بين التحرر والعقلانية
 

روبير بشعلاني

#روبير_بشعلاني- كاتب لبناني / #لا_ميديا -

إنها إذ تبدو ظاهريّا تحرريّة وانعتاقية ونهضوية وتغييرية، لكنها في الواقع دعوة للدّخول بمتاهة لا خروج منها، أي أنها عدميّة.
فالأفكار عندما تأخذ التاريخ كلّه كقطعة واحدة لا تحوّلات فيه تجعله جثة يمكن التّلاعب بها دون حرج. ما معنى القول مثلاً أن مشكلتنا بعقلنا؟! بعروبتنا؟! بإسلامنا؟! ما معنى القول: "عقلانيّة الغرب" وتحرّره من "المقدّس"؟!
يعني هذا أنّنا نتحدث عن مجتمعين كليّين بلا تاريخ، واحد بعقل والآخر بلا عقل، وأنّه يكفي زرع العقل بمن لا عقل له حتى يصبح غَرْبا.
هذه المنهجيّة بالتّعاطي مع مشاكلنا وتفسير تاريخنا هي طريقة عدميّة وقليلة العقل رغم مشاوفتها واستعلائها.
فلا الغرب غربٌ واحد طيلة تاريخه، ولا "نحن" واحد طيلة تاريخنا، فلكلّ تاريخه وظروفه في المعاش وتقلّباته. وأمّا اليوم فنحن إزاء مشكلة هيمنة وسطو ونهب من قبل الغرب لا تحلُّ بتقليده والبدء من حيث بدأ. 
فالتّحرر ليس بتقليده ولا بالتّحرر من "المقدّس"، بل بالتّحرّر منه ومن هيمنته. وليس التّحرر المطلوب هو التحرر من العروبة وادّعاء انتمائنا لحضارة "عقليّة" أرفع مستوى. وليس هذا إلا دعوة لمزيد من الشّرذمة والتّفتت خدمة للمهيمن الذي لم يظهر على شاشة "المتحضر" لا في فرضيّاته ولا في معالجته للمشكلة.
بهذا المعنى فإن كل من يسعى إلى جعلنا "مجانين" بمواجهة عقلاء هو أورومركزي يسعى إلى خدمة المهيمن عبر طمس الموضوع الأساسي ألا وهو النّهب والهيمنة من قبل "العقلاء".
دعوة العقل هذه ظاهرها تحرّري وباطنها استعماري رجعيّ عدمي، وهي جوهر المنظومة الفكريّة الّتي رافقت الدّخول الاستعماري إلى بلادي وواكبته حتّى الآن.
* كاتب لبناني

أترك تعليقاً

التعليقات