صنعاء كعاصمة لإعلام العدوان
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / عبدالقادر حسين
نحن اكثر البلدان ديمقراطية
صنعاء كعاصمة لإعلام العدوان
منذ بدء العدوان على اليمن تكّفلت وسائل إعلام محلية ودولية بدور محامي الشيطان والذي يسعى لقلب حقائق الجرائم العلنية التي يقوم بها العدوان ومأجوروه بمختلف مشاربهم بحق أبناء اليمن وتدمير مقدراته ومكتسباته الوطنية، ولا بواكي لأبناء اليمن لدى وسائط إعلام البترودولار التابعة لأمراء الخليج، التي سخّرت كل إمكانياتها لتلميع مشاريع العدوان الاستيطانية التمزيقية وتبرير جرائمه الشنيعة، ومحاولة التغميم على العقول بجعلها حرباً مُختزلة في «الحوثيين وصالح» كما تردد هذه الأبواق التضليلية.
في مقابل ذلك وأمام إمكانات التزييف الهائلة المُعدة لتجميل العدوان، عملت دول العدوان على كتم أنفاس الإعلام الوطني وفرض تعتيم شامل على المواطن، بإيقاف بث القنوات وحجب المواقع الإلكترونية، ومنع دخول صحفيين أجانب ووسائل إعلام مختلفة، وقامت بحملة نشطة على كافة المستويات لمنع وصول صوت الشعب اليمني إلى العالم، وإفراغ الساحة أمام الإعلام المضلل وإخفاء حقيقة العدوان واستقطاب مؤيدين له، وبالفعل تمكن من التغرير بعدد ليس بهين من اليمنيين، انخرطوا في صفوف القتال مع قوى العدوان والمرتزقة من القاعدة وداعش.
سقط ذلك الإعلام بجدارة في الامتحان الأخلاقي والإنساني الذي فرضه اليمن، بعدما بدا مدفوعاً بالنزعات الطائفية والمصالح السياسية، ولا يتقدّم بوق دعائي خليجي على آخر إلا بدرجة التحريض الطائفي والعنصريّة.
لا قواعد مهنية أو ميثاق شرف إعلامي في حدّه الأدنى يرشد الخطاب التحريضي الذي تمطره وسائط إعلام العدوان، بلا حساب ولا عقل أو ضمير أو تفكير في فداحة التزوير والتلفيق، غير أن المفارقة العجيبة في الحرب الإعلامية التي يتطرف القائمون عليها في مناصرة عدوان السعودية، صاحبة المرتبة الثانية عالمياً في قمع الصحافة والرقابة الإعلامية، أنهم يعتبرونها حرباً بين ديمقراطيين مناصرين للحريات من جانب، وبين ظلاميين مناصرين للنظام الديني الإيراني من جانب آخر!.
فيما العاصمة صنعاء في ظل سلطة «الانقلابيين» حد وصفهم، تحتضن كل هذا الكم من التزييف الإعلامي، المبتهج بقصف طيران العدوان لها، الذي يُسمِّي قصف الطيران الذي طال المنازل والمنشآت المدنية بانفجارات لمخازن أسلحة (الحوثيين وصالح) مباركين ذلك وشاكرين للتحالف تخليصهم منها، بالإضافة إلى عمل بعض من الصحفيين كمخبرين لقيادة العدوان بتحديد أهداف قصف الطيران.
لم تكن وسائل إعلام اليسار اليمني بمنأى عن ذلك، بل كانت إحدى أدوات تضليل الرأي العام وإثارة العصبيات، وعن وعي تام بأهمية السلاح الإعلامي والدعائي في مواكبة الحرب وتبريرها التحقت بالركب وحجزت مقعدها ضمن قوائم إعلام العدوان.
