روبير بشعلاني

روبير بشعلاني / لا ميديا -
ثمة أفكار شائعة بين الشباب تقول إن الناس لن تخوض معركة التحرر قبل أن تشبع، أي قبل أن تنجز إصلاحها التاريخي.
هذه الأفكار واهمة، لأنها تنطلق من فرضيات خاطئة، أولها: أن هذه المعركة مفترض أن تكون بين متساويين يختلفان على القسمة لا بين مسيطِر ومسيطَر عليه. والحقيقة ليست كذلك، بل هي بالتعريف بين ناهب شبعان من جوع المنهوب والتابع.
والانطلاق من هذه الفرضية يجعل صاحبها بالضرورة أسير أيديولوجية الإصلاح والتقدم حتى يصبح بمستوى الناهب فيغلبه، وهو أمر غير ممكن بالطبع.
فبنية التبعية لا تسمح بأي تقدم بالتعريف، لأنها تفرض القطيعة مع السوق المسيطِرة.
ثانياً: هو يفترض أن الناهب ليس جزءاً من البنية التابعة ويمكن تحييده ريثما نكون قد "شبعنا"، وهذه فرضية واهمة، ذلك أن البنية المحلية جزء من بنية الناهب الذي لن يرحم أي محاولة شبع محلي، لأنها ستكون على حسابه وحساب مصالحه.
ثالثاً: هو يفترض أن هناك معركتين: واحدة للتقدم والإصلاح، وواحدة للتحرر من هيمنة الناهب. وأن المعركة الأولى شرط الثانية حكماً.
هذه الفرضية، عدا عن كونها عاجزة عن وعي الهيمنة كوحدة تحليل شاملة، وعدا عن وضعها للمهمات بشكل غير عملي وغير قابل للتنفيذ، تتوهم أن المعركة مع الهيمنة إجبارية بعد الإصلاح الذي من المفترض أنها نجحت فيه، أو من الممكن النجاح فيه بدون كسر الهيمنة أولاً.
فما نفع المجابهة مع الهيمنة بعد النجاح في إقامة العدل رغم وجودها؟!
ثم إن هيمنةً تتيح للتابع أن ينجز تطوره بوجودها ليست هيمنة أصلية بكل حال.
وبالإضافة إلى ذلك، ينسى أصحاب هذه الأفكار أن مشاريعهم لا تملك حاضنة اجتماعية بالضبط، لأن الهيمنة حبست التابع في ماضيه. فمن أين نأتي بأناس لكي يشكلوا هذه الحاضنة؟!
أما رمي كل هذه المهمات على قوى المجتمع التقليدية التي تجابه الهيمنة فهو افتراض مناقض للطبيعة، إذ ينقل مهمات جسم اجتماعي إلى جسم آخر دون أن يرف له جفن، متناسيا كلام الله عن أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
إنها أفكار تبدو معقولة ومنطقية لأول وهلة، لكنها غير قابلة للتطبيق بالضبط، لأنها تنطلق بالمقلوب في معالجتها للتحديات. وهي منهج في التفكير سبق وأثبت هزيمته وعدم جدواه.
فهل من يعيد وضع الفكر على رجليه؟!

كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات