محمد منصور

محمد منصور / لا ميديا -

الصاروخ الجديد أثار بشكل واضح انتباه قيادة جيش الاحتلال الصهيوني، الذي يتابع بقلق منذ عام 2018، تعاظم القدرات الصاروخية والمسيّرة لـ"قوات صنعاء"، ومبعث القلق الأساسي يكمن في قدرة هذا الصاروخ.
نقلةٌ جديدة سجّلتها القوة الصاروخية التابعة للقوات المسلحة اليمنية، بعد تدشينها بشكل عمليّ نسخة جديدة من صواريخ الكروز “قدس 2” التي تمتلكها، والتي تمّ استخدامها ميدانيّا للمرّة الأولى أخيرا، في استهداف محطة توزيع للمنتجات البتروليّة شمال مدينة جدّة غربي المملكة السعودية.
تُشير أهمية هذا التطوّر إلى عدة مؤشرات، منها ما يتعلّق بتكوين الصاروخ الجديد وخصائصه، ومنها ما يرتبط بالمخاوف التي عبّرت عنها المؤسسة العسكرية "الإسرائيلية"، بشأن وجود قدرات صاروخيّة متفوّقة في حوزة جماعة "أنصار الله"، باتت تشكّل تهديدا جدّيا لمطارات وموانئ فلسطين المحتلة.

صاروخ جديد ينضمّ إلى الترسانة بعيدة المدى
على مستوى الخصائص الفنيّة للصاروخ الجديد، يجب أن ننظر إليه من منظار مقارنته بكافة الوسائط بعيدة المدى التي استخدمتها سابقا جماعة أنصار الله والجيش اليمني واللجان الشعبية بهدف ضرب العمق السعودي، فمن المعروف أن أبعد نقطة تمكّنت القوة الصاروخيّة اليمنية من استهدافها داخل المملكة هي مدينة الدمّام على الساحل الشرقي للبلاد، ومدينة ينبُع على الساحل الغربي. تأتي بعد ذلك مدينتا الرّياض وجدّة، ثم مدن الحدّ الجنوبي (نجران، جيزان، أبها، خميس مشيط)، مع الإشارة إلى تمكّن القوات اليمنية سابقا من توجيه ضربة إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي.
تُشير المعلومات المتوفّرة إلى أن الصاروخ الجديد مطور من صاروخ الكروز “قدس ـ 1”، الذي أعلن عنه عملياتيّا أواخر عام 2017، بعد استهداف مفاعل براكة النووي في أبوظبي، ثم تمّ استخدامه عام 2019 في أربع ضربات، بدايتها كان في 12 من حزيران/ يونيو 2019، تمّ خلالها استهداف مطار أبها الإقليمي بشكل دقيق، كما تمّ استخدام صاروخ “قدس ـ 1” في ضربة الـ19 من حزيران/ يونيو 2019، التي استهدفت محطتي الكهرباء وتحلية المياه في الشقيق جنوب غربي المملكة.
صاروخ “قدس ـ 1” مطور في تصميمه وآلية عمله من صاروخ الكروز السوفييتي "كيه إتش ـ 55"، مع تعديلات أساسية في موقع المحرّك وأجنحة التّوجيه، فهو مزوّدٌ بمنظومة للملاحة بالقُصور الذاتي، معزّزة بمعلومات مُدخلة مسبقا بمساعدة نظام ملاحة يعمل عبر الأقمار الصناعية لتحديد المواقع التي يُراد استهدافها. هذه النسخة يتراوح مداها ما بين 140 و180 كيلومترا. النسخة الجديدة "قدس ـ 2" حسب المعطيات المتوفّرة، ستكون مُزوّدة بالخصائص ذاتها، مع قدرة إضافيّة للطيران على ارتفاعات منخفضة لتجنّب الرّصد، مع زيادة في المدى بما يُقارب 1500 و2000 كيلومتر.

