فاعلية المنظومة العدلية والرقابية!
 

أحمد العماد

أحمد العماد / لا ميديا -
الملاحظات:
أولاً دعونا نوضح أن المنظومة العدلية والرقابية تتكون من كل مَن له دور أساسي في تحقيق العدالة وإرسائها في الدولة بشكل عام. وانطلاقاً من هذا التعريف فإن المنظومة هذه في بلادنا تتكون من المجلس الأعلى للقضاء، هيئة التفتيش القضائي، مكتب رفع المظالم، الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، وزارة العدل، المحاكم بجميع مستوياتها واختصاصاتها، النيابة العامة، البحث الجنائي، محامو الدولة، المحامين بشكل عام، أقسام الشرطة، واللجان والهيئات الرقابية. وإذا وافقتموني فوزارة حقوق الإنسان أيضاً.
قضايا الناس في دهاليز المحاكم والمكاتب مراوحة سنوات طوالا. وأعطف على أقسام الشرطة والنيابة والبحث الجنائي، فحدِّث ولا حرج. هل استحداث كيانات موازية كلجنة الإنصاف مثلاً أو تدخلات الشخصيات السياسية والاجتماعية هنا وهناك يُعتبر حلاً؟! ما الإصلاح الإداري الناجع اللازم؟! ضاق الناس ذرعاً منذ النظام السابق، ومازالوا. وما هذا إلا جزء من كل، يشبه بعضه بعضا.
العلاج الجذري الفاعل في عهد الإمام علي لمالك الأشتر، الفقرات التي تناولت فاعلية التعيين والتقييم في الحكم، حيث قال:
"وَاجْعَلْ لِرَأْسِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِكَ رَأْساً مِنْهُمْ، لَا يَقْهَرُهُ كَبِيرُهَا، وَلَا يَتَشَتَّتُ عَلَيْهِ كَثِيرُهَا، وَمَهْمَا كَانَ فِي كُتَّابِكَ مِنْ عَيْبٍ فَتَغَابَيْتَ عَنْهُ أُلْزِمْتَهُ".
"ثُمَّ لَا يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ وَاسْتِنَامَتِكَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّفُونَ (وفي بعض الروايات "يَتَعَرَّضُونَ") لِفِرَاسَاتِ الْوُلَاةِ بِتَصَنُّعِهِمْ، وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالْأَمَانَةِ شَيءٌ".
"وَلَكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لِأَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً، وَأَعْرَفِهِمْ بِالْأَمَانَةِ وَجْهاً".
"ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ، اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ".
"ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ، وَأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ".
"ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي خَاصَّةً وَبِطَانَةً فِيهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ فِي مُعَامَلَةٍ، فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ، بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ".
"وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَكُنْ فِي ذَلِكَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَخَاصَّتِكَ حَيْثُ وَقَعَ".
"وَاجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً، تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ".
كل مكونات المنظومة العدلية والرقابية المذكورة أول الموضوع معنية تماماً بالبنود أعلاه من العهد. وحتما ولا بُد من مطابقتها لما ورد، وخضوعها لكل ما ورد، حتى يُمكن القول إنها من أمرها في سواء.
وعلى ضوء القاعدة الذهبية: "وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَؤونَةً فِي الرَّخَاءِ، وَأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلَاءِ، وَأَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ، وَأَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ، وَأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وَأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْرِ، مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وَإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ، وَجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَالْعُدَّةُ لِلْأَعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الْأُمَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ، وَمَيْلُكَ مَعَهُمْ"، بمعنى المصلحة العامة فوق الخاصة.
وباستمارة بسيطة لـ"تقييم الأداء مقارنة بالنتائج والأثر"، اختصاصاً، كلّ في مجاله وساحته، يتضح أين الخلل تحديداً، لتتم معالجته. ولا صحة للتعلل بالعدوان والحصار، ولا يوجد بديل، وبقايا النظام السابق، وأعواني وثقاتي... المفسدة التي قدمت مصلحة الخاصة على المصلحة العامة، فدام الوضع سيئاً ويسوء، حتى بلغ الأمر القول: "الوضعُ مُزّرٍ". وفاقمه وعزّز استفحالَه بقاءُ الحال دون الجزاء والعقاب، والإجراء فقط وعظاً ونصحا!

التوصيات:
إذا لم يُترجم عهد الإمام علي إلى آلية تنفيذية تطبق بكل جدية وصرامة، لاسيما على المنظومة العدلية والرقابية المذكورة تحديداً، فسيظل هذا العهد مجرد موروث وتراث ديني نتصفحه أو نتزين به متى ما شئنا، لا أكثر ولا أقل.
التفعيل المستمر لآلية تقييم الأداء مقارنة بالنتائج والأثر، يتبع نتائجها السلبية لفت النظر، ثم الإنذار، ثم الإقالة؛ حتى تتحقق المصلحة العامة. وتنفيذ هذه الآلية على يد "مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ"، دون المُجَرَّبْ.
وبالله التوفيق.

أترك تعليقاً

التعليقات