تقرير / لا ميديا -
في قطاع غزة، يتجدد مشهد الموت اليومي حتى في زمن الهدنة، كسياسة ثابتة لقوة احتلال تُدير الأرض بالنار وتُدير السكان بالموت. الغارات الصهيونية عادت لتضرب مناطق متفرقة من القطاع، مخلفة شهداء وجرحى، فيما يتواصل مسلسل الانهيارات المأساوية للمباني المتضررة سابقًا، في نتيجة مباشرة لعدوان الإبادة، والحصار الذي يمنع الإعمار، بينما تحول وقف إطلاق النار إلى غطاء شكلي لاستمرار القتل.
وواصل العدو الصهيوني إطلاق النار المباشر. ثلاثة فلسطينيين استشهدوا قرب محطة الشوا للمحروقات في شارع المنصورة بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة، فيما استشهد شخصان قرب ما يُعرف بـ“الخط الأصفر” شرقي المدينة.
وفي حي التفاح بغزة، ارتقت شهيدة وأصيب أربعة مواطنين برصاص قوات الاحتلال.
هذه الوقائع لا تُقرأ كحوادث متفرقة، بل كجزء من نمط يومي لإطلاق النار على المدنيين في مناطق مأهولة، في خرق واضح ومتكرر لوقف إطلاق النار.
في موازاة ذلك، انهار منزل يعود لعائلة «لبد» في حي الشيخ رضوان شمالي مدينة غزة، كان قد تضرر سابقًا بفعل القصف الصهيوني. تحت الركام، سقطت عائلة كاملة: زوج وزوجته وابنتهما البالغة من العمر 17 عامًا، إضافة إلى اثنتين من أقاربهم. عائلة جديدة تحولت إلى أرقام في سجل طويل من الضحايا الذين لم تقتلهم القذائف مباشرة، بل قتلتهم نتائجها المؤجلة. الدفاع المدني واصل البحث عن مصابين ومفقودين وسط مخاوف من ارتفاع عدد الشهداء، في ظل دمار واسع طال المنزل وأبنية مجاورة.
وزارة الداخلية في غزة أعلنت أن عدد ضحايا انهيار المباني المتضررة منذ سريان وقف إطلاق النار في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ارتفع إلى 18 شهيدًا، نتيجة انهيار 46 مبنى في محافظات القطاع. هذا الرقم لا يعكس كارثة هندسية، بل جريمة سياسية مكتملة: منع الإعمار، حظر إدخال المنازل المؤقتة، وترك الناس يعيشون فوق أنقاض منازل مهددة بالسقوط، خصوصًا مع دخول فصل الشتاء.
وفي المحصلة فإن وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، لم يوقف القتل، بل غيّر شكله: من قصف واسع إلى استنزاف يومي بالنار، والانهيارات، والحرمان.
نقص حاد في المستلزمات الطبية
إنسانيًا، أعلنت إدارة مستشفى الكويت التخصصي الميداني في خانيونس إيقاف جميع العمليات الجراحية المجدولة والطارئة، بسبب نقص حاد في المستلزمات الطبية الأساسية. التحذير كان واضحًا: المستشفى مهدد بالخروج الكامل عن الخدمة إذا استمر إغلاق المعابر ومنع إدخال الأدوية والمعدات. هنا، يتحول الحصار إلى أداة قتل صامتة، تُكمل ما بدأته الطائرات والمدفعية.

الاحتلال يرفض الدخول في المرحلة الثانية
سياسيا، يواصل العدو الصهيوني المماطلة في الدخول بمفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، متذرعة بملفات جانبية، فيما تكشف تسريبات إعلامية «إسرائيلية» عن استكمال قوات الاحتلال عمليات “التمشيط” العسكرية لأكثر من نصف مساحة القطاع الخاضعة لسيطرته. هذا السلوك يوضح أن «إسرائيل» لا تتعامل مع الاتفاق كمسار لإنهاء العدوان، بل كإطار لإعادة ترتيب السيطرة الميدانية.
في هذا السياق، حذّرت حركة المقاومة الإسلامية حماس من تفاقم الأزمة الإنسانية نتيجة استمرار الانتهاكات الصهيونية، مؤكدة أن انهيار المباني فوق رؤوس ساكنيها هو نتيجة مباشرة للحصار ومنع الإعمار. وأشارت إلى أن القتل اليومي، كما في الشجاعية والتفاح، يقوّض أي حديث عن تهدئة حقيقية.
وأكد الناطق باسم الحركة، حازم قاسم، أن استمرار انهيار المباني التي تعرّضت للقصف خلال الحرب الأخيرة، وسقوطها على رؤوس قاطنيها، يعكس تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع.
وقال قاسم إن هذه التطورات تأتي «في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي، ومنع عمليات الإعمار، وعدم السماح بإدخال مستلزمات الإيواء المناسبة»، ما يضع السكان أمام مخاطر متزايدة، خصوصًا في المناطق المدمّرة.
وشدّد على أن تصعيد الانتهاكات، «المتمثل في القتل اليومي للمواطنين الفلسطينيين»، كما حدث صباح أمس في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، يُعد «استمرارًا لخروقات الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة».
وأضاف أن هذه الخروقات «تزيد من خطورة الأوضاع الإنسانية»، وتُقوّض أي حديث عن تهدئة حقيقية أو تحسّن في الواقع المعيشي للسكان.