عادل بشر / لا ميديا -
في اعتراف دولي صريح يؤكد صوابية موقف اليمن من معركة إسناد غزة، وصلابة خياراته السياسية والعسكرية، أكدت وثيقة جديدة لمجموعة الأزمات الدولية أن الهجمات اليمنية في البحر الأحمر وإلى عمق فلسطين المحتلة خلال عامين من معركة "طوفان الأقصى"، جاءت رداً على العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وأن صنعاء أكثر التزاماً بكل هدنة يشهدها القطاع.
ونشرت مجموعة الأزمات الدولية تقريراً مطولاً بعنوان "تخليص اليمن من خطر مزدوج"، حاولت فيه تقديم قراءة غربية تقليدية للمشهد اليمني والبحر الأحمر، خلال معركة الإسناد اليمنية للشعب الفلسطيني؛ لكنها في سياق غير مباشر قدمت شهادة جديدة بأن الجهود الغربية لإعادة فرض السيطرة على البحر الأحمر وفصل صنعاء عن المعادلات الإقليمية قد فشلت تماماً. فصنعاء، التي التزمت بالهدنتين السابقتين في غزة، لم تعُد مجرد طرف في النزاع، بل صارت محوراً لا يمكن تجاوزه في أي معادلة سياسية أو عسكرية، قادرة على رسم توازن القوة في البحر الأحمر، والدفاع عن القضية الفلسطينية بكل وضوح وإرادة ثابتة.

البحر الأحمر ساحة توازن جديدة
يُقر التقرير بأن العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية ضد السفن "الإسرائيلية" في البحر الأحمر جاءت رداً مباشراً على العدوان والحصار المفروض على قطاع غزة، وأن تلك العمليات لم تكن عملاً عشوائياً أو تهديداً للتجارة العالمية كما يروج الإعلام الغربي، بل موقفاً سياسياً أخلاقياً منسجماً مع التزامات صنعاء تجاه القضية الفلسطينية.
كما يؤكد التقرير أن صنعاء التزمت بالهدنة التي شهدتها غزة مطلع العام الجاري، ولم تُعاود عملياتها العسكرية إلا بعد أن خرق الاحتلال الهدنة مستأنفاً عدوانه على غزة بعد 42 يوماً من بدء الهدنة، وهو ما اعتبره مراقبون دلالة قاطعة على أن قرار صنعاء ارتبط بمسار العدوان، لا بمصالحها الخاصة، وأن البعد الأخلاقي والسياسي يحكم سلوكها العسكري.

واشنطن والهدنة المفروضة عليها
وفي أحد أهم اعترافات الوثيقة، تشير مجموعة الأزمات الدولية إلى أن واشنطن اضطرت إلى دخول هدنة غير معلنة مع صنعاء بعد معارك عنيفة شهدها البحر الأحمر بين السفن والبوارج الحربية الأمريكية والقوات المسلحة اليمنية، نجحت خلالها قوات صنعاء في تنفيذ هجمات قوية ومكثفة على البحرية الأمريكية، وفي مقدمتها حاملات الطائرات والبوارج المرافقة لها.
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة، مع بدء ترامب رئاسته الجديدة لأمريكا، نفذت حملة جوية وبحرية مكثفة ضد من وصفهم التقرير بـ"الحوثيين"، في أعقاب انهيار هدنة غزة منتصف آذار/ مارس 2025، بهدف القضاء على قدرات صنعاء العسكرية وإيقاف عملياتها المساندة للشعب الفلسطيني ضد العدو "الإسرائيلي"؛ إلا أن الصمود اليمني، وكذلك الثبات والأداء القوي للقوات المسلحة والاستهداف المتكرر للسفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر، كل ذلك دفع واشنطن للجوء إلى مسقط بهدف التوصل إلى هدنة مع صنعاء، لا تشمل العمليات العسكرية ضد "اسرائيل".
ويرى مراقبون أن هذا الإقرار يُعدّ سابقة في خطاب المؤسسات الغربية؛ إذ يعترف بأن القوة اليمنية نجحت في فرض معادلة ردع غير متكافئة على أعظم قوة بحرية في العالم، وأن صنعاء لم تُجبر على التراجع، بل أجبرت الآخرين على احترام خطوطها الحمراء ومبادئها الأخلاقية تجاه غزة.
وأكد التقرير أن صنعاء وسّعت قائمة أهدافها إلى العمق الصهيوني، ونجحت في ضرب أهداف حساسة للاحتلال، من بينها مطار اللد "بن غوريون" و"قاعدة رامون" الجوية، وهي منشأة عسكرية "إسرائيلية" في صحراء النقب، إضافة إلى الضربات التي استهدفت عمق مدينة "إيلات" (أم الرشراش).
وأوضح التقرير أن القدرات المتنامية لصنعاء شكلت اختباراً وتهديداً مباشراً للدفاعات الجوية "الإسرائيلية".

