محمد أبو راس

محمد أبو راس / لا ميديا -
في السابع من أيار/ مايو 1977، استعمل مقدّم نشرة الأخبار في التلفزيون العبري، حاييم يافين، مصطلح «انقلاب» في سياق إشارته إلى فوز حزب الليكود في الانتخابات البرلمانية «الكنيست»، والذي شكّل الهزيمة الأولى لحزب العمل منذ إقامة الكيان الصهيوني في العام 1948، حيث اعتُبر هذا الفوز في حينها بمثابة انقلاب سياسي غير مُتوقّع. منذ ذلك الحين ووسائل الإعلام «الإسرائيلية» تستخدم مصطلح «انقلاب» للإشارة إلى حالات مشابهة، على غرار ما حدث في انتخابات الكنيست الأخيرة، التي شهدت صعوداً مفاجئاً لقوى اليمين المتطرّف، أي سموتريتش وبن غفير وغيرهما.
ونقلت صحيفة «هآرتس» العبرية تصريحاً لسارة نتنياهو، خلال لقائها مع بعض أهالي الأسرى «الإسرائيليين» في قطاع غزة، حيث اشتكت من أنّ «الجيش الإسرائيلي»، أو جهات متنفّذة فيه تحاول تنفيذ انقلاب ضدّ زوجها، وأكد ذلك ابنها يائير نتنياهو في تغريدة على منصة «إكس». وقد اعتبر الإعلام العبري أن هذا النوع الهجمات ما هو إلا محاولة من نتنياهو لإلقاء المسؤولة على الجيش عن الفشل الجاري منذ اندلاع «طوفان الأقصى» حتى الآن.
ولكن لم يسبق أن استخدم هذا المصطلح بهذا المستوى، بل وتخطى ذلك إلى الحديث عن انقلاب عسكري، كما سبقه استخدام مصطلح «الحرب الأهلية» على لسان نتنياهو نفسه، الأمر الذي يطرح مجموعة من الفرضيات التي تشير إلى مستوى التمزق، وإلى أي مستوى يمكن أن تصل فيه الأمور، ومنها الانقلاب العسكري والحرب الأهلية، لاسيما وأن هذه المصطلحات كانت غير واقعية، كون «إسرائيل» ليست «جمهورية موز»، بل هي «أهم ديمقراطية في المنطقة»، مع الإشارة إلى أنها ليست كذلك منذ التأسيس، ولكن الغرب وأمريكا كانوا يسوقون لذلك؛ إلا أن «طوفان الأقصى» وما تفعله المقاومة كشف عن وجهها الحقيقي أمام كل العالم وأنها عبارة عن قبائل تتناحر، كل قبيلة تحاول أن تتغلب على الأخرى للاستيلاء على الحكم حتى لو كان ذلك بانقلاب أو حرب أهلية وأبعد من ذلك.
أمريكا نفسها تدرك أن «إسرائيل» في وضع صعب، وتحاول أن تنقذها، كونها حاجة استراتيجية ومصلحة أساسية لها في المنطقة. ولكن الهيئة الحاكمة والمتمثلة بهذه الطغمة المتطرفة تحاول أن تسيطر على كل مراكز القوة في الكيان، من الإعلام والاقتصاد والجيش... وكانت قد بدأت ذلك بالانقلاب القضائي، وتواصل هذا الأمر، وما تصريحات قادة المعارضة إلا نتيجة إدراكهم للمشروع الذي يحمل لواءه هؤلاء المتطرفون المستعدون للذهاب بعيدا لتحقيق أهدافهم، حتى لو ذهبوا إلى الحرب الأهلية، لذلك يقول ائتلاف نتنياهو والمتطرفين إنهم لن يسمحوا لأحد بأن يقف في وجههم، وأن التهديد بانقلاب عسكري من هنا أو هناك لن يوقف مشروعهم، وأنهم سينقلبون على كل شيء.
هذه حقيقة «إسرائيل» اليوم؛ قبائل تتناحر، تتفق قبيلة مع أخرى، حيث تتقاطع المصالح كجماعة الصهيونية الدينية والحريديم للانقضاض على جماعة الصهيونية الغربية واليسار وغيرهم.
وفي آخر المستجدات تستمر المظاهرات والتحركات في الشارع ومحاولة المعارضة لتشكيل جبهة مقابل ائتلاف نتنياهو الذي تسوده الكثير من الخلافات؛ ولكن تقاطع المصالح هو ما يجعله مستمراً، حيث تطالب أحزاب المعارضة باستقالة الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، حيث الموعد القانوني لهذا الكنيست هو أواخر 2026، حيث تنتهي ولاية الكنيست الحالي. فالمعارضة تجد أن استمرار ائتلاف نتنياهو يعني سيطرة على كامل مراكز القوة في الكيان، لذلك تدعو إلى انتخابات مبكرة تعتبر أنه إذا خاضها لن يفوز بها ولن يكون له تحت أي ظرف من الظروف مكان في هيئة الحكم القادمة.
ختاماً، وبعيداً عن التوقّعات المبنية على معطيات وشواهد نراها واقعية، فإنّنا نعتقد اعتقاداً جازماً بأنّ مستقبل هذا المجرم نتنياهو وزبانيته لن يكون أفضل حالاً من نهايات كل القتلة والسفّاحين على مرّ التاريخ، فدماء الأطفال في قطاع غزة، والذين قطعت صواريخ الاحتلال أوصالهم وأحالتهم إلى رماد، إلى جانب دعوات المظلومين الذين تقطّعت بهم سبل الحياة وباتوا يبحثون عن بقايا خيمة تؤويهم من لهيب الصيف وزمهرير الشتاء وباتوا معظم لياليهم يتضوّرون جوعاً بفعل الحصار المطبق عليهم من كلّ الجهات، ستحلّ لعنة على نتنياهو وباقي القتلة في كيانه الزائل، ليس هذا فحسب، بل إن هذه الحرب المجنونة التي يشنّها الاحتلال على هذا القطاع الصغير والمنكوب، وكذلك في الضفة الغربية وعلى «فلسطينيي 48»، ستكون بإذن الله بمثابة المسمار الأخير الذي سيدقّ في نعش هذه الكيان المجرم والقاتل.

أترك تعليقاً

التعليقات