دمشق / خاص / لا ميديا -
الشرع في موسكو.. هي من الزيارات المفصلية، بعد التغيير الدراماتيكي الذي حصل في نظام الحكم في سورية، والذي أدى إلى انهيار نظام الرئيس بشار الأسد، ووصول «حركة تحرير الشام (جبهة النصرة)» بقيادة الشرع (أبو محمد الجولاني) إلى الحكم في دمشق.
أقل ما يقال في هذه الزيارة، أن الشرع انقلب على الشرع، وقام بهذه الزيارة، رغم ما كانت تعلنه السلطة الجديدة، من مواقف سلبية ضد روسيا ودورها في سورية، قبل وبعد التغيير، حيث كانت تطلق كل الأوصاف العدائية ضدها، وتتهمها بأنها قاتلة الشعب السوري.
أهمية الزيارة، أنها تعبر عن تحولات داخلية وخارجية حول سورية، ومؤشر جديد، يؤكد على أن سورية بموقعها الجيوسياسي، تشكل نقطة التوزان الاستراتيجي، وبوصلة توازنات القوى والقوة، الإقليمية العالمية.
كما تؤكد بأن العلاقة ما بين دمشق وموسكو، لا يمكن أن تحكم بالأهواء، والعواطف الشخصية، وإنما تبقى محكومة بثوابت وقواعد، من الصعب تجاوزها، إضافة إلى أن روسيا دولة عظمى، وعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ولا يمكن تجاهلها أو استعداؤها.
هذه الحقائق، أكدها الشرع قبيل الزيارة، في تصريحات لقناة «سي بي إس» الأمريكية، أعلن فيها عن تقديره لموقف روسيا المحايد، أثناء زحف الفصائل المسلحة نحو العاصمة دمشق، دون مقاومة أو تدخل من الطيران الروسي، أو القوات المرابطة في قاعدة «حميميم»، والقواعد العسكرية الروسية المنتشرة في العديد من المناطق السورية، واعترف الشرع، بأنه لولا الموقف الروسي المهادن، لكانت كلفة دخول دمشق باهظة ودموية.
هذا يؤكد أن العلاقة بين البلدين، حاجة مشتركة لهما، فدمشق تشعر بالحاجة إلى موسكو، لتحقيق التوازن في علاقاتها الإقليمية والدولية، وخاصة مع واشنطن، التي تريد منها طلبات كثيرة، وبعدما تأكدت، بما تشكله من موقع جيوسياسي فريد، ومفتاح المنطقة الأكثر حساسية في العالم، بأن الانضواء في جانب واحد، من محاور الصراع في العالم، ثمنه كبير ويشكل خطراً عليها، ولا بد من أن تكون متوازنة في علاقتها.
كما تحتاج السلطات السورية، لمساعدة روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن، لرفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، وإزالة معظم شخصيات السلطة السورية، و»جبهة النصرة»، من قوائم الإرهاب الدولية.
أيضاً، هناك حاجة سورية لروسيا، في أكثر من ملف داخلي، أهمها توسيع انتشار الدوريات الروسية في جنوب سوريا، بالشكل الذي كانت عليه قبل التغيير، لوضع حد للمحاولات «الإسرائيلية» للتمدد في المنطقة.
كما تقوم روسيا، بالتوسط في العلاقة بين السلطات السورية، وقوات سورية الديمقراطية «قسد» في شمال شرق سورية، ولعبت دوراً مهماً في اتفاق الجانبين، على برنامج عملي، لتنفيذ اتفاق العاشر من مارس/ آذار بين الجانبين.
أما الموضوع الأهم، وهو ترتيب الأوضاع في الساحل السوري، حيث التواجد العسكري الروسي الأكبر، كما أن روسيا تمسك بأهم ورقة في هذا الموضوع، وهي أنها تستضيف معظم الشخصيات العسكرية، ورجال الأعمال، من النظام السابق، الذين يمكن أن يكون لهم دور في ترتيب هذه الأوضاع، خاصة وأن الكثير من هؤلاء، يحملون الجنسية الروسية، وبالتالي هم يخضعون لاتفاقية الحصانة للشخصيات الروسية، الموقعة بين الجانبين.
