انتفاضة المجتمع السوري وسقوط حاجز الخوف
- تم النشر بواسطة لا ميديا
دمشق - خاص / لا ميديا -
أحداث وتطورات مهمة جداً شهدتها الساحة السورية خلال الأيام القليلة الماضية، ستترك آثارها الكبيرة على مسار الأوضاع في سورية، والسيناريوهات التي تدرس في الكواليس الإقليمية والدولية حول سورية.
بدأت شرارة الأحداث مع مقتل زوجين من عشائر بني خالد، الموزعة بين سورية ولبنان، مع كتابة عبارات «يا علي يا حسين» بشكل مشبوه، على مراحيض الشقة التي قتل فيها الزوجان، ما أدى إلى حدوث هجمات همجية مسلحة، من بني خالد، على الأحياء العلوية في مدينة حمص، رغم إعلان وزارة الداخلية أن القتل تم لأسباب جنائية، لا طائفية أو سياسية.
وكان قد سبق هذه الحادثة محاولة لإشعال الفتنة من حلال قتل شابين من الطائفة العلوية في مدينة حمص، بطريقة شنيعة، رجماً بالحجارة؛ لكن الشارع العلوي، المتنبه لهذه الغايات، أفشل الهدف، لتأتي حاثة قتل الزوجين وتشعل شرارة الفتنة.
بقيت الجموع المهاجمة ساعات طويلة تزرع الأحياء العلوية إرهاباً وترهيباً وتحرق السيارات والبيوت والممتلكات... وما فاقم المشكلة أن قوات الأمن العام غضت النظر عن وصول المهاجمين من ريف المحافظة إلى المدينة، ولم تتدخل إلا بعد ساعات من هذه العمليات.
أحداث حمص الأخيرة لم تكن وليدة لحظتها، وإنما جاءت استمراراً للمجازر التي حدثت في الساحل السوري، في آذار/ مارس الماضي، وفي أحياء الدروز في جرمانا وصحنايا في ريف دمشق، ثم في السويداء، وكذلك في مناطق عديدة يسكنها مواطنون من مختلف المكونات السورية.
كما جاءت بعد سلسلة طويلة من عمليات القتل والخطف والسرقة وسبي النساء من المناطق العلوية، وفصل آلاف الموظفين، وتوقيف رواتب مئات الألوف من عناصر الجيش وقوات الأمن السابقة، واعتقال أكثر من عشرة آلاف جندي وضابط ممن استجابوا لطلب سلطات الأمر الواقع بتسليم أسلحتهم وإجراء تسويات، لتغدر بهم وتقتادهم إلى المعتقلات والسجون، وحتى الآن، وأيضاً بعد محاولة وضع الطائفة العلوية كلها في قفص الاتهام بأنهم من فلول النظام السابق، رغم معرفة الجميع بأن العلويين كانوا أكثر المتضررين من سياسات النظام، وتهميشهم بشكل مقصود.
مجمل هذه الممارسات أوصل الطائفة العلوية إلى حد لم يعد يجدي السكوت عليه، أو انتظار التجاوب مع طلباتهم من سلطات الأمر الواقع. كما أوصلت الطائفة الدرزية قبلهم إلى إعلان القطيعة شبه التامة مع سلطات دمشق، ومد اليد جهراً للكيان الصهيوني، لتأمين الحماية لهم، مستفيدين من وجود طائفة درزية في فلسطين المحتلة، ووجود أفراد منها في الحكومة والكنيست والجيش.
أدى هذا المسار الطويل من الانتهاكات والاعتداءات إلى قيام الشيخ غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي في سورية والمهجر، بالدعوة إلى التظاهر والاعتصام السلمي، مع رفع المطالب المحقة، والامتناع عن أي تصرفات قد تمثل ذريعة لاستهدافهم من عناصر الأمن والعناصر الطائفية المنفلتة، واحتمال تكرار ظاهرة الفزعات البدوية الهمجية.
ما فاجأ السلطات قبل غيرها هو حجم التجاوب مع دعوة الشيخ غزال، والوعي الذي أبداه المتظاهرون والمعتصمون، فكانت أماكن التجمع بلا أي مظاهر مسلحة، ولم ترفع أي شعارات طائفية أو تمس الوحدة الوطنية، رغم حدوث بعض التجاوزات والاستفزازات من عناصر الأمن، مثل تنظيم مظاهرات مضادة، وترديد شتائم لا أخلاقية وشعارات طائفية، وظهور العديد من المسلحين بالسكاكين.
