عادل بشر / لا ميديا -
رغم مضي شهرين على إعلان وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن بوساطة عمانية، مطلع أيار/ مايو الفائت، إلا أن ظلال فشل الحرب الأمريكية البحرية على اليمن والتي تركزت بدرجة رئيسية في البحر الأحمر، لاتزال حاضرة في الإعلام الغربي على شكل دراسات وتحليلات تؤكد في مجملها مدى الخسائر التي تكبدتها بحرية الولايات المتحدة أمام القوات المسلحة اليمنية، الأمر الذي دفع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب للنزول من سلم الحرب وإعلان اتفاق التهدئة في البحر الأحمر، بهدف الخروج بأقل خسارة ممكنة، لاسيما بعد فشل أكثر من ألف غارة جوية أمريكية في تحقيق أي أهداف عسكرية في اليمن.
وتزامنت التقارير الحديثة في الإعلام الغربي، مع إعلان الكونغرس الأمريكي في إيجاز صحفي لميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2026، الذي اعترف ضمنياً، بتعرض بحرية واشنطن لحرب استنزاف غير مسبوقة في البحر الأحمر.
أحدث التقارير في هذا الإطار نشرته، أمس الأول، شبكة «فيسيغراد بوست» Visegrad post الإخبارية الأوروبية، أكدت فيه بأن الخسائر والتحديات التي تعرضت لها حاملة الطائرات الأمريكية (هاري ترومان) في مواجهة القوات المسلحة اليمنية بالبحر الأحمر، أدت إلى تراجع الثقة بقدرة البحرية الأمريكية، وأبرزت تعقيدات الحرب الحديثة التي لازال على الولايات المتحدة أن تتكيف معها.
التقرير الذي بعنوان (قد جعلونا ننزف في المياه المفتوحة: تعود يو إس إس ترومان في حالة من العار بعد خسارة ثلاث طائرات سوبر هورنت في ضربة صادمة) أفاد بأن حاملة الطائرات الأمريكية «هاري ترومان» نفذت عملية انتشار دراماتيكية في البحر الأحمر استمرت ستة أشهر، كانت مليئة بالتحديات، ثم عادت إلى قاعدتها في نورفولك بولاية فرجينيا، بعد أن فقدت ثلاث طائرات إف/إيه-18 سوبر هورنت في سلسلة من الحوادث المكلفة، مما أثار المخاوف بشأن الجاهزية العملياتية للبحرية الأميركية في البحر الأحمر ذي الأهمية الاستراتيجية.
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة أرسلت حاملة الطائرات «ترومان»، التي تعتبر رمز القوة البحرية الأمريكية، إلى مياه البحر الأحمر في كانون الأول/ ديسمبر 2024. وكان هذا الانتشار جزءًا من استراتيجية أوسع لمواجهة القوات المسلحة اليمنية التي تخوض حرباً ضد الكيان الصهيوني، دعماً للشعب الفلسطيني منذ أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، ونتيجة لذلك أغلقت قوات صنعاء البحر الأحمر في وجه الملاحة الصهيونية، وبالتوازي تنفذ ضربات بعيدة المدى بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضح أن المهمة البحرية الأمريكية «واجهت تحديات غير متوقعة» وتعرضت الحاملة «ترومان» لعدة حوادث «أثارت تساؤلاتٍ حول جاهزيتها العملياتية وتخطيطها الاستراتيجي».
وقال إن (ترومان) «فقدت ثلاث مقاتلات، مما شكّل ضربة موجعة لقدراتها العملياتية، وفي حادثة محرجة، تم إسقاط طائرة (إف/إيه-18 سوبر هورنت) عن طريق الخطأ بواسطة طراد صواريخ من أسطول حاملة الطائرات، ولحسن الحظ، نجا الطياران، لكن الحادث كشف عن عيوب محتملة في التنسيق والتواصل داخل فرقة العمل البحرية».. لافتاً إلى أن «التبعات المالية لهذه الخسائر كانت كبيرة».