الناصريون والاشتراكيون نطقوا كفراً وجحوداً للشعب الذي تغنوا بالدفاع عنه طويلاً، وزعقوا في مناصرة عدوان الرجعية العربية في وسائل إعلامهم الرسمية التي أصبحت من أصدح الأصوات في التهليل للعدوان على اليمن وفي الدعوة إلى مزيد من القنابل والصواريخ، ولم يعد بالإمكان التفريق بين صحيفة الحزب الاشتراكي اليمني «الثوري» التي ظلت منذ تأسيسها حتى آخر أيام الزميل خالد سلمان صوتاً يصدح بمعاناة الشعب ومقارعاً لقوى العمالة والرجعية، وبين إحدى صحف الرياض الرسمية الناطقة باسم العدوان، ومثلها «الوحدوي» الناطقة باسم التنظيم الناصري التي نصّبت نفسها ناطقاً باسم المرتزقة.
وتنتهج الصحيفتان خطاً رجعياً معادياً للوطن والثورة، تنعت المرتزقة الذين يتلقون دعماً أجنبياً بـ»المقاومة» وترى ما يقومون به عملاً وطنياً، فيما تصف الغزو وإسقاط المحافظات بيد المحتل الأجنبي «تحريراً»، متخلية بذلك عن كل مبادئ اليسار والاشتراكية التي تدّعي أنها ناطقة باسمها، ناهيك عن الوطنية والمهنية الإعلامية التي لا وجود لها في قاموس عمل هذه المؤسسات الصحفية.
عقب ثورة 21 سبتمبر/ أيلول 2014 الشعبية وتقطيع أيدي المملكة السعودية، برز لصحيفة «الثوري» عدد يحمل عنوان «أيلول الأسود» في إشارة إلى ثورة جموع الشعب الكادح ضد سياسات الإفقار والتجويع، لتكرر في العام التالي 2015 العنوان ذاته: «أيلول الأسود وجناياته» خلال أيام العدوان على اليمن، تحاول بذلك إيجاد شرعية للعدوان بتحميله على ثورة 21 سبتمبر وقواها الاجتماعية، وهو اسمٌ يُشار به إلى مجازر سبتمبر الدامية في الأردن عام 1970، في عملية فبركة قسرية تعمل «الثوري» من خلالها على توظيف أحداث تاريخية مأساوية وإسقاطها على ثورة 21 أيلول، إذ توجب سؤال: أين يكمن وجها الشبه التاريخيان؟ فالأولى تفجر زخماً شعبياً انتظر طويلاً للتحرر من واقع الاستبداد والقهر، بينما الثانية مأساة شعب مهجَّر تآمرت عليه الدول والحكومات كما تآمرت ولاتزال تتآمر على شعبنا منذ عقود.
إلى ذلك تقابل «الثوري» موقف الحزب في بياناته الرسمية الداعية لإيقاف الحرب، بانحيازها لطرف العدوان ومرتزقته، وتتحدث عن «حتمية المقاومة» ضد قوات الجيش واللجان الشعبية!. كما تنقل «تأكيد منظمة الحزب في تعز على انحيازها المطلق» لمــــــــــــــــا يُسمى بـ»المقاومة». أليس خطاباً متناقضاً مع ذاته والجهة الصادر عنها؟!
في غرة أغسطس بعد سقوط عدن بيد قوات الخليج الاحتلالية، كانت «الثوري» تحتفي بما أسمته «نصراً»، ولم تخفِ نزعة التشفي الحاقد على الجيش واللجان الشعبية، وتبشر بمعارك أخرى يقودها تحالف العدوان في محافظات أخرى بدعوى إعادة شرعية الفارّ هادي!
ألا يصاب بالدهشة من يقرأ هذا الخطاب؟ وممن؟ من جهة تاريخها غامرٌ بالنضال الوطني وبالبرامج التحررية! أنسيت هذه الجهات برامجها المتحدثة عن التحرر والاستقلال وكسر الهيمنة والسيطرة من قبل الرجعية السعودية؟! أم تلك أيامٌ خلت؟! فهل يستطيع الحزب أن يقول إن القبضة الحديدية للسعودية على الوطن منذ خمسين عاماً قد انتهت وانتهت مهمة التحرر منها؟ بل هل أصبح العدو حاملاً للمشروع الوطني التحرري؟!.
«الوحدوي» هي الأخرى كرست نفسها ناطقاً باسم المرتزقة منذ البدايات الأولى للعدوان، وتقوقعت في جغرافيا تواجد المرتزقة تعمل على تلميعهم، وتحشد للاقتتال المناطقي والطائفي وتوسيع رقعة المعارك في أغلب المحافظات اليمنية برعاية قوات الغزو الأجنبية.