مخاوفُ "إسرائيلية" جديّة ومتزايدة
الصاروخ الجديد أثار بشكل واضح انتباه قيادة جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، التي تتابع بقلق منذ عام 2018، تعاظم القدرات الصاروخية والمسيّرة للجيش اليمني واللجان الشعبية وجماعة أنصار الله. مبعث القلق الأساسي هنا، على المستوى النظري، يكمن في قدرة هذا الصاروخ الجديد على استهداف ميناء إيلات، جنوبي فلسطين المحتلة، القريب نسبيا من ميناء ينبُع السعودي، الذي طالته صواريخ صنعاء.
وقد تعاظم القلق "الإسرائيلي" بعد تصريح لافت في تموز/ يوليو الماضي، أدلى به عبدالله يحيى الحاكم، رئيس هيئة الاستِخبارات والاستِطلاع في صنعاء، أوضح فيه أن الحركة أعدّت بنكا للأهداف الحيوية، يشمل فلسطين المحتلة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقد عبّر عن هذه المخاوف، في أيلول/ سبتمبر الماضي، قائد منظومة الدفاع الجوي في جيش الاحتلال، العميد ران كوخاف، حيث اعترف في حوار صحافي أن سلسلة هجمات "توازن الردع" الصاروخية، التي استهدفت مواقع شركة أرامكو النفطية السعودية، خاصة هجوم الـ14 من أيلول/ سبتمبر 2019، على منشأة بقيق وخريص في المنطقة الشرقية للمملكة، وهجوم "ينبع" في شباط/ فبراير الماضي، كانا بمثابة صدمة لـ"تل أبيب"، نتيجة لدقّة الهجومين وعنصر المباغتة الذي أثّر بشكل كامل على أداء الدفاع الجوي السعودي. وأشار في تصريحاته إلى أن ما حدث في هذين الهجومين قد يتكرّر أيضا في فلسطين المحتلة.
علّق يوني بن مناحيم، الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية"، على تصريح القيادي في صنعاء أيضا وأشار إلى أن اليمن تحوّل إلى تهديد جديّ لـ"تل أبيب"، يطرح احتمالات فتح جبهة جديدة على الخاصرة الجنوبية لفلسطين المحتلة، قد تقلب المعادلة الدفاعية "الإسرائيلية" الحالية رأسا على عقب.
المخاوف "الإسرائيلية" تعدّت الصواريخ والمسيّرات التي تمتلكها جماعة أنصار الله، لتشمل أيضا التكتيكات البحرية التي نفّذتها الجماعة قبالة السواحل اليمنيّة، والتي تشمل الألغام البحرية والصواريخ المضادة للسفن، إلى جانب التكتيك الأكثر نجاعة في هذا الصدّد وهو الزوارق الانتحارية المسيّرة، التي تعتبر "تل أبيب" أنها ضمن أبرز المخاطر التي يجب وضعها في الحسبان خلال تحرك القطع البحرية "الإسرائيلية" في البحر الأحمر. هذه المخاطر أشارت إليها عدة تقارير "إسرائيلية"، من بينها تقريرٌ تمّ نشره في آب/ أغسطس الماضي، في مجلة "معراخوت" العبرية للمحاضر في مركز "هرتسيليا" للدراسات الاستراتيجية شاؤول شاي، وتقريرٌ آخر أوائل العام الجاري، لعوزي روبين، أحد أهم مؤسسي الوكالة "الإسرائيلية" لتطوير الدفاع ضد الصواريخ، تمّ نشره في موقع "مركز بيجن - السادات للأبحاث والدراسات"، وفيه تمّت الإشارة إلى ضرورة إيجاد جيش الاحتلال "إسرائيلي" آليات تسمح لقطعه الحربية بتحييد مخاطر الزوارق الانتحارية، وكذلك الاستفادة من دروس المواجهة بين الدفاع الجوي الصاروخي السعودي، ومسيّرات جماعة أنصار الله وصواريخها.

قدرات صاروخية بعيدة المدى في حوزة صنعاء
قدرات الصاروخ الجديد "قدس-2" القدرات الصاروخية والمسيّرة الأخرى التي بحوزة "قوات صنعاء"، ويمكن تصنيفها بأنها وسائط بعيدة المدى، منها صاروخ "بركان-1"، الذي تمّ استخدامه عملياتيّا للمرة الأولى أواخر تشرين أيلول/ سبتمبر 2016، في استهداف مدينة الطائف، ثم في الشهر التالي تمّ إطلاقه في ضربة استهدفت مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدّة غربي السعودية. يبلغ مدى هذا الصاروخ 800 إلى 900 كيلومتر، وهو تعديلٌ محليٌّ لصاروخ "سكود سي" السوفييتي، يبلغ وزنه الكلّي 8 أطنان تتضمن نحو نصف طنّ من المواد المتفجّرة.
بعد ذلك، أُضيفت إلى الصاروخ السابق ذكره نسخةٌ جديدةٌ تحت اسم "بركان-2 إتش"، تمّ استخدامها للمرة الأولى في شباط/ فبراير 2017، في عمليّة استهداف قاعدة عسكرية سعودية غربي الرياض، كما تمّ استخدام هذه النسخة مرات عدّة في استهداف مطار الملك خالد في مدينة الرّياض، ووصل مدى هذا الصاروخ إلى 1400 كيلومتر.
يضاف إلى هذين الصاروخين وسيطٌ آخر بعيدُ المدى لكنه هذه المرة ينتمي إلى فئة المسيّرات (الدرونز)، وهو الدرون الانتحاري "صماد-3"، الذي تمّ استخدامه عملياتيا للمرة الأولى في تموز/ يوليو 2018، لضرب مطار أبوظبي، الذي يبعد نحو 1300 كيلومتر عن أقرب نقطة في محافظة صعدة شمالي اليمن، إلى جانب عمليات أخرى تمّ فيها استهداف العاصمة السعودية الرياض، آخرها كانت في حزيران/ يونيو 2020. وقد شكّل هذا النوع من الذخائر الجوّالة نقلة نوعيّة نظرا لمداه الكبير الذي يصل إلى 1500 كيلومتر، ناهيك عن مدى التدمير الذي قد يمثّله أي هجوم واسع بأعداد كافية من مسيّرات الدرونز.

كاتب مصري وباحث في الشؤون العسكرية.

أترك تعليقاً

التعليقات