كل هذا الواقع التراجيدي الملهم الذي تعيشه اليمن، يبقى حبراً على ورق الكتاب، وانفعالات ضائعة يتقمصها الفنان بعيداً عن الجمهور، فلا يوجد في اليمن من يستوعب أهمية الفنان في إيصال رسائل الشعب للعالم، وقدرة الدراما على تعزيز حالة التماسك الوجداني الداخلي.
الفن من أجل الوطن
يمكن لعمل فني راقٍ أن يحرك مشاعر الجمهور، وأن يقوم بشحن الجمهور انفعالياً، إضافة إلى تعزيز الشعور الجماعي بالخطر الذي يحدق بالوطن، وتعبئة المجتمع لتبني موقف قادر على التصدي للعدوان.
صحيفة (لا) أيقظت مسألة حضور الدراما عبر الالتقاء بعدد من الممثلين والمخرجين، وناقشت معهم مشكلة غياب الأعمال التمثيلية، سواءً كانت تلفزيونية أو مسرحية، عن الحضور الفاعل.

الناصية المنسية
في زاوية منسية فقدت التوهج من ساحة شارع التحرير الفسيحة وسط العاصمة صنعاء، يتجمع آخر من تبقى من تجمع كبير كان يضم الممثلين، قبل أن يسحب الركود الاقتصادي ظلاله على حياة الشعب. في تلك الناصية يقضي الفنانون وقت الظهيرة في مناقشة الهم العام، وبينما يستغرق الممثلون في حديثهم ترمقهم عيون العابرين بفضول، وفي بعض الأحيان يقتحم أحد المعجبين انهماك الممثلين، رغبة في التقاط صور معهم، وهو أمر اعتاد عليه الممثلون الذين يستقبلون الجمهور برحابة صدر. يعلق الممثل المسرحي فهد شكري، وقد اكتسى ملامحه الحزن: (انخفض زخم لقاءات الممثلين في هذه الزاوية عما كان في السابق، بسبب الظروف الحاصلة في البلاد).

 بسطاء مثل شعب اليمن
يمتاز الممثلون اليمنيون بالبساطة، فهم يتواجدون في الشارع بين الناس دون جدران عازلة، ويمكن للجميع التعاطي معهم بلا مواعيد سابقة أو عبر سكرتارية، وحينما عايش الشعب محنة العدوان والحصار، لم يكن لدى الفنانين ما يحافظ لهم على وضعية خاصة تقيهم عوز الحاجة. الفنانة سراب عادل قالت لصحيفة (لا): (إن أوضاع الفنانين سيئة جداً، ولا تختلف عن الوضع العام لبقية الناس).

في عمق المشهد
لم تفلح كل غارات الموت وحصار التجويع في سلخ الفنانين عن التفاعل مع قضايا الوطن، وفي الوقت الذي نالت فيه المعاناة من أرواح الجميع، بقي لدى بعض الفنانين شيء من الاتقاد والقدرة على الغوص في عمق المجتمع لتحسس مفاصل الوجع بغرض صهرها وتحويلها إلى أعمال درامية، ورغم تعدد الأعمال التلفزيونية على القنوات الفضائية، إلا أن الجمهور في الداخل لايزال يتطلع بإعجاب إلى الوجوه التي تحاكي واقعه على الشاشة باللهجات الشعبية الدارجة، ويرى المخرج والممثل الأستاذ علي سبيت أن ذلك يعتبر دليلاً على حب الشارع للدراما المحلية، مضيفاً أن تطلع الجمهور للممثلين ورغبته في أخذ الصور معهم تدل أيضاً على أن لدى الجمهور ذائقة فنية نابعة عن وعي واعتزاز اليمنيين بهويتهم الثقافية.   

الممول خائف
المعركة الثقافية تبقى في هامش ساحة معركة مواجهة العدوان، والصمود الذي أبداه شعب اليمن في مواجهة القصف والتجويع، لم يستفز نخب المنتجين، الذين باتوا يحجمون عن تمويل الأعمال الدرامية، مما أدى الى إصابة المشهد الثقافي عموماً والدراما على وجه الخصوص، بحالة شلل تام. تقول الممثلة أمل إسماعيل: (لم يُقدم القطاع الخاص لحد الآن على إنتاج أي عمل، ولا يوجد ما يوحي حتى الآن بأن هناك نية لإنتاج أعمال درامية للموسم الرمضاني القادم، والذي كانت تتسابق فيه القنوات على إنتاج المسلسلات).
 
من المسرح الكبير
يحتوي الواقع الذي تعيشه اليمن تحت القصف والحصار، على الكثير من القصص المؤلمة، والتي يمكن تحويلها إلى دراما تتجاوز الأطر المحلية، وتحمل معاناة اليمن خارج أطر المكان، علي المحمدي مخرج استعراضي قال في حديثه مع صحيفة (لا): إن المبدعين اليمنيين يمتلكون الأفكار والقدرة على أدائها وبشكل يذهل الجميع، ويشد المتلقي في الداخل والخارج، لكن المشكلة تكمن في استعداد المنتجين، فقد توقف القطاع الخاص عن تبني إنتاج الأعمال العادية، فما بالنا بإنتاج عمل ملحمي عن واقع الموت والدمار الذي يستهدف الخارج والداخل.
صراعات خلف الستار
خلف الستار وفي الغرف المغلقة، تدور رحى صراع ومعركة من نوع آخر بين الكتاب والمخرجين من جهة، وبين شركات الإنتاج التي ماتزال في اليمن مجرد قنوات فضائية، حيث يتبادل الطرفان الاتهامات بعدم القدرة على استيعاب احتياجات الجمهور وفق ضرورات المرحلة، ومن تلك المعارك كشف الممثل فهد شكري عدم قبول المنتجين لتمويل مسلسل جديد بعنوان (حلى لي ولك) من تأليف الفنان حسن علوان، حيث تم تنفيذ حلقتين من المسلسل بغرض تقديمهما للمنتجين، إلا أن هؤلاء لم يوافقوا على التمويل، وجميعهم يريدون أن (يكون العمل في اتجاه معين)، حسب تعبير شكري.

فقط الحقيقة
الممثل محمود خليل علق على مسألة إجبار حقل الدراما على الانصياع لرغبات المنتجين، بالقول: (سبب ركود الأعمال الدرامية التي تعد المرآة العاكسة لواقع الشعوب، هو عدم وجود دعم لإنتاج مثل هذه الأعمال التي تعري كل شيء في الحياة، الجميل والقبيح، فالدراما مهمة جداً).
ويبدو أن واقع الصراع بين فرق العمل الدرامي سيؤدي إلى ركن الممثلين خارج المشهد في الزاوية المقصية حتى إشعار آخر.

 ما يعزز الخيبة
الدكتورة ابتسام المتوكل، رئيسة الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان، وفي رد على سؤال وجهته لها صحيفة (لا) عن دور الجبهة الثقافية في دعم أعمال درامية تسهم في نقل معاناة الشعب اليمني للخارج من جهة، وتسهم في تعزيز التضامن المجتمعي من جهة أخرى، اكتفت برد مقتضب قالت فيه: (الجبهة لا تملك ميزانية تمكنها من الخوض في هذا الجانب)، الأمر الذي يدفع الجميع للتساؤل: إذا كان هذا البرود صادراً عن الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان، فكيف يمكن إقناع الجهات المنتجة بأن قصصاً عن شعب صامد يواجه شتى صنوف القتل بالقصف والتجويع، ستجد طريقها حتماً للنجاح؟!