تقرير / لا ميديا -
في مشهد يزداد قتامة يوماً بعد يوم، يواصل العدو الصهيوني تدوين سجل غير مسبوق من الجرائم التي تضرب قطاع غزة والضفة الغربية، مكرساً سياسة عدوانية لا تعترف بوقف إطلاق نار ولا هدنة، ولا حتى بالحد الأدنى من القيم الإنسانية. فبين حصار خانق، وقصف متواصل، واستهداف مباشر للمدنيين والبنى الصحية والزراعية، تتكشف ملامح مشروع تدميري ممنهج يمضي العدو الصهيوني في تنفيذه على كل أرض فلسطين.
غزة لا تزال في عين الإعصار
على جبهة غزة، أطلقت وزارة الصحة، أمس، إنذاراً جديداً، من قلب كارثة تتفاقم نتيجة منع الاحتلال إدخال الوقود، ما أدى إلى شلل شبه كامل في غرف العمليات وتعطل أجهزة الإنعاش والتنفس المخصصة للمرضى والأطفال. المستشفيات، التي لم تعد تقوى على العمل وسط انقطاع التيار وتضاؤل الموارد، تقف على حافة الانهيار الكامل، بينما تغرق الخيام بفعل الأمطار، في مشهد يعكس عمق المأساة الإنسانية التي يواصل الاحتلال تعميقها بإصرار حسابي بارد.
وبالتوازي لا يتوقف نزيف الدم، إذ استشهد أمس فلسطيني بنيران طائرة مسيّرة من نوع «كواد كوبتر»، شرق حي الزيتون جنوب شرقي غزة، فيما أصيب آخرون في استمرار عمليات الاغتيال المباشر داخل الأحياء السكنية. وفي رفح وخان يونس والمغازي، يدك الاحتلال المناطق الشرقية بالقذائف والغارات، ضارباً عرض الحائط بوقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. فالقصف، كما تثبت الساعات الماضية، ليس مجرد تجاوز محدود، بل سياسة ثابتة تتعمد «إسرائيل» من خلالها فرض واقع عسكري جديد يعيد رسم خرائط السيطرة لصالحها داخل القطاع.
وزارة الصحة في غزة وثقت وصول 9 شهداء خلال 24 ساعة فقط، تم انتشال جثثهم من تحت الأنقاض، مع استمرار وجود ضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات تعجز فرق الإسعاف عن الوصول إليهم، بسبب النيران التي تستهدف أي حركة إنقاذ. هذه المشاهد تعيد التأكيد أن ما يجري ليس خرقاً عابراً للهدنة، بل هو تدمير متعمد يتقاطع مع حصيلة العدوان الممتد منذ عامين، والذي أسفر عنه أكثر من 70 ألف شهيد و170 ألف مصاب منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وفي حين يواصل العدو الصهيوني الحديث عن «استهداف المسلحين»، تعلن قواته أنها قتلت أكثر من 40 شخصاً في رفح، بدعوى تدمير الأنفاق خلال الأيام الأخيرة، وهي ادعاءات يستخدمها الاحتلال باستمرار لتبرير ضرب البنى التحتية السكنية والأحياء المدنية، فيما تظهر أرقام الصحة أن غالبية الضحايا مدنيون.
اقتلاع 850 شجرة زيتون وهجمات واسعة على الضفة
العدوان لا يقتصر على غزة؛ ففي الضفة الغربية المحتلة يتكرر المشهد بسيناريو مشابه. مدن البيرة والخليل وطوباس وجنين تعرضت، أمس، لاقتحامات مكثفة، رافقها انتشار وحدات خاصة وقنّاصة على الأسطح، إضافة إلى اعتقالات وتعطيل للمؤسسات الأهلية. وفي البيرة، استهدفت قوات الاحتلال مقار اتحاد لجان العمل الزراعي، وصادرت الحواسيب والوثائق، وأغلقت المبنى بالكامل، في جزء من حرب ممنهجة يخوضها العدو الصهيوني ضد المؤسسات التي تدعم صمود المزارعين والفئات الريفية.
الهلال الأحمر تعامل مع إصابات عديدة بالغاز والرصاص المعدني، بعضها لأطفال، بينما وثقت تقارير محلية اعتداء قوات الاحتلال على طفل في الخليل بعد احتجازه في منطقة معزولة. وفي جنوبي الخليل، مُنع المزارعون من حراثة أراضيهم، فيما نفذ الغاصبون، بحماية قوات الاحتلال، واحدة من أكبر عمليات التخريب الزراعي خلال الأشهر الأخيرة، باقتلاع 850 شجرة زيتون وعنب تعود لعائلة فلسطينية، إضافة إلى سرقة جرار زراعي قرب أريحا.
هذه الاعتداءات، الممتدة من غزة إلى الضفة، تفضح طبيعة المشروع الصهيوني، الذي يتعامل مع الأرض والإنسان باعتبارهما أهدافاً عسكرية. فالمزارع الفلسطيني لم يعد يواجه الغاصبين فقط، بل ومنظومة أمنية رسمية توفر لهم الغطاء وتحمي جرائمهم المنظمة.
لحظة الزوال تقترب
رغم التصعيد الصهيوني وحملاته التي لا تتوقف، تتكشف داخل الكيان ملامح أزمة بنيوية غير مسبوقة. جنرال الاحتياط إسحاق بريك، وهو من أبرز الأصوات العسكرية في الكيان، حذر من «أخطر أزمة بشرية تواجه الجيش في تاريخه»، مع تهرب آلاف الضباط والجنود من الخدمة، ورفض أعداد كبيرة من المجندين توقيع عقود التمديد. هذا النزيف البشري، كما يقول بريك، بات يهدد جاهزية قوات الاحتلال، ويعرقل صيانة معداته ومنظوماته القتالية، وصولاً إلى احتمال «فقدان القدرة على العمل بالكامل» إذا استمرت الأزمة بالاتساع.
إلى جانب ذلك، يواجه الكيان موجة هجرة عكسية غير مسبوقة. ففي العام 2024 وحده، غادر 83 ألف غاصب صهيوني، عاد منهم 24 ألفاً فقط، ما يجعل صافي الهجرة السلبية نحو 60 ألفاً. التدهور الأمني، الارتباك السياسي، وتدهور الاقتصاد وارتفاع كلفة المعيشة، كلها عوامل تدفع الغاصبين الصهاينة للبحث عن مخرج من مستقبل باتوا يرونه قاتماً داخل هذا الكيان المؤقت.
وبين انهيار في الداخل وتوسع عدواني في الخارج، تبدو «إسرائيل» اليوم كياناً يعيش أعلى مستويات التوتر وفقدان التوازن منذ سنوات تأسيسه. فـ»طوفان الأقصى» ما زال كابوساً لا ينتهي على الاحتلال، و»الجيش الإسرائيلي» يترنح تحت أزمات بشرية ومعلوماتية، بينما يعاني الداخل الصهيوني من انقسامات وهجرة وتراجع في ثقة الجمهور. ومع كل ذلك، يواصل العدو الصهيوني الاستثمار في آلة الحرب، في محاولة يائسة لإنقاذ نفسه وفرض وقائع جديدة على الأرض.










المصدر لا ميديا