تقرير / لا ميديا -
لم يكن الفيديو الصادم الذي وثّق لحظة قتل المواطن أمين ناصر باحاج في محافظة شبوة المحتلة سوى مرآة لانهيار القيم والأعراف، وتجسيد لشريعة الغاب التي فرضها الاحتلال السعودي الإماراتي وأدواته، حيث تحل الفوضى محل القضاء وتصبح القوة معياراً للعدالة. هكذا يقوم الاحتلال وأدواته بإنتاج جاهلية الصحراء في يمن الإيمان والحضارة، ليُستبدل القضاء بشريعة الغاب. فكل رصاصة أُطلقت على جسد «أمين» إنما اخترقت جسد اليمن، قيمه وأعرافه وتاريخه.

في مشهد يعكس شريعة الغاب وانهيار سلطة القانون والأخلاق والأعراف في المحافظات المحتلة، أقدم مسلحون تكفيريون في مديرية حبان بمحافظة شبوة على إعدام المواطن أمين ناصر باحاج بثلاثين طلقة نارية، بعد أن قامت أسرته بتسليمه لمسلحين قبليين على ذمة جريمة قتل، ليقوم الأخيرون بقتله خارج إطار القانون، في واقعة أثارت موجة استياء واسعة في الأوساط الحقوقية والمجتمعية.
وأفادت مصادر قبلية وحقوقية بأن تكفيريين من قبيلة «آل سود» في شبوة قتلوا الشاب باحاج، من قبيلة أخرى، دون اللجوء إلى القضاء، بعد ساعات من قتله أحد أبناء قبيلتهم.
وبحسب المصادر فإن الشاب أمين ناصر باحاج، من أبناء قبيلة باحاج، قتل شاباً يُدعى باسل المرواح البابكري من قبيلة «آل سود»، قبل أن تقوم أسرته بتسليمه لأسرة المجني عليه، التي قتلته مباشرة، بعيداً عن أي إجراءات قضائية أو تحقيق رسمي، في مشهد يجسد حقيقة الوضع الذي تعيشه المحافظات المحتلة من تفسخ للقيم والأعراف.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً لقتل الشاب باحاج على يد تكفيريين، وذلك بعد قيام أسرته بتسليمه لأسرة القتيل تفادياً للدخول في صراعات ثأر.
وأظهر مقطع الفيديو لحظة تسليم الشاب من قبل أسرته، إذ قال أحد أقاربه أثناء تسليمه: «هذاك ابنكم وهذا ابننا، نسلمه لكم، تعدموه أو تسجنوه أو تفعلوا ما شئتم»، قبل أن يغادر المكان.
وبعدها مباشرة، أقدم أفراد من أسرة المجني عليه على تكبيل الشاب باحاج وطرحه أرضاً، بينما كان يردد: «والله إني مظلوم»، قبل أن يُطلقوا عليه وابلاً من الرصاص باستخدام أسلحة رشاشة، في مشهد صادم أثار موجة غضب واسعة.
كما أظهر مقطع الفيديو عملية القتل، إذ بدا الشاب قبل قتله مؤكداً براءته، وهو يردد: «أنا مظلوم… سلموني ظلم»، قبل أن يتم إطلاق النار عليه بكثافة من أسلحة آلية، بصورة وحشية وهمجية، ما أثار صدمة كبرى وموجة غضب واستنكار شعبية واسعة، إذ كشف مشهداً مروعاً انعدمت فيه أدنى مستويات الإنسانية والأعراف والأخلاق، حين تم ربط الشاب وإمطاره بأكثر من ثلاثين طلقة ليسقط مضرجا بدمائه كاشفاً عن أن شريعة الغاب أصبحت هي المتسيدة في المحافظات المحتلة.
الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، بل تأتي ضمن سلسلة من جرائم تؤكد أن محافظة شبوة وغيرها من المحافظات المحتلة تعيش حالة فوضى وانعدام مؤسسات الدولة، إذ تحل شريعة الغاب محل القضاء وتصبح القوة معياراً للعدالة.
فالفوضى التي تعيشها محافظة شبوة بلغت حالاً من تكرار هذه الحوادث الشنيعة لدرجة أنها أصبحت تمثل ظاهرة ملفتة، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2025، أقدم قبليون من قبيلة ربيز على إعدام الشاب عبدالقادر حسن السيد الجنيدي، عقب ارتكابه جريمة قتل بحق المواطن العجي علي الربيزي، في منطقة أم كداة بوادي عبدان بمديرية نصاب، وذلك بعد تسليمه من قبل قبيلته لقبيلة المجني عليه.
وتُعد هذه الوقائع مؤشراً خطيراً إلى تصاعد ظاهرة القتل و«تنفيذ أحكام» خارج إطار القانون وضمن شريعة الغاب، في ظل غياب مؤسسات الدولة، وتنامي ظاهرة القتل والثأر في محافظة شبوة.
وأكد ناشطون وحقوقيون أن ما حدث في شبوة جريمة بكل المقاييس، ‏يتحمل مسؤوليتها الاحتلال وأدواته وسلطات الارتزاق في شبوة، وتتطلب لجنة تحقيق مستقلة بإشراف أممي تبدأ بالتحقيق مع الجهات المعنية حول إمعانها في تكريس ثقافة القتل وترك الحبل على الغارب للتصرف بطريقة همجية بدائية لا تمثل تعاليم الدين ولا أخلاق الجاهلية، وتنتهي بالتحقيق في ملابسات الجريمة وضبط كل من ظهر بالفيديو الصادم.
‏وأهاب الناشطون والحقوقيون بعدم ترك هذه الجريمة تمر من دون عقاب، مؤكدين أن سلطات الارتزاق وما يسمى المجلس الانتقالي، التابع للإمارات، شركاء في الجريمة، مؤكدين أن الحادثة ليست معزولة، بل تأتي ضمن سياق مقلق لتزايد ظاهرة الثأر وتنفيذ العقوبات بوسائل قبلية في شبوة وعدد من المناطق المحتلة.
وحذروا من أن التهاون أو الصمت الرسمي من شأنه ترسيخ الإفلات من المساءلة وتشجيع تكرار مثل هذه الجرائم التي تشوّه صورة محافظة شبوة وقبائلها وتكرّس منطق الغاب الذي يجعل من القوة والانتماء القبلي بديلاً للقضاء.
وتصاعدت الدعوات إلى موقف شعبي يرفض هذه الجرائم، مع التأكيد أن الصمت يساوي المشاركة في الجريمة وفي تكريس منطق الغاب، وعلى اليمنيين أن يرفعوا صوتهم قبل أن يصبح الدم هو القانون الوحيد، مؤكدة أن صرخة الشاب أمين باحاج الأخيرة لم تكن صرخة فرد، بل صرخة وطن يُذبح يومياً تحت سطوة الاحتلال وأدواته.