عادل بشر / لا ميديا -
لم تعد التحولات المتسارعة في الجغرافيا المحتلة مجرد فوضى عابرة أو نتيجة صراع منفلت بين أدوات العدوان السعودي الإماراتي، كما يحاول البعض تصويره، بل إنه -وفقاً لمراكز استخبارات "إسرائيلية"- يكشف عن مسار سياسي وأمني تديره بعناية قوى خارجية تعمل ضمن مشروع إقليمي يتواءم مع الرؤية الصهيونية طويلة الأمد تجاه اليمن ومحيطه البحري.
هذا المشروع، بحسب مراكز أبحاث صهيونية، تقوم فيه أبوظبي بدور المُشغّل الذي يمتلك أدوات على الأرض يُحركها كيفما يشاء، بينما تلعب "تل أبيب" دور "مالك المشروع والموجِّه له والمُشرف على كل تفاصيله". فالكيان الصهيوني، الذي راقب اليمن لسنوات بوصفه "جبهة ضعيفة بعيدة"، ينظر اليوم إلى الجزء الجنوبي منه "بعين من ينتظر جني الثمار".
هذا الإدراك عبر عنه بوضوح معهد دراسات الأمن القومي "الإسرائيلي" (INSS)، التابع لجامعة "تل أبيب"، في تحليل أعده الباحث الأول يوئيل غوزانسكي، تناول فيه التحولات المتسارعة في المحافظات اليمنية المحتلة، وخلص إلى أن ما تقوم به الإمارات عبر الفصائل الموالية لها، وفي مقدمتها ما يُسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، ليس كما تصفه أبوظبي بـ"إعادة ترتيب المشهد الأمني" في تلك المحافظات، وإنما عملية تفتيت ممنهجة للدولة اليمنية، تُنتج واقعاً جديداً، يمنح "إسرائيل" مكاسب أمنية وسياسية وعسكرية، ويضعها وجهاً لوجه مع من وصفهم التحليل بـ"خصومها الحوثيين"، خصوصاً بعد الدور الذي لعبته صنعاء في معركة إسناد غزة.
واحتفى التحليل "الإسرائيلي" صراحةً بما تقوم به الإمارات في المحافظات المحتلة، معتبراً أن "ما كان يُعد في السابق احتمالاً بعيد المنال -وهو تفكيك اليمن الموحد- أصبح الآن واقعاً ملموساً على الأرض".
ولفت إلى أن سيطرة مرتزقة الإمارات على عدن وحضرموت والمهرة، "لا تعني مجرد تغيير في موازين القوى الداخلية، بل تشير إلى نشوء كيان سياسي-أمني جديد، منفصل فعلياً عن صنعاء، ويعمل تحت المظلة الإماراتية الكاملة بإشراف صهيوني".
من زاوية "إسرائيلية"، يرى التحليل أن "هذا التحول يحدث نقلة نوعية في مقاربة اليمن". فاليمن، وفقاً لمعهد الأبحاث الصهيوني، الذي كان يُنظر إليه تقليدياً كجبهة ثانوية بعيدة، بات يُقرأ اليوم كمساحة تماس مباشر مع الأمن القومي "الإسرائيلي"، لاسيما "في ظل القدرات الصاروخية والطائرات المسيّرة بعيدة المدى التي طورها أنصار الله، والتي أثبتت قدرتها على الوصول إلى عمق الكيان".
وقدّم التحليل مشهداً مزدوجاً؛ فمن جهة، يقر بأن حالة الانقسام داخل التحالف السعودي الإماراتي الأمريكي، الذي قاد العدوان على اليمن منذ عام، تصب في مصلحة صنعاء، التي عجزت قوات ذلك التحالف عن إضعافها، بل إن صنعاء تمكنت خلال سنوات الحرب والحصار من تطوير ترسانتها العسكرية لدرجة باتت تضرب عمق الكيان الصهيوني بالصواريخ والطائرات المُسيّرة.
ووصف التحليل فصائل المرتزقة المتعددة الولاءات بأنها "ضعيفة وعاجزة ومتناحرة"؛ لكنه من جهة أخرى، يرى أن ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي"، "بوصفه قوة منضبطة ومدعومة من الإمارات، يتيح فرصة استراتيجية جديدة لإسرائيل. فالإمارات، الشريك الإقليمي الرئيسي الذي تربطه علاقات وثيقة بتل أبيب، تعمل من خلال هذا الفصيل الجنوبي على تطوير التنسيق الأمني والدبلوماسي مع إسرائيل؛ بل إن بعض قادة جنوب اليمن قد أعربوا علانية في السابق عن دعمهم لإسرائيل".
وأضاف: "علاوة على ذلك، فإن سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على موانئ رئيسية مثل عدن والمكلا، إلى جانب وجود الإمارات العربية المتحدة في جزيرة سقطرى، يعزز الرقابة على طرق الشحن العالمية الحيوية لإسرائيل، بما في ذلك مضيق باب المندب والبحر الأحمر ومداخل قناة السويس".
وأقر التحليل بأنه "بينما تهديد الحوثيين لإسرائيل لا يزال قائماً في الوقت الحالي، فإن أي إضعاف لسيطرة صنعاء في هذه المياه يُعد مكسباً مباشراً للأمن البحري الإسرائيلي".