خارطة الطريق
تقرير الأزمات الدولية تطرق أيضاً إلى محادثات السلام التي كانت دائرة بين صنعاء والرياض بوساطة عمانية قبل العدوان الصهيوني على قطاع غزة، زاعماً أن خارطة الطريق المنبثقة عن تلك المحادثات "عُطلت" نتيجة استخدام صنعاء ورقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب في معركتها المساندة للشعب الفلسطيني. وأغفل التقرير الإشارة المباشرة إلى أن الولايات المتحدة هي التي عطّلت تنفيذها عندما اشترطت إيقاف العمليات اليمنية المساندة لغزة مقابل تحريك ملف السلام، إذ رفضت ذلك بوضوح، مؤكدة أن موقفها من العدوان على غزة قضية مبدئية منفصلة عن محادثات السلام مع العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي، وأن التفاوض على السيادة الوطنية لا يمكن أن يتم تحت الضغط أو مقابل صمت على المجازر في فلسطين.

الواقع الذي لا يمكن تجاوزه
في السياق، أقرت وثيقة مجموعة الأزمات الدولية بأن حكومة صنعاء تسيطر على المناطق الأكثر كثافة سكانية والأكثر أهمية سياسياً، وأن كل محاولات تحالف العدوان السعودي الإماراتي لإسقاطها قد فشلت، رغم الدعم الأمريكي الهائل للرياض وأبوظبي طوال سنوات العدوان على اليمن منذ مطلع العام 2015.
كما أشار إلى الحملة التي قادتها أمريكا وبريطانيا فيما يعرف بـ"تحالف حارس الازدهار" طوال العام 2024 ضد صنعاء حماية للكيان الصهيوني، والحملة الأمريكية الثانية خلال الفترة من آذار/ مارس إلى أيار/ مايو 2025، إضافة إلى سلسلة هجمات جوية نفذها الكيان الصهيوني، مؤكداً أن جميع تلك المحاولات فشلت في إضعاف صنعاء أو ثنيها عن الاستمرار في إسناد غزة، أو مواصلة تطوير قدراتها العسكرية.
في المحصلة تؤكد المعطيات الواردة في تقرير مجموعة الأزمات الدولية أن الغرب فشل في فرض رؤيته على صنعاء، وأن سياسة الضغط والابتزاز لم تفلح في ثنيها عن موقفها المبدئي تجاه فلسطين. فالمقاربة الغربية التي حاولت اختزال المشهد في البحر الأحمر ضمن أبعاد أمنية واقتصادية ضيقة، تجاهلت الحقائق الجوهرية للصراع، وفي مقدمتها ارتباط الموقف اليمني من البحر الأحمر بواجب أخلاقي وإنساني في دعم غزة، وأن رهان واشنطن ولندن على ما تسميه "المقاربة الأمنية أولاً"، بربطهما أي تقدم في ملف السلام بوقف العمليات اليمنية ضد السفن "الإسرائيلية"، قد انهار تماماً أمام الصلابة الاستراتيجية لصنعاء، التي رفضت مقايضة موقفها القومي من فلسطين بأي مكاسب تفاوضية.
وهكذا أثبتت الوقائع أن المنطق الغربي القائم على القوة والهيمنة لم يعد صالحاً في مواجهة منطق الشعوب المقاومة التي تضع الكرامة والسيادة فوق كل اعتبار.