وتخصص تغطيتها الإعلامية في تعز لتقول دون خجل: إن طيران العدوان يقذف صواريخه نصرةً لأبناء تعز، فيما «الحوثيون وصالح» يقيمون جرائم حرب في تعز وتحبط جرائمهم الوصول إلى حل سياسي، حسبما تتضمن أعدادها.
وتحاول «الوحدوي» التنكر لماضي (رموزها) وتحريفه لصالح موقفها اللاوطني الحالي، إذ زورت في ذكرى اغتيال الرئيس الحمدي قاتله الحقيقي، من أجل توظيف هذه اللحظة في سياقين ظاهر وباطن، يتمثل الأول في إذكاء الحقد والصراع مع علي صالح والجيش وتبرير موقفهم الراهن، والثاني يُبلور إيعازاً ضمنياً بأن السعودية صديقٌ تاريخي، ولا علاقة لها بالصراعات التي دارت في اليمن خلال ستة عقود مضت، وفي سبيل تدعيم هذه الضحالة الصحفية، أسندت خطابها هذا بتقرير استخباراتي أمريكي وصفته بـ «السري» متجاهلة وثائق واعترافات لقادة يمنيين (كمذكرات الرئيس السلال والقاضي الإرياني) وعرب وأجانب تثبت المسئولية الأكبر على السعودية باغتيال الحمدي كونها المتضرر الأول من نهجه الوطني خصوصاً عقب المصالحات الوطنية مع قيادة اليمن الديمقراطية ومشروع الوحدة.
أما في الجانب الإنساني فتجيد هذه الصحف فبركة الوقائع ولديها قالب معتمد في تناول الجوانب الإنسانية، فهي تتناول جرائم العدوان بحق اليمنيين في صعدة أو صنعاء وذمار وحجة وحتى تعز وعدن وغيرهـــا، على أنها جرائم ارتـــــــــــــــكبتها «الميليشيات» وتذهب إلى أبعد من ذلك مختلقة قصصاً إنسانية مزيفة كما حدث في دعاية «لاتقبروناش»، بينما تجاهلت وغمت على جريمة استهداف محطة المخا وجريمة استهداف العرس في الوازعية حيث خلفت هاتان الجريمتان أكثر من مائتي شهيد غالبيتهم من النساء والأطفال في صورة مروعة تكشف جوانب طفيفة من بشاعة العدوان وعملائه، ومستغلة في هذا الجانب الأوضاع المأساوية التي يعيشها الناس، مُطبقةً عليهم حصاراً إعلامياً شاملاً، كما أن طريقة تناولهم ذاتها تجعلهم عرايا أمام من يدقق النظر فيما يروجونه، إذ كيف في حرب بين طرفين يسقط الضحايا من جانبٍ واحد كما تدّعي؟!.
إثر ذلك التمادي والإفراط في الحرية حد الخيانة وترويج العمالة - وما ذكرناه آنفاً هو جزء يسير مما يقدمه هذا الخطاب التضليلي - قامت وزارة الإعلام اليمنية مؤخراً بسحب «الوحدوي» من الأكشاك، وإصدار تعميم على مطابع الصحف بمنع طباعتها، إثر مخالفاتها المتكررة لقانون الصحافة والمطبوعات اليمني، فيما رفضت مطابع الثورة الحكومية طباعة «الثوري».
ولأنه عدوان يستهدف الشعب اليمني، فلا ينبغي أن يعلو صوتٌ على صوت الشعب الصامد المقاوم الذي يخوض معركة التحرر والاستقلال ببطولة وشرف، مدافعاً عن الوطن ضد المشاريع التي تستهدف لحمته وهويته وثروته وتاريخه، بل ووجوده، وفي ذلك على الجميع الاصطفاف في هذه المعركة المصيرية، ليكون فيها اليمن يمناً دون أي انتقاص أو يصبح مقاطعة تابعة لحلف العدوان.
المصدر صحيفة لا / عبدالقادر حسين