ما جرى أبرز تساؤلاً مهماً وغير بريء حول دور رجال الدين، وصدور الدعوة إلى التظاهر من الشيخ غزال والتجاوب معها، باعتبار أن الشارع العلوي يتمتع بسوية تعليمية وعلمية عالية، ومعظمه علماني، وتأثير رجال الدين فيه محدود، وهو ما يؤكد أن ما جرى لم يكن استجابة لرجل دين، وإنما لأن الشيخ غزال التقط اللحظة فقط، وبادر إلى الدعوة، ولو لم يكن الشيخ غزال لكان غيره سيظهر ويبادر لها؛ لأن القصة لم تعد متعلقة بأشخاص، بل بمشروع البقاء والكرامة، وأن من حرك الشارع العلوي اليوم، والدرزي قبله، وشرائح عديدة من المجتمع السوري، سواء التي رفعت صوتها أو التي لا تزال صامتة، هي السلطة وممارساتها بحق كل الطوائف، ومنهم السنة المعتدلون، وتقصيرها عن حفظ الأمن بحسب ما تمليه عليها واجباتها ومسؤولياتها، بحكم أنها سلطة أمر واقع.
ويرى معظم المتابعين للتطورات والنخب من مختلف شرائح المجتمع السوري أن ما جرى هو إعلان بخروج الطائفة العلوية وبقية الطوائف ومكونات المجتمع السوري، من الحالة الدفاعية وحالة التشكيك والاتهام والظلم، وسقوط حاجر الخوف، الذي حاولت السلطة وضعهم فيه.
أكد ذلك تطور لا يقل أهمية عما جرى في الساحل وحمص وحماه - إن لم يكن أكثر، وهو البيان الذي أصدره ممثلون عن أهل السنة، الأشاعرة والماتريديين والصوفيين في دمشق، والذين يشكلون أغلبية السنة في دمشق وعموم سورية، ورفضوا فيه دعوة مديرية أوقاف دمشق إلى التظاهر دعماً للسلطة، بعد صلاة الجمعة، وأعلنوا تضامنهم مع «أهلنا في الساحل السوري وفي حمص».
كما صدرت بيانات عديدة من قوى سياسية ومجتمع مدني تؤيد حراك المجتمع العلوي ومطالبه، وتدعو السلطات إلى التجاوب معها فوراً.
هذه التطورات يبدو أنها فاجأت السلطات، ما دعاها إلى محاولة التهدئة، بالدعوة إلى اجتماع لفعاليات مدينة اللاذقية، خاطبهم خلالها رئيس السلطة الانتقالية، أحمد الجولاني، بتأكيده أنه يتفهم «المطالب المحقة للناس»، وأن «الفيدرالية هي إدارة محلية، والقوانين الحالية قريبة من هذا الطرح»، وتأكيده أيضاً أهمية الساحل السوري لكل سورية، ورفضه أن يكون للساحل «سلطة قائمة بذاتها منعزلة عن البقية»، وأن «مؤسسات الدفاع والأمن والخارجية والاقتصاد غير قابلة للتجزئة»، رغم أن المتظاهرين لم يرفعوا مثل هذه الشعارات حول الانفصال، أو أخذ السلطات الوطنية من السلطة المركزية.
تطورات الأيام القليلة الماضية تؤكد أن سورية دخلت مرحلة جديدة سيكون لها تداعيات كبيرة، خاصة وأنها جاءت متوافقة مع الطلبات التي أعطيت للشرع في واشنطن لتنفيذها، وتجمع عليها القوى الداخلية والخارجية، وفي مقدمتها حماية الأقليات، وإشراكها في السلطة، وتشكيل سلطة حكم انتقالية بمشاركة الجميع، وعقد مؤتمر وطني، ووضع دستور دائم للبلاد، وهو ما يضع سلطة دمشق، أمام مسارين لا ثالث لهما، إما الاستجابة لهذه المطالب، وإما الدخول في مواجهة مع قوى الداخل والخارج، ستنتهي سريعاً بإسقاط هذه السلطة، وهو ما ستكشفه الأيام القادمة.










المصدر لا ميديا