أما موسكو، فتريد الاحتفاظ بتواجدها الاستراتيجي في سورية، وخاصة في قاعدتي «حميميم» الجوية، و«طرطوس» البحرية، والاحتفاظ بدورها، كمزود رئيسي للسلاح الروسي إلى سوريا، والاستمرار في الاتفاقات والمشاريع الاقتصادية، التي توصلت إليها مع النظام السابق، وخاصة في مواضيع التنقيب عن النفط والغاز، واستثمار الفوسفات، والأسمدة الكيميائية، إضافة إلى متابعة موضوع الديون.
أما الموضوع الحساس بين البلدين، وهو وجود الرئيس بشار الأسد، ومئات الضباط من النظام السابق في روسيا، فقد تجنب الرئيسان، الحديث عنه على الملأ، وهو ما يعكس إرادة الجانبين، بالسير بالعلاقات إلى الأمام، بغض النظر عن هذا الموضوع الشائك.
وقد صدرت بيانات ومعلومات من أكثر من مصدر غير رسمي، معني بهذا الموضوع، تؤكد بأن الفترة التي ستلي الزيارة، ستشهد تطورات مهمة جداً، في الوضع الداخلي السوري، بمساعدة روسيا، أهمها تهدئة مناطق التوتر، وخاصة في الساحل، تمهيداً للوصول إلى تفاهمات، تندرج تحت طلبات القرار الأممي (2254)، وأهمها تشكيل حكومة وطنية جامعة، وعقد مؤتمر وطني شامل، يضمن مشاركة جميع القوى السورية، وصياغة دستور على أسس وطنية، وتنظيم انتخابات عامة، بإشراف الأمم المتحدة، وحل الفصائل المسلحة، وإعادة دمجها وفق معايير وطنية، وإخراج المقاتلين الأجانب من الجيش، والأجهزة الحكومية‎.‎
وتؤكد هذه المعلومات والبيانات، بأن الوضع في الساحل، سيشهد انفراجات مهمة، أهمها الإفراج عن المعتقلين، من ضباط وجنود الجيش السابق، وإعادة أعداد كبيرة من ضباطه وعناصره إلى الجيش، وإعادة المفصولين من أعمالهم.
أيضاً صدرت تصريحات، عن قائد قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، مظلوم عبدي، يؤكد فيها التوصل إلى تفاهمات مع السلطة في دمشق، لتطبيق اتفاق العاشر من آذار، وكان لروسيا دور أساسي فيها، وأهمها اندماج قوات «قسد» مع الجيش السوري، وأن قادتها وعناصرها، سيحصلون على مناصب جيدة، في وزارة الدفاع، وقيادة الجيش، كما ستندمج شرطة «قسد»، في أجهزة الأمن الوطنية.
ثمة نقطة مهمة، وهي أن المتضررين من العلاقة بين دمشق وموسكو كثر في الداخل والخارج، وهو ما يستدعي الحذر، ومن غير المستبعد قيام بعض الفصائل المتطرفة والأجانب بأعمال قد تصل حد الصدام العسكري مع الفصائل والقوات التي تعمل بأمرة وزارة الدفاع السورية.
أما تركيا، التي تبدي حساسية مفرطة من أي اتفاق أو تفاهم سوري، وخاصة مع «قسد» وفي الساحل، فتبدو أكبر المتضررين من العلاقة بين دمشق وموسكو، وتحدثت معلومات بأن أنقرة سارعت وقبيل انتهاء زيارة الشرع لموسكو، إلى إرسال جنرال، من كبار قادة الجيش، والمتخصص بالقضايا الاستراتيجية، إلى دمشق، وتم خلال اللقاء مع المسؤولين العسكريين السوريين، مناقشة التنسيق المستقبلي، للجيش السوري الجديد، مع العسكريين الأتراك، وتنظيم وجود مستشاريهم، وكان هناك تساؤلات تركية، حول القواعد الروسية، في «حميميم» و»طرطوس»، حيث يبدي الأتراك قلقاً من استمرارها.
كما تحاول تركيا تسريع دمج وتمويه الجهاديين الأجانب، من الإيغور والشيشان والأوزبك، والمطلوب أقصاءهم عن الجيش، وكل مؤسسات الدولة السورية، وهو ما قد يشي بدور تركي قد يعمل على محاولة تخريب العلاقة بين دمشق وموسكو.