبية يقف لهم بالمرصاد، ويدركون أنه صواريخه ستنال منهم لو تقدموا ميلاً بحرياً واحداً كما حدث للفرقاطة السعودية (المدينة).