وأكد التقرير أن «هذه الخسائر، المادية منها والمتعلقة بالسمعة، تبرز تعقيدات الحرب البحرية الحديثة».. مشيراً إلى أن «هذه الحوادث دفعت البحرية الأمريكية إلى إعادة تقييم استعداداتها ونهجها الاستراتيجي».
وأفاد بأن «الأثر التراكمي لهذه الأحداث مثل تراجعاً في الثقة بقدرة البحرية على العمل بفعالية تحت الضغط».. مضيفاً أنه «رغم أن حاملة الطائرات (ترومان) لم تُصب بصواريخ الحوثيين مباشرةً، إلا أن خسارة طائراتها أمام عدوٍّ أقل تطوراً من الناحية التكنولوجية تُثير مخاوف بشأن المواجهات المستقبلية مع خصوم أكثر كفاءة، مثل الصين».
وشدد تقرير شبكة «فيسيغراد بوست» الأوروبية على أن «الحوادث التي تورطت فيها حاملة الطائرات (ترومان) تبرز تعقيدات العمل في مثل هذا الفضاء المتنازع عليه»، وأنه «مع استمرار البحرية الأمريكية في التكيف مع المشهد الجيوسياسي المتغير بسرعة، فإن عليها التركيز على تعزيز قدراتها وجاهزيتها».
وخلص التقرير إلى القول إن «التحديات التي واجهتها حاملة الطائرات (ترومان) أثارت تساؤلاتٍ مهمة حول مستقبل الحرب البحرية، وكيف يُمكن للبحرية الاستعداد بشكل أفضل للتهديدات المعقدة ومتعددة الأبعاد في عالمٍ يزداد اضطراباً».

ميزانية الدفاع الأميركية
في سياق موازٍ، كشف موقع «البنتاغون» عن ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية للعام 2026م، معترفاً بشكل غير مباشر بمدى الخسائر التي تكبدتها البحرية الأمريكية في حربها مع اليمن.
وتبلغ القيمة الإجمالية للميزانية 1.01 تريليون دولار للسنة المالية 2026، بزيادة 13%، عن ميزانية العام 2025م.
وأقرّ البنتاغون في إيجازه عن الميزانية بأنّ العمليات العسكرية التي نفّذتها «القيادة المركزية الأميركية» كانت باهظة الكلفة مالياً، وأدّت إلى استهلاك كمّيات كبيرة من الذخائر.. مشيراً إلى أنّ هذه العمليات التي تندرج تحت بند العمليات الطارئة في الخارج، تتطلّب تمويلاً كبيراً لتحديد مخزون الصواريخ الاعتراضية والذخائر الأخرى التي تُستخدم بشكل يومي.
وأكّد أنّ الانتشار العسكري الأميركي في البحر الأحمر وخليج عدن، ضاعف الضغوط على أطقم السفن وعلى القطع البحرية التي قال إنها تحتاج إلى صيانة لإعادة جاهزية الأسطول الأميركي على المدى الطويل.
واستبعدت الميزانية الجديدة بعض الأصول التي أثبتت ضعفها في المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية، مثل طائرات إم كيو 9، التي استُخدمت على نطاق واسع في عمليات الاستطلاع والمراقبة والهجوم، وكانت تُعتبر ركيزة أساسية للاستطلاع والهجوم وتنفيذ اغتيالات، واستبدالها في الميزانية الجديدة بطائرة إم كيو 25.
وأعطت الميزانية المنظومات الدفاعية أولوية، في ما يؤشّر -وفقاً لمراقبين- إلى جسامة التحديات التي فرضتها الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة من اليمن، خصوصاً في ظلّ اعتراف الجانب الأميركي بتطوّر قدرات الخصوم وامتلاكهم أسلحة قادرة على اختراق الدفاعات الجوية المتقدّمة، من مثل الصواريخ الفرط صوتية.